IMLebanon

الشركات المشاركة في العروض تكشف فروق الأسعار: فشل المناقصة “فضيحة”

waste-truck

باسكال عازار

لم تترك البلبلة التي أثارتها الأسعار التي أعلنها وزير البيئة محمد المشنوق في مؤتمر فض العروض مكاناً للمنطق في الساعات الأولى، فالكل أجمع على أنها أرقام مرتفعة تفوق حتى التسعيرة غير المنصفة التي تقاضتها سوكلين طوال 20 عاماً، ما أدى إلى مهاجمة الشركات ورفض المناقصة بتسرّع.

لكن المرور ببعض عروض هذه الشركات والتدقيق في أرقامها والخدمات التي تقدّمها، تظهر أن أسعار بعضها أرخص من أسعار سوكلين بنسبة كبيرة، علماً أنها تقدّم خدمات لا تقدمها سوكلين. المؤكد، وفق هذا التحقيق، أن عرض الأسعار تمّ بطريقة خاطئة، لكن السؤال الذي يبدو جوابه مشبوهاً: هل كان المقصود عرض الأسعار بهذه الطريقة بهدف نسف المناقصة؟ خصوصاً أن دفتر الشروط يطرح بنوداً تعجيزية تثير الشك بأن الهدف المرجو منها إفشال الشركات في إتمام الشروط، وبالتالي عودة المشغل القديم، أي سوكلين، إلى إدارة الدفة في هذا القطاع.

يمكن نعي منطقة جبل لبنان الشمالي التي تضم المتن وكسروان وجبيل، لأن العرض الذي قدمته كلّ من إندفكو وبوتيك الشريكتين في هذه المناقصة، كان أفضل ما يمكن للمنطقة أن تحلم به، إذ كانت ستنعم بإدارة مستدامة لنفاياتها وبمعايير عالمية تلتزم شروط الصحة والبيئة. ويقوم عرض هاتين الشركتين، بالتعاون مع شركة بيتزورنو الفرنسية، وفق رئيس مجلس إدارة بوتيك زياد يونس، على “لمّ النفايات، وهي مهمة تقوم بها كل الشركات بالطريقة عينها، أما الابتكار فهو في موضوع المعالجة التي تبدأ بالفرز، ومن ثمّ نحوّل ما يمكن تحويله إلى RDF من طريق جمعه وفرمه وتجفيفه وتحويله حبيبات يتم استخدامها لإنتاج الطاقة والكهرباء، التي سنستخدمها في عملية المعالجة، أما الفائض فنضعه على الشبكة. يبقى من النفايات ما نسبته 15% مما تشكله العوادم غير المؤذية التي سيتم طمرها. نحن لا نبتكر العجائب بل نطبق ببساطة أفضل ما توصلت إليه التكنولوجيا عالمياً حتى الآن”.

الكلفة بالطن
تطلب بوتيك، وفق عرضها، 64,980 دولاراً للطن مقابل الجمع، أما تسعيرتها للمعالجة والطمر فهي 58,407 دولاراً بالطن، يبلغ مجموع الرقمين 123,5 دولاراً. وشدد يونس على أن “أوجه المقارنة بيننا وبين سوكلين من حيث الكلفة والخدمة غير واردة، فنحن سنطمر فقط 15% من العوادم، فيما سوكلين تطمر 80% من النفايات، ومن جهة أخرى سيكون علينا بناء المعامل وتجهيزها، ومن ثمّ تشغيلها، في حين أن الدولة وهبت سوكلين المعامل، وبالتالي لم تتكبد الشركة الكلفة التي سنتكبدها لناحية البناء والتجهيز والإستثمار. كما أن الدولة قدمت لسوكلين الأرض للطمر وسيكون علينا تأمين المطمر وتجهيزه”.
وقام يونس بتحليل الأسعار كالآتي: “إذا توقفنا عند المعالجة واللم فإن القيمة الإستثمارية والتمويل يبلغان 56%، أما التشغيل فيبلغ 44%. إذا حسمنا قيمة الإستثمار من الأسعار التي عرضناها تتبين لنا الكلفة الحقيقية التالية: كلفة المعالجة هي 58 دولاراً للطن تنقسم إلى 44% تشغيل و56% استثمار. الـ44% توازي 25 دولاراً وهي الكلفة الحقيقية للمعالجة. وفي ما يخص الجمع يذهب من الـ64 دولاراً 27% استثمارا و73% تشغيلا، الـ73% تشكل 47 دولارا، فإذا جمعنا الـ47 و25 نحصل على 70 دولارا تقريباً، ما يعني أن كلفة التشغيل والصيانة واللم والجمع والمعالجة تبلغ نحو 70 دولاراً، وهذا هو الرقم الذي تجب مقارنته مع كلفة سوكلين وليس الـ132,5 دولاراً. سوكلين تتقاضى ما بين 150 إلى 160 دولاراً للطن وفق بعض رؤساء البلديات، فيما تقول في بيان أنها تتقاضى 120 دولاراً للطن.

