IMLebanon

“مخاض” الحوار … “قرف” و”طق حنك”!

dialogue-main

 

 

يمكن القول إن الجلسة الاولى من الجولة الحوارية الثالثة منذ عام 2006 لم تخرج عن كونها جلسة “اعلان نيات” أولية للمتحاورين حيال البنود المطروحة ولا سيما منها بند الأزمة الأم المتمثلة بالفراغ الرئاسي، الامر الذي عكسته المداخلات المعدة سلفا للمتحاورين في الجلسة “المنبرية”. ولو لم تشتعل فيها مواجهة كلامية حادة بين رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب العماد ميشال عون ووزير الاتصالات بطرس حرب لكانت مرت برتابة.

ونقلت صحيفة “النهار” عن مصادر شاركت في جلسة امس ان حصيلة جولته الاولى لم تثمر شيئا ملموسا بإستثناء ملف النفايات الذي كان جزءا أساسياً من مداخلات المشاركين في الحوار مما أعطى دفعا سياسيا مهما للحكومة لكي تمضي قدماً على طريق إيجاد حلول له. وفي هذا الاطار سُمع راعي الحوار رئيس مجلس النواب نبيه بري يقول لأحد المشاركين حول الطاولة: “صار لي من مبارح أقول للرئيس سلام شدّ همتك في النفايات اضرب على الارض وامشِ”. لكن مصادر متابعة للاتصالات التي سبقت الجولة الحوارية الاولى لفتت الى ان رئيس الوزراء تمّام سلام استبق دخوله الجلسة الحوارية بإعلانه دعوة مجلس الوزراء الى جلسة استثنائية مساء امس الامر الذي عكس انجاز سلام معظم الاستعدادات مع وزير الزراعة اكرم شهيب لاستكمال الموافقات السياسية على قرار تأييد خطة شهيب.

وفي ما يتعلق بالموضوع الرئيسي للحوار أي ملف إنتخاب رئيس جديد للجمهورية لوحظ أن موقف “حزب الله” الذي عبّر عنه رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد لم يتغيّر إذ قال: “عندنا شخص وطني سيادي له حيثية كبيرة وهو مرشحنا الذي لا نتخلى عنه”.

بدوره خاطب رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجيه الرئيسين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي قائلا: “هل تقبلان أن يكون رئيسا للوزراء موظف فئة أولى؟”.

وفيما مضت النقاشات في إطار هادئ، خرقتها مشادة مفاجئة بين العماد عون والوزير حرب الذي طرح في مداخلته اسم عون مرشحا للرئاسة فرد عون: “أنا منّي مرشّح”. فتابع حرب: “أنا عم احكي مع الرئيس بري”، فأجابه عون: “عم تحكي عني وأنا هون”. وتصاعدت الردود بين الرجلين مما اضطر الرئيس بري الى التدخل لتهدئة الموقف. ووصفت المصادر هذا الجدل بأنه كان عابراً. ولاحقا أبلغت مصادر الرئيس السنيورة “النهار” أن ما أشيع عن “مشادة” بينه وبين عون “لا أساس له”. وحدّد موعد الجولة الثانية للحوار الاربعاء المقبل.

صحيفة “السفير” كتبت انه على وقع هتافات المحتجين في المحيط، ورشقات البيض التي قُذفت بها بعض مواكب السياسيين، انعقدت أمس جلسة الحوار الاولى، من طبعة 2015، بين قادة الكتل النيابية في مقر مجلس النواب.

وليس أدلّ على خوف السلطة من شعبها، إلا تلك الأسوار الحديدية والأسلاك الشائكة التي ارتفعت في وسط بيروت، وآلاف العسكريين الذين تحولوا إلى حراس للمجتمعين نهارا في مجلس النواب ومساء في مجلس الوزراء، لكأن تلك البقعة الأمنية التي لا تتجاوز مئات الأمتار المربعة، هي بقعة مخصصة لإيواء الخائفين على عروشهم وكراسيهم وعلى منظومة مصالحهم الواحدة الموحدة.

وأضافت “السفير”: “إذا كانت اللحظة استثنائية ودقيقة، فإن الجلسة الاولى للحوار أتت عادية وباهتة، قياسا الى التحديات الماثلة في الشارع والسياسة، بل ان أحد المشاركين فيها لم يتردد في التأكيد لـ «السفير» انها كانت هزيلة ودون المستوى، فيما اعتبر زميل له ان ما حصل لم يكن أكثر من “طق حنك”، واعترف آخر بأنه شعر بـ”القرف”…

وأضافت “السفير”: ” في هذه الأثناء، بدا أمس ان الجالسين حول طاولة الحوار لم يلتقطوا، بالجدية المفترضة، رسائل الشارع وإشاراته العابرة للساحات، فاستمروا في الاجترار والتكرار، من دون تقديم أي فكرة جديدة او إظهار قدر أعلى من المسؤولية. أعادوا تظهير صورهم القديمة، واستعادوا مفرداتهم الممجوجة، وكأن كلا منهم كان يخاطب نفسه في المرآة، ولا يناقش الآخر بحثا عن قاسم مشترك.

