IMLebanon

جعجع: لن نشارك في الحوار إلا إذا..

samir geagea

أعلن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أنّ حزب “القوات” لن يشارك في الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري لأنّه مضيعة للوقت، مؤكداً الإستعداد لإعادة النظر بالموقف من الحوار اذا انحصر جدول اعماله بانتخابات الرئاسة واذا اعلن “حزب الله” مشاركته بجلسة انتخاب الرئيس في 30 ايلول الحالي.

جعجع، وفي كلمة ألقاها خلال إحياء ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية في معراب، شدّد على أنّه من دون رئيس للجمهورية لن نصل الى أيّ نتيجة، والجيش اللبناني وحده يحمينا، وعندما يتعذر الامر نعرف كيف نحمي انفسنا ، مضيفاً: طالما هناك جمهورية في لبنان، سيبقى هناك رئيس مسيحي في لبنان.

ولفت إلى أنّ اسباب الفشل والفساد اليوم هو وجود دويلة بجانب الدولة، مشدّداً على أنّ الخطوة الأولى والوحيدة لإخراجنا من الأزمة التي تضرب البلاد هي انتخاب رئيس للجمهورية، وقال: رفضنا المشاركة عن سابق تصور وتصميم وبكل وعي وإدراك في الحكومة الحالية، ونعلن ثورة جمهورية كاملة على كل ما يُسمى بالفساد بمعزل عن 8 و 14 آذار، وسنكون رأس حربة بوجه حكومات كالحكومة الحالية.

وأضاف جعجع: ويل لشعب حكوماته عاجزة فاشلة فاسدة. لقد فشلوا أن يهجرونا بالفقر والقمع والاعتقالات والاغتيالات، و”فشروا” أن يهجرونا بالزبالة والقرف والصفقات، مؤكداً أنّ لبنان لم ينته ولن ينتهي، وأحد لا يمكنه أن يخيفنا بالصعوبات فنحن وقت الصعوبات “قوات”!

نص الكلمة كاملة

“لا لم ينته. لبنان لم ينته، ولن ينتهي ولا ينتهي. مررنا بالكثير، ومر علينا كثر: حثيون وفرس ورومان ومماليك، وإمبراطوريات، وسلالات، وانتدابات، واحتلالات ووصايات. كلهم ذهبوا، وبقي لبنان. مر علينا ظلم كثير وقهر كبير، مر علينا فقر وتعتير، مر علينا مجاعة رهيبة، وصارت الناس تموت من الجوع على جوانب الطرقات. مات ثلث لبنان، وهاجر ثلثه الثاني، وبقي لبنان. مهما تكدست النفايات وكثر السماسرة واستشرى الفساد وانتشرت الروائح الكريهة، لن نعرف يأسا، وسنبقى، سنبقى، سنبقى! سنبقى حراس حلم الناس، وما بينعسوا الحراس، ستبقى العزيمة فينا، وما بيتعبوا الحراس!

لا ينبغي أن يفكر أحد بالهجرة، بل يجب أن نفكر بتهجير من هم السبب. لقد فشلوا أن يهجرونا خلال الحرب، وفشلوا أن يهجرونا في السياسة، وفشلوا أن يهجرونا بالمجاعة، وفشلوا أن يهجرونا بالوصاية، وفشلوا أن يهجرونا بالفقر، وفشلوا أن يهجرونا بالقمع والاعتقالات، وفشلوا أن يهجرونا بالاغتيالات، وفشروا أن يهجرونا بالزبالة والقرف والصفقات.