حتى وإن سلمنا جدلاً بأن السعر الذي صرحت به صحيح، فإن تسعيرتها أغلى من تسعيرتنا بفارق 50 دولاراً علماً أنها لا تقدم الخدمات التي نقدمها”.
وأضاف: “لا أسمح لنفسي باتهام أحد بالسرقة والفساد، لكن يتبين من الأرقام أن سوكلين تقاضت 1,6 مليار دولار خلال 20 عاماً، هذا إذا كانت تتقاضى 120 دولاراً للطن كما تقول. وإذا كان ما تتقاضاه هو 160 دولاراً يكون مجموع ما تقاضته في 20 عاماً 2,6 ملياري دولار، ما يعني في الحالين أن سوكلين تقاضت خلال 20 عاماً مبالغ ضخمة وخطيرة. أقول لمن يتظاهرون في الشارع انتبهوا لما يحصل، قوموا بتحليل الأرقام، ولا تسمحوا لأحد بأن يستخدمكم ويقنعكم بالأكاذيب. نتحدث عن 100 مليون دولار تقاضتها سوكلين عن كل عام، يمكن من يملك هذا الرقم أن يشتري البلد”.
أما عن كيفية التسعير فقال يونس: “كمية النفايات حددها دفتر الشروط، أما نحن فقمنا بتقدير الكلفة بالطن استناداً إلى دراسات مهندسينا، وإلى نصائح شريكتنا الفرنسية بيزورنو، وهي من أكبر الشركات في معالجة النفايات في فرنسا وتقوم بإدارة قسم كبير من نفايات مدينة باريس”.

وعما إذا كانوا سيدخلون المناقصة من جديد في حال أعيد إجراؤها قال: كلا، على الأرجح، ليس مع هذه الدولة”. وعن مسألة تفاوض اللجنة الوزارية مع الشركات التي طرحها البعض قال: “هذا غير وارد، فهذه مزحة لا يمكن تقبلها. كل ما يمكنهم القيام به هو إعادة المناقصة، إذا أعادوا عقدها بدفتر الشروط عينه فسوف يحصلون على النتائج عينها، أو أغلى بقليل، لأن بعض الشركات لن يشارك من جديد. أما إذا أعادوا إجراء المناقصة بدفتر شروط ثان، فسوف يكون عليهم أن يمهلوا الشركات وقتاً”. ولفت إلى أن دفتر الشروط غير جيد، لأنه مصمم بقصد “تهشيل” الشركات بسبب شروطه التعجيزية. برأيي تم تصميم هذه المناقصة كي تفشل والهدف هو إعادة سوكلين إلى الواجهة، وأعتقد أن فوزنا في الجولة الأولى فاجأهم، لأن الهدف هو منع أي شركة من الوصول. وثمّة سؤال محيّر لماذا لم تتقدم سوكلين من المناقصة؟ أيعقل أن المشغل الموجود منذ 20 عاماً في البلد لم يشارك في المناقصة؟”.

