IMLebanon

“مناقصات النفايات” تدور في حلقة مفرغة؟

waste-file

حنان حمدان

في وقت يرجح أن يعود مشهد النفايات المكدسة إلى شوارع بيروت خلال الأيام القليلة المقبلة، أرجأ وزير البيئة محمد المشنوق، أمس، البت بفض العروض المالية للشركات التي تقدمت إلى مناقصات النفايات الصلبة في بيروت وجميع المناطق الخدماتية، إلى يوم الثلاثاء المقبل، كما كان متوقعاً.

خبراء بيئيون أعلنوا عن إمكانية تأجيل فض العروض الى حين إجراء دراسة موضوعية لملف الشركات المشاركة في المناقصات. فيما ذهب مراقبون إلى أبعد من ذلك بكثير، طارحين العديد من علامات الإستفهام عن سبب المراوغة والتأجيل. فهل تم التأجيل بسبب خلاف سياسي حول النتائج؟ أم أن بت النتائج ما زال يحتاج إلى مشاورات تسمح بتقاسم الحصص بين المنتفعين؟

هذا ما أكده الوزير السابق شربل نحاس في حديث لـ”المدن”، قائلاً: هناك عمل مافيوي وراء كل ما يجري في ملف النفايات، لاسيما وأن المال العام المتروك من دون اي رقابة، يصبح عرضة لمطامع كثيرين”، متسائلاً عن هذه المناقصات غير القانونية والتي تم تكرارها ثلاث مرات متتالية، ولا تزال تحتاج إلى مدة إضافية لإجراء تقارير إستشارية بشأن المناطق. أما أكثر ما يستدعي النقد في هذا الشأن، هو أنه إذا ما تم فض العروض يوم الثلاثاء المقبل (وإحتمال التأجيل وارد لمرة أخرى) فإنه سيتم دفع أموال التلزيم من الصندوق البلدي المستقل. وبرأي نحاس “كيف يكون الصندوق مستقلاً عن مجلس الوزراء بالتحديد، وهو من يتخذ قرار صرف أمواله!”.

من ناحيته، يجد الخبير البيئي عدنان ملكي في حديث لـ”المدن”، أن ما حصل أمس، “كان يمكن أن يكون مقبولاً لو أنه حدث منذ ستة أشهر أي قبل أن يصار إلى التمديد لمطمر الناعمة مرة أخرى”. إلا أن “جريمة النفايات” وفق توصيف الملكي، “تحصل عن سابق إصرار وترصّد. فلا يمكن لأحد أن يتذرع بعدم معرفة موعد إقفال مطمر الناعمة وانتهاء عقد سوكلين. هذا ما يشكل دليلاً على أن ما وصلنا إليه اليوم تم التخطيط له مسبقاً”.

بالعودة إلى سبب تأجيل فض العروض، نجد أن اللجنة المكلفة درس العروض المقدمة من الشركات، خالفت دفتر الشروط ولم تلتفت إلى وجوب تقديم تقارير من إستشاريَين كحد أدنى عن كل منطقة. فقد لوحظ أن العديد من الملفات قام بدراستها إستشاري واحد. الأمر الذي يعد مخالفة واضحة، لاسيما وأنّ الشركات قد تقدمت لأكثر من منطقة فتمت دراسة طلبها في منطقة من قبل إستشاري واحد ومن قبل إستشاريين في منطقة أخرى. ولذلك تم تأجيل فض العروض، إلى أن يتم الإنتهاء من دراسة كل عرض من العروض الـ 17 المقدمة في ست مناطق لبنانية من قبل إستشاريَين في الحد الأدنى. على أن يتم ذلك وبشكل مكثف في الأيام القليلة المقبلة، وعليه، يؤجل إجتماع فض عروض الأسعار إلى يوم الثلاثاء المقبل.

وعما إذا كان هناك ضغط يمارسه “تيار المستقبل” لإرساء مناقصة بيروت على شركة “لافاجيت”، وما إذا كان هذا الضغط أدى إلى رفع علامات هذه الشركة، علق وزير الداخلية نهاد المشنوق في تصريح، أمس، قائلاً: “نحن لسنا إستشاريين ولا علاقة لنا بهذه الشركة ولا بغيرها”، مضيفاً: “لم يحسم شيء في موضوع المناقصات لا في السياسة ولا في أي شيء آخر. هناك علامات وضعها ثلاثة مستشارين أجانب من دول مختلفة وهي التي ستعتمد بعد فتح الأسعار”. هذا واعتبر رئيس مجلس إدارة شركة “الجنوب للإعمار” رياض الأسعد في تصريح أمس، أن “التأجيل غير مبرر، ومأخذي هو على فريق التقييم، واللجنة الوزارية ارتبكت، ويبدو أن هناك قطبة مخفية أو أن التسوية لم تكتمل، فانسحبت قبل إنتهاء الإجتماع”.

وفي السياق، لا بد من أن نتساءل عن سبب تقديم دراسة مكثفة لمناطق دون أخرى؟ فهل هناك خلاف حول موضوع آخر غير الذي تم الإعلان عنه؟ ثم لماذا يتم تحديد موعد إعلان النتائج والعودة عنه لاحقاً، إذا لم تكن هناك معطيات أكيدة؟

هذه الأسئلة اعتبرها الناشط البيئي والعضو في “الحملة الأهلية لإقفال مطمر الناعمة” زياد المهتار مشروعة، قائلاً: “ما حدث لا يبشر بالخير أبداً”، واصفاً ما يسعى إليه المسؤولون “مجرد مخدّر لتأخر إنفجار الأزمة المقبلة قريباً لا محال، والتي تستفيد منها سوكلين بشكل يثبت أنّ من دونها لا يمكن معالجة أزمة النفايات”.

قانونياً، فإن سوكلين ملزمة القيام بخدمة النفايات لمدة ستة أشهر بعد إنتهاء عقدها، وقد مر على ذلك ما يقارب الشهر ونصف الشهر، وهي بانتظار إنتهاء هذه المدة كي تضع الشروط التي تريدها، وبذلك تستفيد من الثغرات القانونية الموجودة، ما يطرح علامات إستفهام عديدة حول المستفيد المباشر من وراء التأجيل والمماطلة الحاصلين، في وقت إحتمال فشل المناقصة في منطقة بيروت والمناطق الأخرى وارد بعد وضع دفتر شروط تعجيزي، لاسيما لجهة إلزام الشركات بتأمين أماكن المعالجة. وهو ما اعتبره الملكي مناقضاً لبند آخر في دفتر الشروط، ينص صراحة، على أنه “في حال فشلت الشركات في تأمين موقع للمعالجة بعد شهر من تلزيمها، سيجري تحديد الموقع من قبل الحكومة بالسعر الذي تجده مناسباً”.

وعليه، لمرة جديدة خابت كل التوقعات، من دون الوصول إلى نهاية سعيدة في إعلان نتائج المناقصات، رغم أن إعلان الفائزين لا يعني أبداً إنهاء أزمة النفايات. إذ يحتاج التحضير لبدء معالجة النفايات إلى مدة تتراوح بين ستة أشهر و4 سنوات، وفقاً للآلية التي سيتم إتباعها. وفي إنتظار إنهاء ملف المناقصات، فهل سنكون على موعد قريب مع مشهد تكدس النفايات في الشوارع مجدداً؟ وما هي الآليات التي ستعتمدها الحكومة لتجنيب اللبنانيين تبعات هذه الأزمة؟ أم أن الأمور خرجت عن سيطرة المسؤولين؟