إن اليأس هو جزء من المؤامرة، لذا يجب أن نكون ضد اليأس لأنه يجب أن نسقط المؤامرة. ولإسقاط المؤامرة يجب أن نتذكر دوما لبناننا. لبناننا هو لبنان جبران خليل جبران، لبنان شارل مالك، ولبنان ميخائيل نعيمة، لبنان الفكر والعلم والثقافة والنظافة، لبناننا هو لبنان الرحابنة، لبنان زكي ناصيف ووديع الصافي. لبناننا هذا يناضل بالرغم من كل السواد والروائح الكريهة، التي تتصاعد هذه الأيام .الى جانب كل العتمة والنتانة اللتين أوجدوهما هذا الصيف، عاشت ضيعنا مهرجانات فرح فاح منها عطر وعبير، خففت من روائحهم وفسادهم. لبنان الحقيقي هو الذي عشناه خلال المهرجانات هذا الصيف، وكل الباقي طارئ ومفروض، يزول عند زوال أسبابه، ورحيل أصحابه.

في هذه اللحظات بالذات، لحظات القرف والقنوط، تمر أمامي صور قوافل شهداء المقاومة اللبنانية، من ميشال برتي الى رياض أبي خطار، ببذلاتهم الزيتيية البهية ورناجرهم المغبرة، ووجوههم الباسمة وجبينهم العالي، فأنسى القرف والقنوط وأستعيد أنفاسي لأكمل المسيرة، نحن لسنا أولاد اليوم، نحن أحفاد تاريخ طويل، سقطت كل الصعوبات التي اعترضتنا خلاله، وبقينا نحن وبقي لبنان.

الى الرفاق الشهداء الأبطال، اقول: كونوا مطمئنين، إذا كل الجيوش الغريبة والدبابات والمدافع والقمع والقهر والفقر والمجاعة لم يستطيعوا أن ينالوا من عزيمتكم، فبضع أطنان من النفايات لن تنال من عزيمتنا. ومثلما تخلصتم بنضالكم من الجيوش الغريبة والمصاعب التي واجهتكم، نحن بنضالنا مستمرون حتى ننقذ لبنان من أطنان الفاسدين وتجار السياسة. لا يخيفنا أحد بالصعوبات، فنحن في وقت الصعوبات قوات!

ويل لشعب حكوماته عاجزة، فاشلة، فاسدة. اذ بعد 25 سنة من نهاية الحرب في لبنان، نجد أنفسنا بلا مياه، بلا كهرباء، بلا طرقات كما يجب أن تكون، وبلا خدمات عامة، والآن مع نفايات! في وقت دفعنا كلفة هذه الخدمات أضعافا مضاعفة، رتبت علينا 70 مليار دولار كدين عام، يعني تقريبا 20 الف دولار على كل واحد منا. البعض إنطلاقا من هذا الواقع قفز ليقول: صار بدنا تغيير نظام. ولكن متى كان النظام بحد ذاته سبب فساد أو استقامة؟ هل الفساد ابن نظام معين؟ البعض الآخر طرح نظرية أن كل هذه الطبقة السياسية فاسدة، وصار بدا تغيير. ففي حين أن قسما من هذه الطبقة السياسية فاسد بالتأكيد، ولكن يوجد قسم ثان غير فاسد أبدا، ونحن على رأس اللائحة، وحتى أننا لم نشارك عمليا بأي حكومة منذ نهاية الحرب، إلا استثناء، وبشكل بعيد جدا عن كل الذي يحصل في زواريب السلطة الفعلية، والمشاركة كانت لضرورات سيادية جمهورية ليس أكثر.

أكبر دليل: نحن رفضنا المشاركة عن سابق تصور وتصميم، وبكل وعي وإدراك، في الحكومة الحالية، مثلما رفضنا المشاركة في السلطة بعد نهاية الحرب، قناعة منا بأن الطريقة، التي كانت تتشكل فيها الحكومات، ليست صالحة لا سياديا، ولا جمهوريا، ولا أخلاقيا. وسوف تؤدي الى الفساد الذي نشهده. وهذا الموقف كلفنا غاليا جدا: حل الحزب، وزج قياداته وعناصره في السجون، ونحن فخورون بهذا الموقف وبالثمن الذي دفعناه. نحن اخترنا طوعا القمع والاضطهاد والسجون على المشاركة بسلطة فاسدة وطنيا وسياديا وأخلاقيا.

