IMLebanon

تخفيض العملة وحده لا يكفي لمواجهة تحديات الصين

china-currency-yuan
جابرييل ويلداو

الهبوط المفاجئ في قيمة العملة الصينية في الأسبوع الماضي أثار جدلا حاميا حول ما إذا كان هذا القرار نصرا لدعاة إصلاح السوق، أم تخفيضا تنافسيا يقصد به تعزيز الصادرات الضعيفة.

لكن حتى الذين يصدقون أن الهبوط بنسبة 3 في المائة كان موجها إلى شركات التصدير يقبلون بأن الرنمينبي الضعيف بحد ذاته قاصر تماما عن التكيف مع التحديات التي تواجه الاقتصاد الصيني.

قال كو هونجبين، كبير اقتصاديي الصين في بنك HSBC: “تخفيض العملة بهدف تحفيز نمو الصادرات ليس مفيدا ولا ضروريا”. وهو يلاحظ أنه في حين أن صادرات الصين تراجعت خلال هذا العام، إلا أن شركات التصدير في آسيا واجهت التحدي نفسه، ما يشير إلى أن المشكلة الكامنة هي الطلب المتباطئ في الأسواق المتقدمة”.

رسميا سجل الاقتصاد الصيني نموا سنويا بنسبة 7 في المائة خلال النصف الأول من هذا العام، وهو أمر ينسجم بشكل جميل مع الهدف الذي تريده الحكومة للعام بأكمله. لكن بعضهم يشك في هذا الرقم – كابيتال إيكونومكس، مثلا، ترى أن النسبة هي 5 إلى 6 في المائة – وهناك إشارات على نطاق واسع إلى أن الحاجة تدعو إلى مزيد من التحفيز من أجل الحؤول دون الركود الاقتصادي.

مع ذلك انتعاش الصادرات من شأنه تعزيز النمو بصورة هامشية فقط. خلافا للرأي التقليدي السائد، لم تتبع الصين ما يسمى “النمو المدفوع بالتصدير” خلال العقد الماضي. في المتوسط، كان صافي الصادرات يقتطع 3 في المائة من النمو السنوي في الناتج المحلي الإجمالي الصيني خلال الفترة من 2004 إلى 2014. في هذه الأثناء، ساهم الاستثمار في النمو بنسبة 52 في المائة في المتوسط كل سنة.

أهمية الاستثمار تفسر لنا السبب في أن البيانات التي صدرت في الأسبوع الماضي سوف تقض مضجع رئيس الوزراء، لي كيكيانج. الاستثمار في الأصول الثابتة توسع في الأشهر السبعة الأولى من عام 2000 بأبطأ معدلاته منذ عام 2015، وكان مدفوعا بالانهيار في الاستثمارات العقارية. وفي تموز (يوليو) كان إنتاج المصانع أيضا بالكاد فوق أدنى نسبة على مدى أربع سنوات، التي لامسها في آذار (مارس). وفي الأسبوع الماضي كتب تشين لونج، الاقتصادي المختص بالصين في مؤسسة الأبحاث Gavekal Dragonomics: “بيانات الصين الاقتصادية عن تموز (يوليو) ربما كانت تفتقر إلى القوة المتفجرة المميتة التي شهدناها في الانفجار الذي انطلق في مدينة تيانجين الصناعية الذي وقع الأسبوع الماضي، لكنه كشف عورة الانحدار الأوسع في الظروف المحلية للاقتصاد الكلي”. ورغم أن مبيعات العقارات بدأت بالارتفاع في أعقاب 13 شهرا متتاليا من التراجع، تظل السوق عالقة بعدد ضخم من الشقق غير المباعة. وأدى هذا بشركات التطوير العقاري إلى التراجع عن الإنشاءات الجديدة، الأمر الذي أضر بالطلب على المواد الأساسية مثل الفولاذ والأسمنت. وأمام هذا التباطؤ، تعكف المصانع التي تنتج هذه السلع الأساسية على تقليص الناتج الحالي وتقليص الاستثمار في توسيع الطاقة الإنتاجية. الأمر الذي يثير الكآبة أكثر من ذلك هو وجود علامات تفيد بأن تباطؤ الإنتاج ربما أخذ أخيرا ينتشر في سوق اليد العاملة.

