IMLebanon

تطوير حقل الانترنت… خسائر اقتصادية سببها السياسة

FiberOptic
مارسيل محمد

تدخل التكنولوجيا الرقمية في صلب حياة المواطنين اليوم، فلا يخلو بيت او مؤسسة من أجهزة الاتصالات الرقمية. حتى ان المؤسسات التقليدية بدأت بتحديث أنظمتها لتتلاءم مع سرعة التطور في هذا المجال. فمن المستشفيات الى المدارس ووسائل الاعلام، الى الشركات التجارية ومؤسسات الدولة الامنية، الى أصغر دكّان في الشارع، كلهم يعتمدون على الانترنت والتكنولوجيا الرقمية. وهذا التطور السريع، يضع المؤسسات والدول امام تحدّي إيجاد النظم الملائمة للتعامل مع اي محاولات استغلال، وفي المقابل، على الناشطين في هذا المجال ايجاد الآليات الضرورية لحماية أنفسهم وحماية مصالح الافراد من سوء استعمال السلطة، التي تعطّل في الكثير من الاحيان المصلحة العامة التي قد تُدرّ على الخزينة العامة والأفراد أموالاً كثيرة.

إشكالية العلاقة بين حقوق المواطنين بتأمين شبكات اتصالات مؤهلة، وقادرة على استيعاب حجم الطلب، وبين تقاعس الدولة عن تأمين ذلك، ليست وليدة اللحظة، وليست وليدة الصدفة، بل هي نتيجة تراكمات لسنوات من الفساد السياسي، يدفع الاقتصاد والمواطن ثمنه. فنوعية الخدمات التي يحصل عليها المواطن لا تتناسب مع الكلفة التي يدفعها لقاء الخدمات. اما محاولات الدولة، المتمثلة بقطاع الاتصالات، فلم تتعدَّ بعض الاصلاحات الخجولة التي لم تؤثر ايجاباً على القطاع، فتخفيض كلفة خدمة الانترنت منذ العام 2010، رفع نسبة الطلب لكنه خفّض بالمقابل نوع الخدمة، لأن الطلب زاد الضغط على الشبكة، والدولة لم تجرِ الاصلاحات المطلوبة لإستيعاب حجم الطلب المتزايد. اما عدم انجاز الاصلاحات المطلوبة، فيعود بشكل اساسي الى العراقيل السياسية، حيث ان الصراع بين الوزراء المتعاقبين على وزارة الاتصالات، وهيئة اوجيرو، وصل الى اوجه من خلال امتناع الهيئة عن تنفيذ قرارات الوزارة، وفي خضم ذلك، يلقي كل طرف بالمسؤولية على الطرف الآخر. اما مصلحة المواطن، فتأتي في المرحلة الاخيرة.

ملاحظة واقع قطاع الاتصالات، وخاصة الشق المتعلق بالانترنت، يفتح الباب امام تساؤلات كثيرة تتعلق بـ “حرية الانترنت في لبنان”، وبمصير الإستثمارات المرتبطة بتطوير هذا القطاع. والناشطون في مجال الحريات العامة، ينظرون الى عرقلة تطوير مجال الانترنت من قبل الوزارة المعنية، على انه حجز لحرية المواطن ولحقه بالوصول الى المعلومات وتداولها. وقد توسّعت مؤسسة مهارات ومكتب اليونسكو الاقليمي في بيروت، في الحديث عن هذه الحرية عبر اطلاق “تقرير حرية الانترنت في لبنان” خلال مؤتمر صحفي عقد صباح اليوم في مكتب اليونسكو. وعلّق التقرير على الصعوبات التي يواجهها هذا القطاع، منتقداً العراقيل السياسية وغياب الخطط الواضحة لإدارة وتحسين هذا القطاع، فضلاً عن رفض قمع الحريات عبر الانترنت، والتي تتصل بشكل اساسي بقمع حرية التعبير وحجب المواقع الالكترونية وتمكين المؤسسات الامنية من الوصول الى المعلومات الشخصية للأفراد عبر الانترنت.

الثغرات تلك، تؤدي ايضاً الى هروب الرساميل والاستثمارات في مجال الانترنت، اذ ان “الكثير من الاستثمارات لم تأتِ الى لبنان نتيجة عدم توفر البنية التحتية الملائمة للإستثمارات. واذا لم يتم استدراك الموضوع والعمل على تفعيل الخطط الموجودة، سيتراجع لبنان كثيراً في هذا المجال. والاقتصاد اللبناني بات مرتبطاً بالتكنولوجيا الرقمية”، وفق ما تقوله لـ “المدن” المديرة التنفيذية في “مهارات” رولا مخايل، التي تؤكد ان إحدى النقاط المطروحة كحل، هي خصخصة القطاع لضمان المنافسة بين الشركات، والخصخصة يمكنها ان تكون عبر طرح أسهم في البورصة اللبنانية، مما يمكّن المواطن من المشاركة في الخصخصة، ومن ناحية اخرى تجعله شريكاً مباشراً في ادارة مؤسسات الدولة، والاستفادة من العائدات المادية لإستثماراته.

في السياق نفسه، تشير مصادر “المدن” في وزارة الاتصالات الى ان “ازمة الانترنت متصلة بشكل وثيق بأزمة قطاع الاتصالات ككل”، وبرغم ذلك، تقرّ المصادر بوجود “نكايات سياسية تعرقل التطوير، والوزارة تحاول اليوم ايجاد نقاط مشتركة بين المعنيين بهدف الوصول الى حلول مقبولة، مع التشديد على صعوبة حلّ الازمة جذرياً”. وتعلم الوزارة بحسب المصادر ان “تأخير الحلول يضر بالمؤسسات العامة، ويجنّب خزينة الدولة أموالاً هي بأمس الحاجة إليها، ويمكن ان تأتي عبر توسيع الاستثمارات في المجال الرقمي”.

الكثير من دول العالم سبقتنا في الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية، وباتت الاستثمارات في هذا المجال مربحة جداً، وتخفّض الاعباء عن كاهل الدولة. فعلى سبيل المثال، فإن تطوير المناهج التربوية لتتلاءم مع التقنيات الرقمية، يعفي الدولة من هدر المال على تحديث وطباعة المناهج بالأدوات التقليدية، والتطوير قد يجذب المستثمرين ويشجعهم على الاستثمار في القطاع التربوي. ناهيك عن تطوير التجارة الالكترونية التي باتت رائجة في اغلب الدول، ويحاول لبنان بصعوبة شق الطريق بذلك الاتجاه، لكنه بحاجة الى اصلاحات قانونية تشرّع التجارة الالكترونية وتضبطها.