ويل لأمة لا تميز بين جيد ورديء. من بعد هذا التوضيح أود الإجابة على السؤال الأساسي: ما سبب كل هذا الفساد؟ السبب أولا: لأنه يوجد سياسيون كثر فاسدون. والسبب ثانيا: طريقة تشكيل الحكومات. فالحكومة مفترض ان تكون سلطة تنفيذية يعني متل الكلة، تتحرك بدينامية وسرعة وفعالية لتحل مشاكل الناس، بينما حكومات الوفاق الوطني تكون كناية عن جمع كل التناقضات ووضعها في حكومة واحدة، من دون ان تكون متفقة على شيء، إلا على طريقة توزيع الحقائب، أي توزيع الحصص، ومن بعد ذلك من بعد حمارون ما ينبت حشيش. تجتمع الحكومة أو لا، تتخذ قرارات أو لا، تنفذ أو لا، تحل مشاكل الناس أو لا، تصبح مسألة على الهلة والتوفيق. الشيء الوحيد الذي لا يتركوه على الهلة والتوفيق هو تقاسم الحقائب والحصص، الذي أوصلنا الى حكومات فاشلة عاجزة فاسدة.

عاجزة وفاشلة مفهوم، ولكن لماذا هي فاسدة أيضا؟ لأنه حين يريد الكل المشاركة مع الكل في حكومة واحدة، وحين يوجد سياسيون فاسدين، يصبح الجميع يسايرون الجميع بالفساد. هل تعرفون أن المواضيع الوحيدة، التي تكون عابرة للخطوط السياسية في البلد هي الصفقات؟ حين يتفق أشخاص من 8 آذار، وأشخاص من 14 آذار على تقاسم المغانم والمنافع، بمعزل عن الطروحات السياسية المتناقضة ل8 و 14. لن نقبل بهذا الواقع بعد الآن. وسوف أعلنها منذ الآن ثورة جمهورية كاملة على كل شيء إسمه فساد بمعزل عن 8 و 14. ولن تنقضي الأمور معنا بعدم المشاركة بأي حكومة سوف تتشكل كالعادة، على أسس غير واضحة وبتقاسم مغانم. سوف نكون رأس حربة بمعارضة هكذا حكومات لأنه حكما ستوصلنا الى هكذا نتائج.

رفاقي الشهداء، مثلما كنتم أبطالا في الحرب، سنكون أبطالا في السلم، ومثلما واجهتم الجيوش والجحافل الغازية، هكذا سنواجه جيوش عدم الكفاءة وقلة المسؤولية وجحافل الفساد الطاغية. ويل لشعب حكوماته عاجزة فاشلة فاسدة. فالوضع الحالي لم يعد يطاق، الحكومة الحالية يجب أن ترحل، لكن شرط مجيء حكومة مكانها، لا عاجزة ولا فاشلة ولا فاسدة. وحتى يكون لدينا إمكانية تغيير هذه الحكومة بواحدة أفضل منها، نحتاج الى رئيس جمهورية. انّ الخطوة الأولى والوحيدة التي بإمكانها إخراجنا من الوضع الذي نحن فيه الآن، هي انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يشكل حكومة جديدة فور انتخابه، ولو نسبيا على قدر طموحاتنا. من بعدها تنظم هذه الحكومة انتخابات نيابية على أساس قانون جديد للانتخابات ليصبح الناس قادرين على محاسبة من انتخبوهم. أقصر وأوضح وأسهل طريق للخروج من الوضع الحالي، من دون تعقيدات ولا مطبات، ولا تعديلات دستورية مستحيلة، هو أن ينتخب المجلس النيابي رئيسا جديدا، ولكن شرط أن لا نتراجع أبدا كشعب لبناني عن معركة الفساد، التي نخوضها الآن. يعني انه لا ينبغي ان نضغط فقط حتى ينتخب المجلس رئيسا جديدا، ولكن ليكون أيضا هذا الرئيس مختلفا وقادرا على البدء بعملية الإصلاح المطلوبة.

