IMLebanon

شتّان ما بين أيار 2008 وآب 2015! (طوني أبي نجم)

lebanon-manifestation-23-august

كتب طوني أبي نجم

يبدو أن ثمة من يراهن في آب الـ2015 بتكرار سيناريو أيار الـ2008. هكذا فجأة ومن دون مقدمات تنزل مجموعات معروفة الانتماء والتبعية سواء الى حركة “أمل” أو “حزب الله” وتعيث تخريباً وفساداً في وسط بيروت، تعتدي على الأملاك العامة والخاصة ولا تتردّد في الاعتداء على القوى الأمنية، في مشهد أعاد الى أذهان اللبنانيين صور 7 أيار 2008 السوداء.

لكن فات هؤلاء أن بين الـ2008 والـ2015 7 سنوات تبدّلت فيها أمور كثيرة ومعطيات جمّة ومعادلات وموازين قوى جوهرية تجعل من إسقاط بيروت اليوم أضغاث أحلام مهما حاول البعض أو تجبّر.

في الـ2008 كان غض نظر عربي، وتحديداً سعودي، عن عملية محدودة لـ”حزب الله” في بيروت أوصلت الى اتفاق الدوحة، وشكلت إحدى مقدمات الـ”س-س” التي فشلت لاحقاً فشلاً ذريعاً بفعل محاولات تذاكي بشار الأسد.

أما في الـ2015 فالمعادلات كلها تغيّرت. وإذا كان صحيحاً أن الوضع الداخلي لقوى 14 آذار هو أسوأ بكثير مما كان عليه في الـ2008، فإن أوضاع “حزب الله” الغارق في الوحول السورية ليست أفضل بكثير، وخصوصا بعد سلسلة إخفاقاته الهائلة في المعارك من القلمون الى الزبداني وما بينهما. وبالتالي فإن الأفرقاء الداخليين يتساوون في التراجع. أما إقليمياً فالوضع اختلف بشكل جذري. المملكة العربية السعودية انتقلت للمرة الأولى منذ عقود طويلة الى موقع الهجوم العسكري والسياسي في كل دول الإقليم، وها هي تشارف على الانتهاء من قيادة معركة إنهاء الحوثيين في اليمن، وتدعم المعارضة السورية فيعجز جيش بسار الأسد و”حزب الله” مجتمعين عن التقدم متراً واحداً في الزبداني بعد أكثر من شهرين على محاولة تدمير الزبداني على رؤوس أهلها. وها هي إيران للمرة الأولى منذ الانسحاب الأميركي من العراق تجد نفسها في موقع لا تُحسد عليه بعد هجوم السيستاني- العبادي على رموز الفساد الإيراني في بغداد بقيادة نوري المالكي ما يشي بتبدّل المعطيات في العراق لمصلحة تقدّم الشيعة- العرب على الشيعة- الفرس او شيعة الولي الفقيه!

وبالتالي وجدت إيران نفسها تعاني إقليميا على كل الجبهات رغم توقيع الاتفاق النووي مع الغرب، وتأكد لها أن الاتفاق النووي لن يتعدّى منعها من تصنيع قنبلة نووية في مقابل إراحتها اقتصاديا في الداخل من دون عقد أي صفقات إقليمية معها. ربما شكّل كل ما تقدّم الدافع الأساسي لمنظومة الولي الفقيه لمحاولة الردّ في لبنان على كل ما يجري من الخسارة في اليمن في مواجهة “عاصفة الحزم”، مرورا بالتطورات الخطيرة في العراق وصولا الى الفشل في سوريا.

ولكن لا شيء يبشّر بأن وضع أتباع إيران في لبنان سيكون أفضل حالاً من وضع زملائهم في المنطقة، وخصوصاً أن الرياض لا تبدو في وارد تقديم أي تنازل لطهران في المنطقة كلها، وخصوصاً في العواصم العربية الأربعة التي تباهى مسؤولو الحرس الثوري الإيراني يوماً أنهم يسيطرون عليها. كما أن النبض المقاوم للمشروع الإيراني في لبنان لا يزال قادراً على المواجهة.

هكذا يتّضح أن الرهانات البالية على تكرار سيناريو 7 أيار ستسقط بشكل مدوّي، وخصوصاً أن الجيش اللبناني يملك قراره هذه المرّة بعدم السماح بالعبث الأمني في الداخل وخصوصاً أن “داعش” على الحدود، كما أن قدرة الممانعة الداخلية في وجه أي مغامرة لـ”حزب الله” لا تزال في مستويات عالية رغم تراجع الزخم.

وبالتالي فإن أي رهان للقيام بـ7 أيار جديد سينقلب على المراهنين عليه، كما أن التعويل على القدرة على الاستمرار في التعطيل لن يكون في مكانه لأن القرار بالدفع قدماً، ولو بالحد الأدنى في تفعيل عمل الحكومة اتُخذ على صعيد قيادات 14 آذار في ردّ سياسي ومباشر على المحاولات الانقلابية الفاشلة. وإن غداً لناظره قريب!