إندفكو
أما مدير عام شركة فينيكس إنرجي ربيع إسطا فكشف عن أن “بوتيك وإندفكو كانتا ستستخدمان مطمر حبالين لطمر العوادم فقط لسنتين، طرحنا الموضوع مع رئيس الإتحاد وأبدى موافقته”. وأضاف “خصصنا في العرض مبلغ 4 ملايين دولار أميركي لتأهيل المطمر وتجهيزه وتحويله مطمراً صحّياً وبيئياً بمواصفات علمية دقيقة”. ووصف فشل المناقصة بالقول أنها “فضيحة فقد عرضوا الأسعار بطريقة خاطئة متقصدين تطيير المناقصة وتبرئة ذمة سوكلين”.

لافاجيت
تتجدّد الشكوى عينها مع مدير عام شركة لافاجيت إدوار باحوط “حددنا وفق عرضنا الطن بـ115,32 دولاراً من دون احتساب الـTVA، قاموا بمقارنة سعرنا مع المشغل الحالي فبدا كما لو أننا نتقاضى أكثر منه بكثير وهذا غير صحيح، فالعملية الحسابية تؤكد أننا أرخص من سوكلين بـ52 دولاراً”. وأضاف “على من قارن الأسعار أن يقارن ما يتضمنه السعر على مستوى االخدمة والإستثمار، فنحن كنا سنقوم بالكنس واللم والجمع والفرز والتسبيخ وإنتاج مواد الطاقة البديلة RDF. كما كنا سننشئ 3 معامل جديدة، الأول في العمروسية والثاني في الكرنتينا والثالث في الكورال، وفي ما يخص الطمر كنا سنطمر ما نسبته 35% أو 40% في أول ثلاث سنوات لنصل بعدها إلى طمر 24,5%”، لافتاً إلى أن سوكلين في المقابل كانت تقوم بالجمع والطمر، علماً أن الدولة هي من قدمت لها المطمر والمعامل فهي لم تتكلف شيئاً من هذه الناحية، كما أنها تطمر 80% من النفايات”. امتنع باحوط عن ذكر موقع المطمر الذي أمنته الشركة، مشيراً إلى أننا “اخترناه من اللائحة التي قدمتها وزارة البيئة، وكان سيكون في مناطق الأطراف، علماً أننا كنا سنعمل على تأهليه حتماً”. وانتقد طريقة عرض الأسعار “كان عليهم عرضها تماماً كما تم عرضها في جلسة فض العروض. وكما وضعوا استشاريين لتقييم ملف الشركات وعروضهم، كان عليهم وضع استشاريين لتقييم الملف المالي وعرض الأسعار الحقيقية كما هي من دون تضخيمها”. وعما إذا كان المقصود من ذلك تطيير المناقصة، قال: “لا أحب الحكم على النيات لكن الأكيد أن ما حصل ما كان يجب أن يحصل”.

الجهاد
طرحت شركة الجهاد للتجارة والتعهدات سعرها للطن 112 دولاراً من دون الكنس، و135 دولاراً مع الكنس. ووفق مدير المشاريع في الشركة محمد بربر “يقوم العرض الذي تقدمنا به على تأمين المطمر وتجهيزه، وبناء المعامل وتجهيزها وشراء المعدات واللم والكنس والفرز لاستخراج ما يمكن إعادة تدويره واستخدامه، وتسبيخ المواد العضوية وتحويلها سماداً، وتحويل النفايات طاقة لاستخدامها في معامل الإسمنت”. يقول بربر: “تفاجأنا جداً من عدم إقرار المناقصة، فقد عملنا على المشروع طوال 12 شهراً مع الشركات الأجنبية ليذهب جهدنا سدى، إنها فعلاً خسارة للبنان قبل أن تكون خسارة لنا”.