إذا بقينا مصممين كما نحن الآن، وكلنا باقون، وإذا أبقينا عيوننا مفتحة كما الآن، وسوف نتركها مفتوحة، لا أتخيل ان هناك إمكانية كي يتسلل أحد من الجيل الفاسد الى كرسي رئاسة الجمهورية، ولو من خلال انتخابات من المجلس الحالي، بينما إذا أوقفنا حملتنا وعدنا الى بيوتنا ونمنا وكأن شيئا لم يكن، لن نحصل على الرئيس الذي نريده، لا من خلال هذا المجلس ولا بغيره. اننا نريد رئيسا، من دون رئيس يمكننا ان نتظاهر بقدر ما تشاءون، ولكن لن نصل لأي نتيجة. نريد رئيسا لأنه من دون رئيس ستبقى الحكومة الحالية. نريد رئيسا لأنه من دون رئيس دورة الحياة السياسية ستظل معطلة.

ومثلما ساهم اتحادنا وتصميمنا ونضالنا بخروج جيش الأسد من لبنان عام 2005 من بعد 30 سنة احتلال، هكذا الآن اتحادنا وتصميمنا ونضالنا سيمكنوننا من تحقيق الخطوة الأولى على طريق الإصلاح، الضغط على المجلس النيابي حتى ينتخب رئيسا، وليس أي رئيس، رئيس من دون نفايات، وقادر أن يخلصنا من الزبالة. وبمناسبة الكلام عن رئيس، نسمع من وقت لآخر البعض يقولون: هل يا ترى ميشال سليمان سيكون آخر رئيس مسيحيي في لبنان وفي هذا الشرق؟ فمن يفترض هكذا افتراض، ولو عن حسن نية، يكون في الحقيقة لا يعرف شيئا لا بالسياسة ولا بالتاريخ ولا بالجغرافيا ولا بلبنان. ما يجعلني أقول هذا الكلام هو اتفاق الطائف والدستور اللبناني، والواقع في لبنان. ان محاولات التخويف المقنعة ولت أيامها، وكذلك محاولات التخويف غير المقنعة. طالما لبنان موجود ويوجد فيه جمهورية، وهذه الجمهورية لديها دستور، طالما حقوق جميع اللبنانيين محفوظة من دون منة من أحد. طالما لبنان موجود، رح تضل أجراسنا تدق، ورح يضل في رئيس مسيحي بالشرق.

ويل لأمة مقسمة الى أجزاء، وكل جزء يحسب نفسه فيها أمة. ان أسباب الشلل والفساد والضياع والواقع المزري، الذي وصلنا اليه ليست فقط السياسيين الفاسدين وطريقة تشكيل الحكومات، ولكن أيضا وجود سلطة خارج السلطة ودويلة الى جانب الدولة. فوجود سلطة خارج السلطة ودويلة الى جانب الدولة، يعطل الحياة السياسية الطبيعية في لبنان ويمنع المساءلة والمحاسبة. بالفعل هذا أحد أهم أسباب كل الواقع المتردي الذي نعيشه. منطق الدولة يتعطل حين لا يعود وحده هو السائد. وجود الدولة يتعطل حين القرار لا يعود كله لها، وفعالية الدولة ككل تتدنى كثيرا حين يصبح هناك تشويش على منطقها وافتئات على وجودها. نحن ممتنون لكل الذين يتنطحون لحمايتنا، ولكن بالحقيقة نحن لا نحتاج الى حماية. وحين نحتاج الى حماية، فالجيش اللبناني يحمينا. وحين لا يعود الجيش قادرا لا سمح الله، لسبب من الأسباب، نحن نعرف كيف نحمي أنفسنا. لا يحاول أحد تخويفنا بالخطر. نحن وقت الخطر قوات!

