IMLebanon

الغاز المصري وكهرباء لبنان

ElectricityLeb2

مروان اسكندر

شاركت في القاهرة في ندوة نقاش تمهيدية لمؤتمر مؤسسة الفكر العربي الذي سينعقد في 6/12/2015.
كان المناخ المصري متفائلاً بالمستقبل لسببين رئيسيين. الأول ان المصريين أنجزوا توسيع مسارب النقل في قناة السويس بحيث باتت طاقة عبور السفن والناقلات للقناة تسمح بزيادة اعدادها بنسبة ملحوظة وتاليا يقدر ان ترتفع مداخيل تشغيل القناة بدءًا من هذه السنة.
احتفل المصريون بهذا الانجاز لانهم حققوه في أقل من سنة وتكاليف الاعمال التي بلغت نحو سبعة مليارات جنيه، أي ما يوازي 900 مليون دولار بحسب اسعار الصرف اليوم، توافرت من شراء المصريين اسهماً جديدة في الشركة اكتتبوا بها هم أنفسهم.
أما السبب الثاني للتفاؤل، فهو إعلان شركة ايني Eni الايطالية، وهي شركة النفط الوطنية، انها حققت اكتشافًا كبيرًا لحقل غاز في المياه الاقليمية على عمق 1650 مترًا تحت سطح البحر وان الكميات المكتشفة تقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعب. وقد أبدت استعدادها لتسويق 40 في المئة من حصتها في الحقل لاي شركة نفطية ضخمة او للمواطنين المصريين، من اجل تطوير هذا الحقل العملاق وتوفير الغاز في غضون سنتين.
ويعلم كل متابع لشؤون الطاقة وبصورة خاصة لحاجات انتاج الكهرباء باستعمال الغاز ان مصر واجهت نقصًا في الامدادات خلال السنتين المنصرمتين لان محطات انتاج الكهرباء فيها تستعمل الغاز كلقيم وان لم يكن متوافرًا تظهر الحاجة إلى استيراد المازوت أي المنتج المكرر من النفط بأسعار مرتفعة.
وهذا النقص في الامدادات نتج من سوء ادارة انتاج الغاز، كما بيَّن احد كبار خبراء الغاز المصريين في مؤتمر انعقد في بيروت بمبادرة من مؤسسة الدراسات الفلسطينية قبل شهرين، باستيراد كميات من المازوت وتسلم شحنات توافرت في النصف الاول من عام 2013 من قطر. وبعد إطاحة الرئيس محمد مرسي، توافرت امدادات من اتحاد الامارات اضافة الى مستوردات المازوت التي تستنزف موارد النقد النادر أو الدولار.
قبل 2005 عقدت اتفاقات لتصدير الغاز المصري عبر انبوب انجز في الاردن وسوريا ولبنان، وتم وصل الانبوب بتفرع من سوريا الى لبنان، وتحقق استيراد كميات ملحوظة عبر هذا الخط، لكن استعماله توقف في 2005 نتيجة تشنج العلاقات السورية – اللبنانية بعد اغتيال الرئيس الحريري، الذي كان وراء اشتراك لبنان في هذه الاتفاقات، وكانت حجة السوريين ان حاجاتهم تستوجب استعمال كل الكميات التي تصل الى سوريا.
أما اليوم، فقد تعدل الوضع بصورة جذرية. فالغاز المصري سيكون متوافرًا في غضون سنتين، والامل كبير في إنهاء وضع التقاتل في سوريا وتعديل منهجيات الحكم، فان تحقق ذلك، يمكن لبنان ان يستورد الغاز المصري بكميات تكفي حاجات معمل الكهرباء في نهر البارد. وإذا تجاوزنا توقيف العمل في المصنع المتفق عليه بطاقة 485 ميغاوات، تتوافر لنا كميات من الكهرباء من مصدر نظيف بيئيًا ورخيص في وقت قريب، في ظل عجز المسؤولين حتى تاريخه عن تأمين الكهرباء على رغم المخصصات التي رصدت لهذا الغرض منذ سنوات.
يسارع البعض الى التساؤل ما هي الفائدة من استيراد الغاز المصري لكفاية حاجات المصنعين ونحن نأمل في توافر الغاز وربما النفط من مياهنا الاقليمية؟
الغاز والنفط لن يتوافرا للبنان قبل انقضاء سبع سنوات على الاقل، هذا اذا اتخذنا قرارات الموافقة على شروط التعاقد مع الشركات الراغبة في البحث والتنقيب في مياهنا الاقليمية. فالحماسة التي تبدت في السابق شهدناها في زمن كان فيه سعر برميل النفط ما بين 90 و100 دولار، والطاقة من برميل النفط توازي ما يتوافر من استهلاك 6000 قدم مكعب من الغاز، وسعر النفط اليوم يراوح بين 40 و50 دولارًا، وربما ارتفع الى 60 دولارًا اذا توصلت دول “اوبيك” الى اتفاق مع روسيا على كميات انتاج النفط، وقد يتحقق هذا الامر في غضون شهر أو شهرين.
يقول مراقبون ان الوضع في سوريا لن يتعدل بصورة أساسية قبل انقضاء بضع سنوات فما هو الامكان للاستفادة من الغاز المصري؟
هنالك جواب واضح في حال توافر آلية لتحريك الحكم في لبنان. يمكننا انجاز اتفاقات لإنشاء محطات لاستقبال الغاز المسيل، والتعاقد على استيراد كميات وافية من الغاز المسيل وتحويلها الى لقيم الغاز المناسب لاستهلاك المحطتين في نهر البارد اذا انجزت أعمال المصنع الثاني المتوقفة لاسباب لم تتضح حتى الآن.
اذا انتظرنا الى حين توافر الغاز وربما النفط من مياهنا الاقليمية حتى 2022 – بعد سبع سنوات على الاقل – يكون استهلاك لبنان لكفاية حاجات المصانع القائمة، حتى من دون المصنع الثاني في نهر البارد، والبواخر المستأجرة، والمولدات المشغلة في مختلف انحاء لبنان، على مستوى خمسة ملايين طن ربما بلغت كلفتها خمسة مليارات دولار أو أكثر، فنغوص في عجز لا يمكن تجاوزه، ونبقى على مستوى من الامدادات تجاوزته بنغلادش منذ سنوات، كما الاردن البلد الصغير الذي لا يتمتع بمعطيات طبيعية ومالية وافرة.
نواجه ضررًا اضافيًا من التأخير يتمثل في حاجة اللبنانيين الى استيراد مولدات خاصة اضافية من اجل كفاية الحاجات المتزايدة وهذه المستوردات قد تبلغ تكاليفها على مدى سبع سنوات اكثر من 1,5 مليار دولار تضيف الضغط على ميزان المدفوعات.
الفارق بين لبنان وبنغلادش والاردن بسيط انما كبير الاهمية. يحظى البلدان بحكومتين ناشطتين وفاعلتين، اما ما لدينا فحكومة مخدرة.