IMLebanon

أرقام الدين العام: الدولة تخدع مواطنيها

MinistryFinance
عزة الحاج حسن

اعتاد اللبنانيون على تجاهل أرقام المالية العامة لأسباب تتعلّق غالباً بضعف الأمل لديهم في لجم تراكم الديون وما يتفرّع عنها من مسارب هدر وفساد. كما اعتادت المراجع الرسمية، لاسيما جمعية المصارف اللبنانية ووزارة المال، على عرض أرقام مخفّفة للدين العام و”غير صريحة” في أغلب الأحيان، في غياب أي حسيب أو رقيب.

فالأرقام المالية تُنحت وتُدوّر زواياها قبل عرضها على المواطنين، وعلى الرغم من نحتها تبقى صادمة لمن يدقّق في ما يُعرض منها، نظراً الى اعتماد سياسة الـ”تعتيم” في الإحصاءات المالية عموماً لاسيما أن الأرقام شبه موحدة بين وزارة المال والمصارف أي بين القطاعين العام والخاص (وهي حالة فريدة)، لأسباب تعود الى مصلحة الطرفين في التخفيف من وطأة خطورة الأرقام، وهنا نتحدث عن أرقام الدين العام على سبيل المثال لا الحصر.

الدين العام في لبنان بات “كرة ثلج” تتراكم وتكبر، بشكل يومي، من دون أي رادع، حتى أن جزء كبير من تراكمات “كرة الثلج” لا يعود الى أصل الدين العام فحسب بل يعود بالدرجة الأولى الى تراكمات الفوائد، والفوائد على الفوائد، وهو ما يُطلق عليه بلغة منمّقة “خدمة الدين العام”، ويأتي بالدرجة الثانية هدر المال العام وخدمة عجز كهرباء لبنان.
أما تبريرات ارتفاع الدين العام بشكل سنوي، والتي تدور حول ارتفاع اسعار النفط وأثرها على التحويلات الى شركة كهرباء لبنان، فقد غابت عن الإحصاءات المالية الأخيرة بفعل تراجع مستوى سعر النفط نحو ثلاثة أضعاف عن السنوات السابقة، من دون أن يترك أي أثر على الدين العام لجهة تراجعه.

فما تفسير بلوغ الدين العام نحو 47 مليار دولار في العام 2008 تزامناً مع اقتراب سعر برميل النفط من ذروته أي 145 دولاراً للبرميل، مقابل ارتفاعه (أي الدين العام الإجمالي) نحو 4.8% في النصف الأول من العام 2015، ليفوق 69 مليار دولار في حين أن سعر برميل النفط كسر حاجز الـ40 دولاراً للبرميل، ما يعني أن التحويلات إلى شركة كھرباء لبنان تراجعت بنسبة 39.55%، وإن دلت هذه الأرقام على شيء فهي تدل على أن خدمة عجز الكهرباء لم تعد في سلم أسباب تراكم الدين العام.

وبالعودة الى ارتفاع الدين العام الإجمالي فلا يستخفن أحد بنسبة 4.8%. فهذه النسبة تمثّل نحو 3.32 مليار دولار مقارنةً بالمستوى الذي كان عليه في النصف الأول من العام 2014، ما يبشّر بارتفاع الدين العام نهاية العام الجاري 2015 بنحو 9.6% بالمقارنة مع العام 2014، أي أنه سيزيد نحو 6.6 مليار دولار، والنتيجة أن الدين العام الإجمالي سيستقبل العام 2016 بأكثر من 72 مليار دولار، ونسبته 142% من الناتج المحلي الإجمالي.

وليست الـ72 مليار دولار سوى دين عام بمنطق الدولة وشركائها المصارف الخاصة، إذ في حال استندنا الى نظرية الدين العام وفق المنهجية الإقتصادية الأكاديمية المعتمدة دولياً، نصل الى نتيجة كارثية، وهي أن الـ72 مليار دولار ما هي إلا واجهة للدين الحكومي وليس العام (أي الديون المتراكمة من العمليات الحكومية من خلال الموازنات العامة)، ولاحتساب الدين العام الفعلي علينا إضافة دين المؤسسات العامة المالية الى دين الدولة.

بحسب النظرية الدولية، وفي حالة لبنان خصوصاً، علينا إضافة دين مصرف لبنان الى دين الدولة، نظراً الى أن مصرف لبنان هو مؤسسة مالية عامة، وتشير الأرقام الى أن دين مصرف لبنان (ودائع من المصارف وشهادات إيداع) يفوق 51 مليار دولار، واذا استثنينا شهادات الايداع التي أطلقها منذ قرابة الشهر وبعد إجراء عملية مقاصة بين مصرف لبنان والدولة وشطب الديون بين الطرفين، يصبح دين مصرف لبنان نحو 35 مليار دولار. وبالتالي يكون الدين العام الإجمالي كسر حاجر المئة مليار دولار ليقارب 104 مليارات دولار خلال النصف الأول من العام 2015 ومرشح للإرتفاع الى 107 و 108 مليارات حتى نهاية العام.

التراكم السريع للدين العام اللبناني لم يرتق يوماً الى سلم أولويات الحكومات المتعاقبة منذ عشرات السنين ولم يشهد أي محاولة لوضع خطط للحد من تطوره أو تفكيكه أو حتى تحديد سقف أعلى له، على غرار بقية دول العالم. والأنكى من كل ذلك، هو قوننة الدين العام وفق قانون إستحداث مديرية للدين العام في مديرية المالية العامة صدر عام 2008، وكما غالبية القوانين المالية هو “من دون أي جدوى”.