رفاقي الشهداء، اغفروا لهم لأنهم لا يدرون ماذا يقولون. إذا نحن صادقون بمحاولة الخروج من واقعنا الحالي، ليس علينا فقط الضغط للوصول الى انتخاب رئيس للدولة، ولكن علينا إكمال الضغط لاحقا للوصول الى دولة، دولة فعلية قوية، منطقها وحدها هو السائد، وقوانينها وحدها المحترمة. طالما ليس لدينا دولة فعلية قوية، طالما نحن معرضون للأزمات على أنواعها، مثل الأزمة التي نعيشها اليوم. لا خلاص من دون جمهورية قوية. حراس على حلم الناس بجمهورية فعلية قوية، وما بينعسوا الحراس.

كم من الجرائم ترتكب باسمك أيها الحوار. الحوار كلمة حلوة من المفترض ان تتحكم بحياة كل واحد منا، كما بعلاقة البشر ببعضهم، كما بعلاقة المجتمعات ببعضها. ولكن حتى هذه الكلمة الحلوة، مصرون نحن في لبنان على تشويهها. أريد أن أتوقف مطولا عند دعوة الحوار التي أطلقها الصديق الرئيس نبيه بري الأسبوع الماضي، في ذكرى غالية على قلوبنا جميعا، ذكرى غياب الإمام موسى الصدر، إمام الهوية اللبنانية، إمام التسامح والعقل، إمام الوفاق الوطني الفعلي، إمام الفقراء وهموم الناس وإمام الاعتدال بامتياز كبير. الرئيس بري شخصيا له عندنا، وعندي أنا شخصيا، معزة خاصة، لذا أريد أن أقول بداية: تقديرنا للرئيس بري شيء، ورأينا بالدعوة الى الحوار شيء آخر مختلف تماما. أولا: منذ سنة 2006 حتى هذه اللحظة، كم عقدت جلسات حوار في لبنان: ربما أكثر من 50 جلسة، غير جلسات الحوار الثنائية بين الأطراف كافة، يعني مئات ومئات الساعات من جلسات الحوار.

هل بإمكان أحد أن يقول لي ما كانت نتيجة كل ساعات الحوار التي صارت؟ أنا سأقول لكم: كل جلسات الحوار التي حصلت لم تستطع أن تجنبنا أزمة النفايات. كل جلسات الحوار التي حصلت لم تتمكن من ترك حكومة انتقالية تتصرف بالحد الأدنى الأدنى كحكومة انتقالية. كل جلسات الحوار التي حصلت لم تجعلنا نحترم بالحد الأدنى المواعيد الدستورية وننتخب رئيس جمهورية، وبالأمس مرت الجلسة الـ28 من دون ان ننتخب رئيسا بعد. كل جلسات الحوار التي حصلت لم تمكننا من اقناع البعض باحترام حدود لبنان الدولية وعدم القتال في سوريا. كل جلسات الحوار التي حصلت لم تمكننا من القاء القبض على بعض المجرمين والسارقين في البقاع. كل جلسات الحوار التي حصلت لم تسحب قطعة سلاح واحدة لا من داخل المخيمات ولا من خارجها. كل جلسات الحوار التي حصلت لم توصلنا حتى الى قانون انتخابات جديد ولا الى انتخابات نيابية، ودفعتنا غصبا عنا للقبول بالتمديد للمجلس النيابي خوفا من الفراغ الدستوري الكامل. من جهة ثانية، كم جرى من حوار في إطار الحكومة الحالية، فقط من أجل الاتفاق على صيغة للعمل الحكومي، ومنذ أشهر وأشهر الى الآن من دون أي نتيجة. مين جرب المجرب كان عقلو مخرب.