صحيح انه لا يجوز توقع الكثير من الحوار في بداياته، ولكن الصحيح ايضا ان المتحاورين لم يبذلوا في الجلسة الافتتاحية أي جهد لتقديم أنفسهم بطريقة جديدة، ولم يعطوا أي إشارة الى انهم بصدد مقاربة مغايرة للأزمات والملفات التي تلقي بثقلها على اللبنانيين.

لم يرتق المتحاورون في اطلالتهم الاولى الى مستوى الحد الادنى من تطلعات الناس الذين توقعوا مسبقا، بالفطرة والخبرة، ان يكون الحوار في نسخته الجديدة، امتدادا للتجارب المريرة السابقة.

هذه المرة، يمكن القول ان الناس، خصوصا المشاركين في الحراك المدني، حصنوا أنفسهم ضد الاوهام، ورفضوا ان يقعوا مجددا في فخ بناء الآمال الواهية على طبقة سياسية مجربة، وفاقدة للمصداقية.

وحتى الوقت، تعاملت معه طاولة الحوار بشيء من الخفة وبرودة الاعصاب، بعدما تقرر عقد الجلسة المقبلة، الاربعاء المقبل، بدل تكثيف الجلسات وتحويل هيئة الحوار الى «هيئة طوارئ».

ولم يظهر من معطيات الجلسة الاولى ان هناك إمكانية لدى طاولة الحوار لإحداث خرق في جدار البند الرئاسي، خصوصا ان أحدا من المتحاورين لا يملك مبادرة او أفكارا لحل واقعي، فيما يبدو ان الطاقة القصوى للخارج في هذه المرحلة لا تتعدى إطار مباركة الحوار، من دون طرح مخارج او تسويات، لم يحن أوان نضوجها بعد.

وقالت مصادر حزبية شاركت في جلسة الحوار لـ «السفير» انه أمكن من خلال النقاش، فرز ثلاثة اتجاهات هي:

الاتجاه الاول، يدعو الى انتخاب رئيس جمهورية توافقي فورا، من خارج مفهوم “الرئيس الأقوى”، وهذا الخط يمثله «تيار المستقبل» وحلفاؤه في “فريق 14آذار.

الاتجاه الثاني يعتبر ان المجلس النيابي الحالي لا يمتلك شرعية انتخاب رئيس الجمهورية بعدما سقط التفويض الشعبي الممنوح له مع التمديد الاول للمجلس عام 2013، ما يستدعي تجديد هذا التفويض من خلال انتخابات نيابية على اساس النسبية او انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، وهذا الخيار يعكس موقف العماد ميشال عون وحلفاؤه.

الاتجاه الثالث، يدعو الى الاتفاق على ما يمكن التفاهم عليه من أمور كتفعيل الحكومة او معالجة الملفات التي تهم المواطنين، ما دام ان التوافق على رئاسة الجمهورية او قانون الانتخاب النسبي لا يزال متعذرا.

وتشير المصادر الى ان تأجيل الحوار اسبوعا يوحي بان الامور تحتاج الى اتصالات ومشاورات، خارج أروقة قاعة الاجتماع في مجلس النواب.

من جهتها، قالت صحيفة “الأخبار”: :”مرّت جلسة الحوار ضمن سقف التوقعات، باستمرار الانقسام الحاد حول ملفي رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب، مع تحقيق خرقٍ واضح في الاتفاق على تسهيل عمل الحكومة، تُرجم ليلاً بالاتفاق على حلحلة ملفّ النفايات والموافقة على الصيغة التي طرحها الوزير أكرم شهيب.

إلّا أن غالبية المصادر المشاركة، عبّرت لصحيفة ”الأخبار” عن اقتناعها بأن أوان “القضايا الأساسية” لم يحن بعد، و”نحن في الوقت الضائع”.

ويحلو لأحد المصادر تشبيه “حوار 2015” في الشكل واللحظة التاريخية، بالظروف الموضوعية للحوار الذي انطلق في تشرين الثاني 1975 بعد إفلاس “الجمهورية الأولى” واندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. ولا يقصد المصدر بأن البلاد على وشك اندلاع حرب أهلية، فـ”حرب النفايات مندلعة”، بل يرد خلفية التشبيه إلى “عدم وجود حلول في المنطقة، كما كان في عام 75، لذلك انتظر لبنان 15 عاماً، وعبر فوق حوار 1980 ومؤتمر جنيف 1983 ولوزان 1984 وحوار سباق الخيل 1987، حتى وصلنا إلى الطائف بعد نضج التسوية الإقليمية والدولية”.