IMLebanon

هل تُصبح اليابان الخطر القادم على الاقتصاد العالمي؟

JapanEconomy
أسماء الخولي
بعد اليونان والصين وبورتوريكو، تظهر اليابان على الساحة الدولية كأحد مصادر القلق بالنسبة للاقتصاد العالمي. فالديون اليابانية تتفاقم بشكل سريع، والنمو يتراجع في ظل معاناة البلاد من الانكماش منذ فترة طويلة، وتتزايد الشكوك حول الاستدامة المالية على المدى الطويل التي يُمكن أن تؤدي إلى قفزة في قسط المخاطر السيادية.
يعاني الاقتصادي الياباني من تراجع مستمر في معدلات النمو وسط انكماش مستوى المعيشة في البلاد، حيث هبط نصيب الفرد من الدخل بنحو 10 في المائة مقارنة بمستويات تسعينات القرن الماضي، بسبب تراجع الإنتاجية، وارتفاع الدين الحكومي، وتراجع عدد السكان وارتفاع معدل الشيخوخة، ما قلص من قوة سوق العمل.
وانكمش الاقتصاد الياباني في الربع الثاني من العام الحالي، في أول انكماش في ثلاثة فصول وسط تراجع الإنفاق المحلي، فضلاً عن تراجع الطلب العالمي على السلع اليابانية. وقالت الحكومة اليابانية، في تقرير أولى (الاثنين) الماضي، إن الاقتصاد انكمش بمعدل سنوي بلغ 1.6 في المائة في الفترة من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران).
وجاءت القراءة أفضل على نحو طفيف من توقعات المحللين الاقتصاديين الذين كانت صحيفة «نيكي» الاقتصادية اليابانية قد استطلعت آراءهم، حيث توقعوا انكماشًا بمعدل 1.9 في المائة.
وفي حين أن الانكماش الاقتصادي في اليابان جاء أقل حدة مما كان متوقعًا، فالأرقام الصادرة غير مُشجعة مع وجود انخفاض في استهلاك قطاع الأعمال والاستثمار الخاص يقابلها جزئيًا زيادة الإنفاق الحكومي وتراكم المخزون في الشركات اليابانية التي تؤثر سلبًا على الإنتاج الصناعي.
وقال مكتب رئيس الوزراء الياباني، في تقرير أولي، إن صادرات اليابان تراجعت بنسبة 4.4 في المائة على أساس ربع سنوي، في أول انكماش في ستة فصول، وسط تباطؤ النمو في الصين. وتراجعت صادرات السيارات اليابانية إلى الصين أكثر من 30 في المائة على أساس الدولار في النصف الأول من هذا العام.
وجاء التراجع في الطلب في القطاع الخاص بفعل تراجع الصادرات إلى الولايات المتحدة وآسيا، وأوروبا، الذي دعم ضعف النمو في ثالث أكبر اقتصاد في العالم.
وأوضح التقرير، أن الإنفاق الاستهلاكي، الذي يمثل نحو 60 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، تراجع خلال الربع الأول من العام المالي الحالي بمعدل 0.8 في المائة على أساس ربع سنوي، فيما تراجع الإنفاق الاستثماري للشركات خلال الفترة نفسها بنسبة0.1 في المائة.
ويأتي معظم التراجع في الطلب الخارجي من الصين بسبب تدهور الأوضاع، ولكن الضعف في الاستهلاك المحلي، وهو ما يمثل أكثر من نصف الناتج الاقتصادي في اليابان، ينذر بالخطر.
وجزء من المشكلة هو أن توقعات النمو الاقتصادي في الحكومة اليابانية قد تكون متفائلة جدًا. وعلاوة على ذلك، فإن سياسات سعر الصرف، معدلات التجارة والتضخم، تأتي أضعف إلى حد ما مما يتفق مع الأسس الاقتصادية للبلاد.
ويُكافح بنك اليابان من أجل إحداث تعافٍ في إنفاق الأسر بعد ارتفاع ضريبة المبيعات في العام الماضي، وذلك لرفع الأسعار بما يوازي التراجع الكبير في أسعار النفط.
وقد أجبر انخفاض الأسعار رئيس البنك المركزي الياباني هاروهيكو كورودا، على تحديد جدول زمني للوصول بمعدل التضخم إلى مستوى 2 في المائة، معدل التضخم المستهدف.
وذكرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في توصياتها لتعزيز النمو الاقتصادي في اليابان ضرورة ارتفاع معدل التضخم إلى مستوى 2 في المائة، وتولي المزيد من النساء لوظائف مهنية، بالإضافة إلى إلغاء اللوائح المقيدة للمنافسة.
وقال كورودا، في وقت سابق أغسطس (آب) الحالي إنه سيدرس توسيع أرصدة البنك بنحو 80 تريليون ين (640 مليار دولار) كخطة سنوية لشراء الأصول – على غرار التيسير الكمي للاحتياطي الفيدرالي الأميركي – إذا ظلت أسعار النفط ضعيفة بما يُبقي على معدلات التضخم قريبة من الصفر.
وفي يوليو (تموز) الماضي، خفض البنك المركزي الياباني التوقعات السنوية للنمو والتضخم للسنة المالية المنتهية في مارس (آذار) 2016، لكنه أبقى على مزيد من التيسير النقدي الذي يتوقع الكثير من المحللين أنه سيأتي في وقت لاحق هذا العام.
وقد سمح الين الضعيف للمصدرين المحليين في الفترة الأخيرة بالاستحواذ على حصة كبيرة من السوق الاستهلاكية في كل من كوريا الجنوبية وتايوان.