كل شيء يدل أن الحوار الحالي سيكون مثل الذي سبقوه، وبالتالي مضيعة للوقت. ولهذا السبب لن نذهب الى هذا الحوار. فيا إخوان البلد يغرق بالنفايات، ومنذ شهرين الى الآن لا أحد يحاول إيجاد الحل، لنذهب نحن كي نتناقش بجنس الملائكة من جديد؟ مرتا مرتا تهتمين بحوارات كثيرة والمطلوب واحد في الوقت الحاضر: النزول الى المجلس النيابي وانتخاب رئيس للجمهورية. فالذهاب الى الحوار الآن يحرف الأنظار والاهتمام عن الخطوة الأساسية المفصلية الوحيدة، التي ممكن أن تشكل لنا باب فرج وخلاصا بالوقت الحاضر والتي هي انتخاب رئيس. قد يقول البعض اذهبوا الى الحوار علكم هناك تتفقون على رئيس. هذا افتراض مستحيل، لأن مواقف الأطراف جميعها معروفة ومعلنة وواضحة من انتخابات رئاسة الجمهورية، وبالتالي كيف بإمكاننا التوصل الى نتيجة مختلفة؟ قد يقول البعض الآخر: الكلام يبقى أفضل من عدم الكلام. هذا صحيح. الكلام دائما أفضل، ولكن كلنا نتكلم مع بعض كل الوقت، وبماذا نفع الكلام؟ وبالخلاصة: الحوار الذي دعي إليه سيكون حوار مضيعة للوقت وصرف للأنظار عن مشاكلنا الحقيقية، من مشكلة النفايات لمشكلة انتخابات رئاسة الجمهورية وما بينهما. نقول دائما الحقيقة مهما كانت صعبة، هكذا تعلمنا في هذه المدرسة، هذا ما نقوم به الآن، وهكذا سنستمر الى أبد الآبدين آمين.

ويل لأمة يقل فيها الفعل ويكثر فيها النحيب والبكاء على الأطلال. منذ أن بدأت الثورات والاضطهادات في المنطقة، كثر يتكلمون عن وضع المسيحيين في الشرق وعما يحصل لهم، وماذا سيحل بهم، وما هو مستقبلهم. يحصل الكثير من الضياع والتضييع في هذا المجال، بعضه عن حسن نية، والبعض الآخر عن سوء نية. ولا شك أن بعض مسيحيي المنطقة، خصوصا في العراق، وضعهم صعب جدا انطلاقا من جغرافية وجودهم، ومن مجموعة اعتبارات موضوعية أخرى، ولكن هذا الواقع لا ينبغي ان يكون حجة لننعي مسيحية الشرق وننتحب عليهم.

أولا: المسيحيون جزء لا يتجزأ من هذا الشرق- سكان أصليون وليسوا جاليات- وبالتالي ينتهون من هذا الشرق حين ينتهي الشرق.

ثانيا: منذ القديم وحتى اليوم، مرت عليهم حروب كثيرة ومصائب كبيرة، أكبر بكثير من كل شيء يحصل في إيامنا الحاضرة، وتخطوها، وبالتأكيد الآن سيتخطون أيضا المآسي والأزمات التي يمرون بها.

ثالثا: الأزمة الآن لا تطال المسيحيين فقط، بل تطال كل الناس في هذا الشرق. رابعا: المواجهة الحالية في دول الشرق ليست بين المسيحيين والمسلمين، هي في الواقع مواجهة بين الديكتاتورية والديموقراطية، بين التطرف والإعتدال، بين منطق الدولة والمنطق الآخر. والمسيحيون في هكذا مواجهة لا يمكنهم البقاء على الهامش أو أن يعتبروا أنفسهم غير معنيين لأنهم أبناء حقيقيون لهذا الشرق. المسيحيون لا يمكنهم البقاء في هذا الشرق إلا إذا كان ديمقراطيا معتدلا، يحكمه منطق الدولة؟

