IMLebanon

قرار جديد لوزير الصناعة: التشدّد في مراقبة المواصفات

hussein-al-hajj-hassan-new
محمد وهبة

أعدّت وزارة الصناعة قراراً يرمي إلى تطبيق مواصفات استيراد «قواطع الألمنيوم» بهدف منع الغشّ التجاري، بعدما تبيّن لها أن هناك كميات كبيرة من هذه السلعة المستوردة معروضة للبيع بالمفرّق وبالجملة في السوق المحلية، رغم أنها غير مطابقة للمواصفات اللبنانية.

هل يندرج هذا الإجراء في إطار حماية صناعة الألمنيوم المحليّة، مثل القرار السابق القاضي بفرض إجازة مسبقة على استيراد قواطع الألمنيوم ورقائق الشيبس وقرار وزير الزراعة بفرض إجازة استيراد على الأجبان البيضاء؟ هل يعدّ هذا القرار استفزازياً لدول الخليج وشركاء لبنان التجاريين؟ ما هو مصير إجازات الاستيراد المسبقة، هل تراجع عنها وزيرا الصناعة والزراعة؟

التراجع عن الإجازة المسبقة

في نهاية شهر حزيران الماضي، رضخت وزارتا الصناعة والزراعة لضغوط الملحق التجاري السعودي صالح الغنّام، وتراجعتا عن قرار يتعلق بفرض إجازة استيراد مسبقة على ثلاثة أنواع من السلع: قواطع الألمنيوم، الأجبان البيضاء، رقائق البطاطا المصنّعة (شيبس). كان الهدف من هذا القرار حماية الصناعة المحليّة، وخصوصاً في ضوء الشكاوى التي قدّمها أصحاب المصانع اللبنانية أمام وزيري الصناعة حسين الحاج حسن، والزراعة أكرم شهيّب. شكوى المصانع اللبنانية تكمن في المنافسة غير المتكافئة التي تشكّلها المنتجات المستوردة المصنّعة في بلدان الخليج بكلفة متدنية. فالسلع المستوردة كانت قد بدأت تستحوذ على حصّة سوقية أكبر في السوق المحليّة على حساب المنتجات المصنعة محلياً مستخدمة قدرتها على إغراق السوق بأسعار تكاد تكون أقل من كلفة الإنتاج المحلية… وهذا يعني أن المنافسة بين المنتجات المستوردة وبين تلك المصنعة محلياً ستكبّد الصناعة المحلية خسائر كبيرة.

في هذا السياق، أصدر الوزير أكرم شهيّب في نهاية شباط 2015 قراراً يمنع بموجبه استيراد الأجبان البيضاء من دون إجازة استيراد، ثم أصدر الوزير حسين الحاج حسن قراراً في آذار فرض فيه طلب الإجازة المسبقة لاستيراد رقائق البطاطا وقواطع الألمنيوم. القراران استفزّا الملحق التجاري السعودي صالح الغنّام بعدما بلغته اعتراضات كلّ من شركة المراعي السعودية التي تصدر كميات من الأجبان البيضاء إلى لبنان، وبعض مصانع الألمنيوم السعودية التي تصدّر أيضاً إلى لبنان.
اتُّهم الحاج حسن وحده بمحاولة «تخريب» العلاقات التجارية مع السعودية، ثم انهالت عليه الضغوط السعودية التي وضعت قراره في إطار «التدخل الإيراني في الحرب اليمنية ضدّ السعودية» يقول المطلعون. قرار الحاج حسن صار كبيراً إلى هذه الدرجة، لكن المروّجين أهملوا نهائياً قرار شهيّب «الأكثر أثراً على شركة المراعي ذات الملكية السعودية خلافاً لبعض مصانع الألمنيوم التي تعمل في السعودية لكن ملكيتها أجنبية». وفي جانب آخر، أخذت الضغوط شكلاً تجارياً قانونياً يتذرّع ببنود الاتفاقات التجارية الموقعة مع لبنان التي تمنع وضع عوائق تجارية.