لكن يبدو أن تلك الميزة التنافسية ستتغير بسرعة. فهناك زيادة في ضريبة المبيعات من 8 في المائة إلى 10 في المائة مقررة في عام 2017. وارتفعت الضريبة من 5 في المائة إلى 8 في المائة في عام 2014، ولكن تم دفع الارتفاع الثاني المقرر لهذا العام مرة أخرى بسبب الضعف الاقتصادي.
ورغم أن أريكي أماري وزير الاقتصاد الياباني، قال إن هناك الكثير من العوامل التي ساهمت في انخفاض الناتج الاقتصادي خلال الربع الثاني. فقد أشار، في حديث له (الاثنين) الماضي عقب الإفراج عن بيانات النمو، إلى أن هناك الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى توقع حدوث انتعاش في إنفاق المستهلكين في الربع الثالث، مضيفًا أن هناك أيضًا الكثير من الفرص للشركات لزيادة النفقات الرأسمالية.
وقال هيديو كومانو، الخبير الاقتصادي في معهد بحوث الحياة داي إيتشي ومسؤول البنك المركزي الياباني السابق: «كان الاستهلاك الخاص ضعيفا جدًا، وتراجعت الصادرات أيضًا، مما يعكس التباطؤ في الاقتصادات الناشئة، وخصوصًا الصين».
وقال تقرير نشره موقع «ماركت ووتش»، إنه في الوقت الذي يخشى فيه المستثمرون من المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الصين وسط انهيار سوق الأوراق المالية بها وتراجع مؤشرات التصنيع بأكبر وتيرة في عامين، فإن اليابان تبدو في وضع أكثر سوءًا.
ويعتقد الخبير في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية راندال جونز، أن اقتصاد اليابان لن يسجل معدل نمو يتجاوز 2 في المائة سنويًا.
ويأتي تقرير جونز مخالفًا لبرنامج شينزو آبي رئيس الوزراء الياباني الطموح بشأن الاقتصاد، حيث لا يرى التقرير أن اليابان ستعود للأداء النشط الذي سجلته قبل 30 عامًا.
وكانت اليابان في عام 1990 تعتبر قوة صناعية كبرى، حيث احتلت المرتبة الثالثة عالميًا في حجم الصادرات بنسبة 10 في المائة من صادرات العالم، خلف ألمانيا، والولايات المتحدة، بينما كانت الصين تُمثل نحو 2 في المائة من الصادرات العالمية.
كما اتسع العجز التجاري الياباني إلى أكبر مستوى لها في خمسة أشهر في يوليو الماضي، إضافة إلى المخاوف بشأن الانتعاش في ظل ضعف الطلب في الصين للمواد الكيميائية والآلات والإلكترونيات.
ورغم ارتفاع الصادرات بنسبة 7.6 في المائة عن العام السابق، انخفضت الواردات بنسبة 3.2 في المائة فقط، أي أقل من التوقعات. وبلغ العجز 2.2 مليار دولار 566 مليون دولار في يونيو وكان الأكبر منذ فبراير (شباط) الماضي.
وقالت مؤسسة «كابيتال إيكونيمكس»، الرائدة في الاقتصاد الكلي، في مذكرة بحثية: «إن العجز التجاري ارتفع في يوليو، وسيستمر في الارتفاع في الأشهر المقبلة، حيث إن ضعف الين يدفع تكاليف الواردات للارتفاع».
واليابان التي تساهم بنحو 6.18 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي، يناهز حجم ديونها السيادية قرابة 20 في المائة من الدين العالمي.
وحذر صندوق النقد الدولي من أن الدين الياباني ستكون ثلاثة أضعاف حجم اقتصادها بحلول عام 2030 ما لم تتحرك الحكومة الآن للسيطرة على الإنفاق.
وجاءت اليابان كأعلى دولة على مستوى العالم في نسبة دينها العام، بعدما بلغت ديونها بالفعل نحو 245 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، أو أكثر من 1 كوادريليون ين (11 تريليون دولار).
وقال صندوق النقد الدولي، في تقرير في يوليو الماضي: «الدين العام في اليابان غير قابل للاستمرار في ظل السياسات الحالية»، مضيفًا: «وهناك حاجة إلى خطة متوسطة الأجل ذات مصداقية لضبط أوضاع المالية العامة، والتي ينبغي أن تهدف إلى وضع الديون على مسار نزولي».
وحث صندوق النقد الدولي مرارًا اليابان للسيطرة على ديونها العملاق. وللمضي قدمًا، يقول صندوق النقد الدولي إن ثالث أكبر اقتصاد في العالم يحتاج إلى تحقيق التوازن بين النمو وتخفيض الديون.
على سبيل المثال، من المقرر تنفيذ المرحلة الثانية من زيادة ضريبة المبيعات في أبريل عام 2017. وهذا يعني المزيد من المال في خزائن الحكومة، ولكن في خطر تباطؤ النمو. وقد أوصى صندوق النقد الدولي اليابان بدء العمل الآن لإيجاد سبل لتعويض ذلك عبئًا على الاقتصاد.
ويرى الصندوق أن اليابان تحتاج أيضًا إلى مواصلة إعطاء الأولوية للإصلاحات الهيكلية. فرغم أن البلاد حققت بعض التغييرات الرئيسية كجزء من «Abenomics» الخطة الاقتصادية التي دافع عنها رئيس الوزراء شينزو آبي، يقول البنك أن هناك المزيد الذي يُمكن القيام به.
وقال كالبانا كوشار، نائب مدير صندوق النقد الدولي لقسم آسيا والمحيط الهادي، ثمة خطة محددة لتحفيز النمو من خلال توفير الثقة للقطاع الخاص حول ما هو المسار المستقبلي للسياسة المالية، وبالتالي، تحفيز سياسات الاستهلاك والاستثمار بصورة إيجابية على حد سواء.