في المواجهة الحالية، لا يمكن للمسيحيين إلا أن يكونوا مع الديموقراطية بمواجهة الديكتاتورية، ولا يمكنهم إلا أن يخوضوا المواجهة ضد التطرف والقيام بكل ما يلزم لدعم الاعتدال، ولا يمكنهم إلا ان يكونوا مع منطق الدولة ضد المنطق الآخر. فالمسيحيون أقليات بالعدد في هذا الشرق، لكن بإمكانهم أن يكونوا أكثريات بالفعل والتأثير. مصير المسيحيين في هذا الشرق مرتبط بتصرف المسيحيين أنفسهم، مهما كانت التحديات التي تواجههم، إن كان إسمها بشار الأسد أو داعش أو غيره. وأنا متأكد، كما تصرفوا كل الوقت في التاريخ، سوف يقررون مصيرهم بإيديهم هذه المرة أيضا، ويلعبون الدور الطليعي الذي يلعبونه طيلة عمرهم، ويساهمون بتحويل الشرق لواحة للثقافة والحضارة والعلم مثلما كان بمراحل عديدة من تاريخه، وسيكونون أول المتربعين في هذه الواحة: حراس عا أحلام الناس، وما بيتعبوا الحراس.

شهداؤنا لو حكوا. شهداؤنا لو حكوا لقالوا، لم نقدم ارواحنا فداء عن هذا الشعب، حتى يقدم صحته وحياته فدية لأصحاب الصفقات والسمسرات والسرقات. لا والف لا. لبناننا سيبقى كما اردناه ناصعا كالثلج، لا اسود كقلوب من دنسوا ارض القداسة والبطولة والشهداء، فقتلونا مرة ثانية بفسادهم وشراهتهم وطمعهم. لم نقض الليالي حراسا ساهرين متيقظين، إلا ليغفو شعبنا هانئا آمنا مطمئنا، لا حتى تسرق روائح النفايات النوم من اعين اولادنا والعافية من اجسادهم. لن يغمض لنا ولرفاقنا الأحياء جفن حتى يحاسب المتورطون ويلاقي الفاسدون جزاءهم. ما رح يناموا الحراس حتى ينام الفاسدون في سجون تليق بهم. شهداؤنا لو حكوا لقالوا، يكفينا فخرا ان رفاقنا الأحياء لم ينغمسوا في الفساد، ولم يلبوا الدعوات السطحية للمشاركة في ولائم الدسم الحكومي الممزوجة بسم الفساد الإداري، فحافظوا على مبدئيتهم ومناعتهم وكانت نظرتهم بعيدة ثاقبة. يكفينا فخرا ان الجسم القواتي عصي على الفساد والسرقات والسمسرات فمن قدم أسمى انواع التضحيات دفاعا عن قيمه، لن يفرط بإرثه ورصيده وسمعته لثلاثين من الفضة، او لحفنة من المقاعد الوزارية. يكفينا فخرا اننا إذا شاركنا في السلطة نشارك لنقدم لا لنأخذ، وإذا احجمنا عن المشاركة نحجم لنصلح لا لنفسد، إذا عارضنا فللبناء نعارض، وإذا شاركنا فللعمران نشارك.

شهداؤنا لو حكوا لقالوا، لم ندفع حياتنا ثمن سيادة لبنان وقيام دولة الحق والقانون والمؤسسات، حتى يجني شعبنا حكومة من دون رصيد، ومؤسسات من دون رقيب، وتعطيلا وتعطيلا وتعطيلا. جمهوريتنا جمهورية قوية اردناها، وهم مغارة للصوص حولوها. لكن مهلا، إرادة الإصلاح لدى رفاقنا الأحياء وكل المخلصين، اقوى من ارادة الإفساد والزبائنية والصفقات، وحلمنا بالتغيير والأرض الخضراء والوطن الجميل اقوى من كوابيسهم السوداء ولياليهم الظلماء وافكارهم الجدباء القحلاء البتراء. سننتصر في محاربة الفساد تماما كما انتصرنا في التصدي لمن اراد ان يعيث في وطننا خرابا وقتلا وتدميرا. شهداؤنا لو حكوا لقالوا، لقد تحملنا الم الفراق والجراح لا ليتسكع شعبنا عند ابواب السفارات طمعا بترك لبنان، ولا ليتألم شعبنا مرضا وفقرا وعوزا، إنما لكي يتعافى وطننا من آلامه ومشاكله. فماذا فعلوا بلبنان؟ شهداؤنا لو حكوا لقالوا، هنيئا لنا بكم رفاقنا الأحياء لأنكم ثابرتم على متابعة المسيرة على الرغم من القتل والسجن والاضطهاد فرفعتم رأس شعبنا عاليا وجعلتمونا غير نادمين على تضحياتنا. إننا ساهرون من عليائنا على كل شاب جديد ينخرط في القوات، وله نقول: أهلا وسهلا بك بيننا رفيقا جديدا عزيزا وأملا جديدا لمستقبل جديد للبنان. انت اليوم اصبحت حلقة من مسار نضالي عظيم يمتد لأربعة عشر قرنا، فارفع رأسك وافتخر فإنك ابن المقاومة اللبنانية دعيت.