وقادة الصين لديهم حساسية من خطر القلاقل الاجتماعية الناتجة عن الارتفاع الكبير في عدد العمال العاطلين عن العمل، لكنهم كانوا حتى الآن راغبين في تحمل أربع سنوات متتالية من التباطؤ الاقتصادي لأن معدل البطالة بقي منخفضا. هذا الوضع ربما يشهد الآن بعض التغير.

وكثير من المراقبين يعتبرون أن أرقام البطالة الرسمية غير موثوقة، لكن مؤشرا للطلب على اليد العاملة استنادا إلى بيانات من FT Confidential، وهي خدمة للأبحاث في “فاينانشيال تايمز”، يبين أن الطلب على اليد العاملة تراجع في تموز (يوليو) للمرة الأولى منذ 2012.

وسجل المؤشر 49.3 نقطة في الشهر الماضي، نزولا من رقم متوسط يبلغ 67.8 نقطة على مدى الأشهر الستة الأولى من العام. وحين يكون الرقم أقل من 50 نقطة، فإن هذا يشير إلى تراجع الطلب على العمال.

وكان رئيس الوزراء الصيني يقول مرارا وتكرارا إن الصين لن تلجأ إلى عمليات التحفيز المكثف الذي من شأنه تعزيز النمو على الأمد القصير لكنه يعقد المشاكل مع فائض الديون ومع فائض القدرة الصناعية. بدلا من ذلك، تريد القيادة تحقيق إصلاحات هيكلية من أجل تعزيز أنموذج جديد للنمو يعتمد على المزيد من الاستهلاك والخدمات.

والتمسك بهذا التعهد يعني تحمُّل الألم الناتج عن تباطؤ الاستثمار، في الوقت الذي يقل فيه الاعتماد على التصنيع الثقيل الذي ازدهر في ظل أنموذج النمو القديم، لتحل محله نماذج صاعدة مثل الرعاية الصحية والتعليم والسياحة وتكنولوجيا المعلومات. وحتى الآن وظفت الحكومة التحفيز المستهدف (على شكل الإنفاق في المالية العامة) على البنية التحتية، في حين أنها تقاوم الضغط من أجل إطلاق موجة من الإقراض من المصارف التجارية إلى قطاع التصنيع، كما حدث في 2008. وأدت خطة التحفيز إلى ارتفاع الديون في عموم الاقتصاد الصيني أربعة أضعاف، من سبعة تريليونات دولار في 2007 إلى 28 تريليون دولار في 2014، وهو ما يعادل 282 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. لكن إذا استمرت سوق العمل في التراجع، فسوف يزداد الضغط من أجل اتخاذ إجراءات جذرية.

العنصر المتغير في المعادلة هو الانكماش. تراجعت أسعار الجملة على مدى 40 شهرا متواليا، وتسارع التراجع في تموز (يوليو). وتراجع الأسعار العالمية للسلع الأساسية هو الذي يُلام على الانكماش الصيني، لكن هذا ليس مصدر عزاء للشركات المدينة التي تشهد تراجعا في حركة النقد الاسمية لديها، حتى في الوقت الذي تظل فيه ديونها ثابتة.

في توضيح يبين أن الانكماش يعمل على تقويض جهود التخلص من الرفع المالي، تستمر نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين في الارتفاع هذا العام، حتى في الوقت الذي تراجعت فيه القروض الجديدة بنسبة 21 في المائة في الأشهر السبعة الأولى، مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي. السبب في ذلك هو أن انخفاض معدل التضخم أدى إلى تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بصورة أكثر حدة من الديون واجبة السداد.

قال تاو وانج، كبير اقتصاديي الصين في “يو بي إس”: “من الواضح أن المشكلة الطاغية بالنسبة للصين تظل مشكلة ارتفاع الضغوط الانكماشية”.