IMLebanon

ورشة التكامل العربي: الثقافات العربية في واقع وإقليم مضطرب

Untitled-1

في إطار الإعداد لمؤتمرها السنوي “فكر 14” المقرّر عقده في الفترة من 6 – 8 كانون الاول 2015 في القاهرة، تحت عنوان “التكامل العربيّ: تجارب، وتحديّات، وآفاق”، عقدت مؤسّسة الفكر العربيّ بالتعاون مع جامعة الدول العربيّة، في مقرّ الجامعة في القاهرة، ورشتها الرابعة حول “الثقافات العربية في واقع وإقليم مضطرب: البحث عن أشكال للتكامل الصعب”، وذلك يومَي الاثنين والثلاثاء 7 و8 من ايلول، بمشاركة عددٍ من أبرز الباحثين والخبراء والأكاديميّين على المستوى العربيّ، من بينهم الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة المصري السابق، والأستاذ أحمد الفيتوري الكاتب والصحفي الليبي، والدكتور حيدر إبراهيم الباحث والاستاذ الجامعي بجامعة الخرطوم، والدكتور أحمد مجاهد الرئيس السابق لمجلس إدارة  الهيئة العامة المصرية للكتاب، والدكتور الصادق الفقيه سفير جمهورية السودان في الأردن والأمين العام السابق لمنتدى الفكر العربيّ، والاستاذة داليا شمس رئيسة قسم الثقافة بصحيفة الأهرام إبدو المصرية، والدكتورة هالة أحمد فؤاد من قسم الفلسفة بكلية الآداب في جامعة القاهرة، والاستاذة جميلة عيد الرويلي الدبلوماسية  في  المندوبية الدائمة للمملكة العربية السعودية في جامعة الدول العربيّة.

أما معدّو الأوراق البحثيّة فهم: الكاتب والناقد الأردني الاستاذ فخري صالح، والاستاذة في كليّة الآداب في جامعة الملك سعود الدكتورة سعاد المانع ، والاستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتورة نادية بدرالدين أبو غازي.

وقد تولّى تنسيق الورشة وإدارة جلساتها الأستاذ نبيل عبد الفتّاح، المفكّر والباحث المصري ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

ومثّل مؤسّسة الفكر العربيّ مديرها العامّ الأستاذ الدكتور هنري العَويط، ومستشار رئيس المؤسّسة الأستاذ أحمد الغزّ، ومثّل جامعة الدول العربيّة الأمين العام المساعد ورئيس مركز جامعة الدول العربيّة في تونس الدكتور عبداللطيف عبيد.

وقد شهدت الورشة مناقشات مستفيضة حول القضايا الرئيسة المرتبطة بواقع الثقافة العربية في ظلّ الظروف الراهنة التي تمرّ بها دول المنطقة، حيث برزت تحديّات كبرى بعد الانتكاسات التي لحقت بالتحرّكات الجماهيرية التي شهدتها بعض الأقطار، ودخول عددٍ من الدول في أطوار من التفكّك والتداعي وعدم الاستقرار، في حين عانت دول ومجتمعات أخرى بدرجات مختلفة من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ومصادر تهديد متعددة على رأسها الإرهاب وتزايد حدّة الاستقطاب والفساد وتعطّل مؤسّسات الحكم، ممّا أحدث اضطراباً بين المكوّنات الرئيسيّة.

طرحت بيئات الاضطراب هذه على الواقع الثقافيّ الوطنيّ والعربيّ تحديّات جمّة وغير مسبوقة منذ ولادة الدولة الوطنية العربية، ونشوء جامعة الدول العربيّة والفكرة العربيّة الجامعة، ومن أبرز التحديّات ما يلي:

أولاً: برزت خلال العقدين الماضيين ثقافات بعض المكوّنات الدينيّة والمذهبيّة والعرقيّة والمناطقيّة والقوميّة واللغويّة في عددٍ من المجتمعات العربيّة على نحو أثّر في استراتيجيات التكامل الوطني الداخلي في بعض البلدان العربية ومن ثمّ في التجانسات الاجتماعية والثقافية الوطنية بما شكّل تهديداً للموحّدات المشتركة في بنية الثقافة العربيّة الجامعة.

ثانياً: ظهور مشاريع سياسيّة ودينيّة ومذهبيّة وقوميّة ذات جذور ثقافيّة تسعى إلى تغيير واقع الجغرافيا للدولة الوطنيّة العربيّة وذلك من خلال صراعات مفتعلة بين الفكرة العربيّة الجامعة والفكر الاسلامي، ممّا شكّل تهديداً لوحدة الدولة الوطنيّة، وللهوية العربية الجامعة، ومشروعات التكامل العربي لا سيّما في المجال الثقافي.

ثالثاً: أدّى صعود الجماعات الأصوليّة الراديكاليّة التي تمارس الإرهاب، وتمدّدها داخل بعض البلدان العربيّة، إلى تأسيس ثقافة العنف الدينيّ والمذهبيّ، التكفيري والإقصائي، بما يهدّد الوحدة الوطنية ويفرض قيوداً على حريّة الرأي والتعبير والابداع بكافة أشكالها، تنعكس سلباً على أوضاع الثقافة والمثقّفين العرب.