شهداؤنا لو حكوا، لقالوا هنيئا لنا بكم رفاقنا الأحياء، لأنه، وفي خضم الغبار الأسود نرى صرحا منورا تعلو مداميكه صوبنا الى السماء: قوات لبنانية ملتزمة تتحول حزبا ديموقراطيا رائدا مزدهرا يتخرج من صفوفه الآلاف والآلاف، هذه هي القوات التي احببنا تستقطب جيل الشباب، هذه هي القوات اللبنانية مؤسسة تحمل هم قضايا مجتمعها في عقلها ووجدانها، وتذهب في التضحية حتى النهاية. فبوركت سواعدكم التي صانت القوات واعلت بنيانها. شهداؤنا لو حكوا لقالوا: سكنت الآمنا واندملت جراحنا بمجرد رؤيتنا لما يحاول رفاقنا الأحياء القيام به في سبيل تخفيف آلام الناس واوجاعهم، سواء لناحية المشاريع التنموية والمساعدات الإجتماعية، او لناحية مكافحة آفة المخدرات، او لجهة مشروع الحكومة الالكترونية التي توفر على اللبنانيين عناء الوقت والزحمة والإنتظار، وتكبد قيمة الرشاوى والبرطيل، والأهم من كل ذلك أمانتهم المطلقة للقضية مهما كانت الأثمان باهظة.

أما لرفاقنا في الانتشار فنقول: أنتم البطولة، أنتم بقاء لبنان، ولن نرتاح حتى يتحقق لكم قانون استعادة الجنسية.

شهداؤنا لو حكوا، لعبروا عن سرورهم من التقارب مع التيار الوطني الحر، ولقالوا نحن اليوم نبارك هذا المسار، ونشد على اياديكم لمتابعة هذا الدرب، مع علمنا بالصعوبات والمشقات التي تعتريه، لكن ايماننا بكم كبير وثقتنا بكم اكبر لإيصال قارب نجاة مجتمعنا الى شاطئ الأمان. شهداؤنا لو حكوا لقالوا لأهاليهم وعائلاتهم واحبائهم، اطمئنوا، إن استشهادنا بقاء للبنان، فما من فخر اعظم من ذلك. اطمئنوا، ان تضحياتنا لم تذهب هدرا، يكفينا فخرا اننا اختتمنا حياتنا القصيرة شهداء حق وواجب وضمير ورحلنا الى مكان افضل بكل راحة ضمير. يكفينا فخرا وشرفا اننا استسهلنا الموت على ان يعيش شعبنا ذليلا صاغرا ، صحيح ان اهدافنا الوطنية في تأمين حياة كريمة للبنانيين لم تتحقق بالكامل بعد، إلا ان نضالنا ونضال رفاقنا الأحياء ومثابرتهم لا بد وان يزهر مواسم عز يجني ثمارها اللبنانيون بفرح عظيم.

شهداؤنا لو حكوا لقالوا، لقد كنا حيث لم يجرؤ الآخرون، وانتم رفاقنا الأحياء على خطانا سائرون، حراس ساهرون لا ينعسون، للحق والواجب دائما متأهبون، حيث لم ولا ولن يجرؤ الآخرون”.

September 5, 2015 07:58 PM