IMLebanon

هذا الوطن في داخلي يحترق (هدبا باتور)

beirut-manifestation-6

 

 

بقلم هدبا باتور

 

 

في أغلب الأحيان يكون الصمت أبلغ الكلام.. وخاصة حينما يشتدّ الظلام

هذا الوطن في داخلي يحترق ولم أعد أصدق أحدا.

صار المستقبل عندي كحبّة دراق جافةٍ أضعها في فمي ولا أشعر بطعمتها. لقد فقدت رغبتي بالحياة ككل الناس.

أجلس على الكنبة في بيتي واتمدد وأدير التلفاز وأغيّر المحطات على وقع الأعصاب والصراخ .. هذا الشعب يصرخ فماذا أفعل؟

أطفئ التلفاز والصوت لا ينطفئ.. أتأمل وجوههم فأموت. هذا الشعب الجائع “فاق يا جماعة” فلنصبّح عليه..

أتأمل عطشهم للحياة والوطن وأصغي إلى نبرات أصواتهم العالية التي تترك الحناجر وتمشي على رصيف الدولة.. هذا الشعب لم يعد يريد أن يبيع نفسه بعد اليوم. لقد استفاق على كرامةٍ في ساعات الليل المتأخرة جدًا ولبس معطفه وحمل الشعلة ومشى فحرق نفسه بالشعلة مجددًا.

ما هو الحل؟

“ما في حل طالما كلنا في الجلّ”.

علينا أن نصعد من الجلّ الموحل وننظف انفسنا وعقولنا ونبدأ بفعل “التقبّل”.. تقبّل الآخر مهما كان ومهما فعل.

“مش لأنو كل مين على دينو الله بيعينو” لا.. بل لأن الوطن يا أحبائي لا يبنى على طريقة إنسان بالتفكير أو بالمعتقد.. أشعر بالإشمئزاز حينما أنظر وأجد اننا بعيدين جدًا جدًا عن الحد الأدنى من الإنسانية.. أجبر نفسي على الكتابة رغم أن “الأريحة” نزلت و”الريحة طلعت”.

نعم “طلعت” في كافة المجالات والأصعدة، والإشمئزاز يزيد، واليأس على وشك أن يهبط علينا وهذه الصحوة المتأخرة التي توجعني..متأخرة.

كفاكم نقرًا على الوتر الطائفي.. “كفّرتونا!”

لم يعد لدينا مشكلة مع الآخر صارت مشكلتنا مع أنفسنا.. صارت أصعب. أتحدى أكبر مواطن لبناني أن يقف أمام مرآته لنصف دقيقة من دون الإستعانة بالمهدئات.. نحن يا شعب لم نعد نقوى على مواجهة أنفسنا وأنا أوّلكم. لا أقدر أن أقول لنفسي أنني فشلت.. لا أجرؤ.

شهادتي الجامعية استعملتها البارحة حينما نفذ الشاي، وضعتها في كوبٍ ساخن وشربتها وغصصت، وكنت حينها أسمع صراخ الشعب المستيقظ وكنت حينها ..سأغفو.

لم يعد هناك من رغبة بالمستقبل ولا من رغبة بالماضي وأقول لزوجي إن “الوطن مأثر عليي سلبًا” فيضحك مني ويقول” كنا ناسيين أصلًا إنو في وطن ليش ذكّرونا؟”.

لمن أقول إنني لم أعد أريد أن أكمل هذا المسير العسير المثير للشلل، أنا مشلولة وباللامبالاة مبلولة ككل الناس.

عندما كنت في الجامعة “كانت الدني مش سايعتني”. كنت أعتقد أنني سأبني برجًا من النجاح اكبر من برج إيفل.. والآن أصبحت الدنيا ضيقة “يمكن لأنو كترو العالم والجلّ ضيّق.. فطبيعي تطلع ريحتنا”.