رابعاً: وهن الهياكل واستراتيجيات وآليات التعاون الثقافي على المستوى العربيّ وتحوّلها إلى بعض من الأنشطة الشكليّة.

خامساً: أدّت العولمة وعملياتها وصيرورتاها إلى ظهور انماط من القيم والسلوك المؤثّرة على بعض مكوّنات الهوية والخصوصيات الثقافيّة العربيّة.

في ضوء هذا التشخيص للحالات العربيّة وفي ضوء امتلاك الدول العربية للعديد من الموارد الثقافية والتجليّات الابداعيّة، وفي طليعتها اللغة العربية الجامعة، والتراث الحضاري المشترك، وتداخل الجماعات الثقافية وتفاعلاتها وابداعاتها على الكثير من الصعد والمجالات، فقد انتهت الورشة إلى صياغة عدد من التوصيات الأوليّة على النحو التالي:

ـ تفعيل دور جامعة الدول العربيّة والمنظّمة العربيّة للعلوم والثقافة (الألكسو) في دعم وتوسيع مشاريع الشراكة الثقافية وتوفير التمويل والموارد والخبرات، والسعي إلى تنفيذ بنود العقد العربيّ للتنمية الثقافية (2005-2015) الذى أقرّه وزراء الثقافة العرب في عمّان في 2002، وتطوير الخطّة الشاملة للثقافة العربيّة التي أعدتّها المنظّمة في فترة سابقة؛ لأن التكامل العربيّ في المجال الثقافي يشكّل أحد أهم المداخل التي يمكن من خلالها بناء قاعدة  صلبة  لتحقيق التكامل العربيّ المنشود.

ـ اتّخاذ الإجراءات اللازمة لتنسيق العمل بين المؤسّسات الحكوميّة والأهليّة المعنيّة بالعمل الثقافي في الدول العربيّة على مختلف المستويات، على نحو يسهم في بلورة سياسةٍ ثقافيةٍ عربية مشتركة، مع تجديد التشريعات المنظّمة للعمل الثقافي في الدول العربية بما يحقّق بيئة تشريعيّة متجانسة للعمل الثقافيّ العربيّ المشترك.

ـ تطوير العلاقات الثقافية بين دول المنطقة وبين أقاليمها الجيوسياسية والجيوثقافية المتقاربة، من خلال المؤسّسات الحكومية والأهلية، بحيث تزداد الروابط والموحّدات الشعبية والرسمية، ويكون نتاج ذلك في الأخير دعماً لمشروع التكامل المأمول وبما يحقّق الازدهار الثقافي والاقتصادي في المنطقة.

ـ العمل على تشجيع ودعم وإنماء الأنشطة الأدبيّة والفنيّة والإبداعيّة بكافّة أنواعها وأجناسها وأنماطها التي تبلور صيغاً تعاونية ذات طابع ثقافي جامع داخل الأقاليم العربية المختلفة، وعلى مستوى المنطقة العربيّة ككلّ، وذلك باعتبارها ركيزة للتفاعل والتكامل الثقافي.

ـ إيلاء الثقافة والتعليم والفنون ما تستحقه من عناية واهتمام، بإحداث نقلة نوعية في العقل والفكر العربييّن داخل وعبر المجتمعات، بحيث تؤسّس المناهج التربوية والجهود الثقافية بشتى أنواعها لعقدٍ اجتماعيّ جديد يُعلي من قيم الديمقراطية والتنوّع واحترام الآخر والمواطنة وحقوق المواطنين.

ـ احترام التنوّع الثقافيّ العربيّ وحمايته باعتباره مكوّناً تاريخيّاً وأصيلاً للثقافة العربيّة.

ـ ضرورة الاهتمام باللغة العربيّة والحفاظ عليها وتعزيزها وتحديث مناهج تدريسها.

ـ ضرورة التنسيق بين الدول العربية على مستوى الحكومات وهيئات ومنظّمات المجتمع المدني للعمل على حماية التراث الأثري العريق الذى يتعرّض للتدمير والنهب.

تجدر الإشارة إلى أن ورش العمل هذه تأتي استعداداً لإطلاق التقرير العربيّ الثامن للتنمية الثقافية، الذي دأبت مؤسّسة الفكر العربيّ على إصداره سنوياً، وأيضاً في إطار التحضير لعقد مؤتمر “فكر” في دورته الرابعة عشرة، وهو المؤتمر الذي تنظّمه مؤسّسة الفكر العربيّ في القاهرة برعايةٍ كريمة من رئيس جمهوريّة مصر العربيّة عبد الفتّاح السيسي، وبالتعاون مع جامعة الدول العربيّة، في إطار الذكرى السبعين لتأسيس جامعة الدول العربيّة (1945- 2015.(