حماية الصناعة والمستهلك

في المحصّلة، تراجع الحاج حسن وشهيب عن قرارهما. لكن وزير الصناعة رأى أن هناك إمكانية لإعادة النظر بطريقة التصرّف تحت عنوان حماية المستهلك اللبناني أيضاً إلى جانب حماية الصناعة. إذ تبيّن أن مصانع الألمنيوم المحلية كانت تستعد للاستفادة من قرار فرض الإجازة المسبقة بهدف زيادة الأسعار وتحقيق أرباح طائلة. وبالتالي كان لا بدّ من حماية الصناعة، ولكن الإبقاء على عوامل التنافس قائمة. في هذا الإطار، اندفع الحاج حسن نحو خيارات مختلفة عن خيار فرض إجازة استيراد مسبقة على استيراد قضبان الألمنيوم، وأعدّ قراراً يرمي إلى فرض إجازة استيراد مسبقة على «قواطع الألمنيوم». هذه السلعة هي عبارة عن قضبان مصنوعة من معدن الألمنيوم، وهي ذات شكل معيّن تستعمل لتفصيل سكّك وأبواب خارجية أو داخلية وشبابيك وستائر وسواها. لهذه السلعة أكثر من شكل، إلا أن المواصفات اللبنانية المطبّقة في لبنان تفرض على المستوردين أن تكون سماكة القواطع ضمن حدّ أدنى يجعل استعمالها أكثر أماناً للمستهلكين. ما تبيّن لوزارة الصناعة، بعد تلقيها مجموعة شكاوى من مصانع الألمنيوم في لبنان، أن هناك كميات من قواطع الألمنيوم المستوردة دخلت إلى السوق المحلية رغم أنها مخالفة للمواصفات. وقد اكتشفت وزارة الصناعة أن هناك ثغرة في آليات الكشف على العيّنات تتيح للمستوردين إدخال قواطع ألمنيوم ذات سماكة أقل من تلك المسموح بها، أي قواطع ألمنيوم غير مطابقة للمواصفات، وهو ما يزيد مخاطر استعمالها نتيجة عدم قدرتها على تحمّل ثقل معين من الزجاج أو غيره. وبحسب مصادر مطلعة، تبيّن أن هناك عراقيل تواجه معهد البحوث الصناعية على المعابر الحدودية، علماً بأنه يترتب على المعهد أخذ العينات وفحصها ومقارنتها مع المواصفات المقبولة في لبنان. المعهد يفحص العينات التي تكون على مدخل الشحنة وليس تلك التي تكون في الداخل. المبررات لهذا الكشف «السطحي» تأتي في سياق «تيسير التجارة» وعدم تأخير الشحنات لأن أخذ العينات من داخل الشحنة يتطلب وقتاً أطول وبالتالي بقاء الشحنة على المعبر لفترة أطول.

قيود فنية

هذا المشهد دفع الحاج حسن إلى إعداد قرار «للتشدّد في تطبيق المواصفة الإلزامية لزوم قواطع الألمنيوم المخصصة لأعمال الهندسة المدنية». ولا ينكر بعض الصناعيين الذين لديهم علاقات تجارية مع السعودية، أن قرار الحاج حسن لا هدف له سوى حماية الصناعة المحلية لكنهم يصنّفونه في إطار العوائق الفنية، علماً بأن الاتفاقيات التجارية تترك مجالاً لمثل هذه الممارسات لكونها تندرج في إطار حماية المستهلك. ويؤكد الصناعيون أن هذه العوائق موجودة بين أكثر من بلد عربي بينها دول الخليج. فالبطاطا اللبنانية منعت أكثر من مرّة من الدخول إلى السعودية بذريعة أنها غير مطابقة للمواصفات السعودية، والبندورة اللبنانية منعت أيضاً على الحدود الأردنية، والعراق يفرض على المصنّعين أن يستحصلوا على موافقة من مكاتب التدقيق المكلفة من قبله التي تفحص السلع في مختبرات لبنانية، أي إنها تأخذها من الحدود العراقية إلى المختبرات اللبنانية لفحصها… يخلص العارفون إلى أن «كل دولة من الدول العربية تفرض نوعاً من القيود التي تندرج في إطار العوائق الفنية».