IMLebanon

مؤتمر التحديات المصرفية برعاية سلامة: موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تعدت 39 مليار دولار واحتياطي الذهب صمام أمان للاقتصاد

Banque-du-Liban-2
نظمت “مجموعة البنك والمستثمر” في فندق “فور سيزنس”، مؤتمرها السنوي بعنوان “التحديات المصرفية ما بعد الأزمة العالمية”، برعاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وحضور الوزير السابق عدنان القصار ونواب حاكم مصرف لبنان ورؤساء ومديري مصارف وخبراء ومختصين في العمل المصرفي.

النملي
بداية تحدثت المديرة التنفيذية لمجموعة البنك والمستثمر نهلا النملي التي رأت “إن اللبنانيين منقسمون على كل شيء لكنهم مجتمعين على موقع ودور رياض سلامة وريادته والثقة به ما يؤهله ليكون جامعا لشمل اللبنانيين من كل الأطياف السياسية والدينية والمناطقية”.

وأضافت أن “حالة المشهد والواقع اللبناني لا تسر أحدا، فالشغور الرئاسي مستمر منذ أكثر من 470 يوما ولا تبدو في الأفق القريب ملامح انتخابات رئاسية، مع تمديد ولاية مجلس النواب والتوجه في الأشهر المقبلة لتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية، في وقت بلغ فيه الدين العام مستويات خطيرة جدا وهو مستمر في تصاعده بفعل التوسع في الإنفاق الحكومي وتراجع الإيرادات وغياب المعالجات الناجعة ما يجعله معضلة عصية على الحل”.

وتابعت: “الموازنة العامة أصبحت سرابا إذ لم تقر منذ 10 أعوام وآخرها كان في عام 2005، حيث نسير منذ ذلك الحين وفق القاعدة الاثني عشرية في الجباية والانفاق وهي قاعدة تصلح لأشهر وليس لسنوات ما يؤدي إلى ضياع الأرقام والحسابات.أما الكهرباء فهي مأساة دائمة ومستمرة تستنزف الدولة بأكثر من 2 مليار دولار سنويا وهي غائبة فتحل مكانها المولدات الخاصة التي تستنزف بدورها جيوب اللبنانيين. وحالة الطرقات يرثى لها على الرغم من إنفاق أكثر من 1.5 مليار دولار سنويا على تأهيلها وتطويرها. في حين تتوسع أجهزة الدولة وتتضخم أعداد العاملين من مدنيين وعسكريين بما يفوق الحاجة وهي تزداد ترهلا وتراجعا في آداء دورها في خدمة المواطنين وأصبح الفساد هو السمة الأساسية التي تطبع الإدارة اللبنانية”.

وأشارت إلى “ضياع أرقام سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام وأرقام إيراداتها فيما بقي الموظف ينتظر حلولا تعيد إلى راتبه قدرته الشرائية التي تآكلت على مر السنوات الماضية، فيما تتفاقم أزمات المياه والمدرسة الرسمية والنفايات والبطالة التي باتت كارثة تضرب الفئات الشبابية وترمي بهم نحو بحار الهجرة أو تدخلهم في اليأس وتدفعهم نحو الانتحار أو اللجوء إلى الممنوعات هربا من واقعهم”.

وبعدما عددت “أبرز إنجازات حاكم مصرف لبنان”، لفتت الى ان دوره “في إدارة محفظة الدين العام بالتعاون مع وزارة المالية، سمح باستمرار تمويل الدولة وعدم وقوعها في الإفلاس والعجز، بالإضافة إلى التعاون مع المسؤولين في معاجلة العديد من الملفات والمسائل المالية والاقتصادية لتجنب الأزمات”.

شرف الدين
ثم تحدث النائب الاول لحاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين الذي أكد “التزام مصرف لبنان بانتهاج سياسة نقدية غير تقليدية تقوم على مبادرات وهندسات توازن بين صيانة الاقتصاد وتنمية المجتمع، ومن أهم مظاهر هذه السياسة التي أثبتت نجاعتها وجدواها في مواجهة التحديات حيث أضحت نموذجا يحتذى به في المصارف المركزية العالمية، المحافظة على الاستقرار النقدي والسيطرة على التضخم ضمن سقف 4% وتأمين استقرار معدلات الفوائد وتحقيق النمو حتى في أحلك الظروف”.

ودعا إلى “بلورة نظرية اقتصادية تجعل من أزمات الكساد العظيم واحدة من الحالات الممكنة التي تسمح لاقتصادنا الرأسمالي أن يجد نفسه”، مؤكدا أن “جوهر تكوين السياسة النقدية وعلة وجودها هو استنباط الأساليب المجدية وابتكار المبادرات الخلاقة في مواجهة التحديات التي تنتجها هذه الظواهر، في سبيل تحقيق التلازم بين مصالح قوى السوق والمصالح العليا للمجتمعات”.

واعتبر “أن الأزمة المالية العالمية كانت أحد مظاهر العلاقة العرجاء بين الاقتصاد والأخلاق، حيث كان لغياب البعد الأخلاقي الأثر البارز في خلق الأزمة وتغذيتها. وفي هذا الإطار سمح التوجه الليبرالي المتمادي بإزالة الكثير من أساليب الرقابة والضبط التي تشكل عناصر أساسية لمبادىء الشفافية والمحاسبة”، لافتا الى أن “هذه البيئة المتفلتة أدت إلى تواطؤ البنية السياسية مع المنظومة التمويلية لتدفع بهذه الأخيرة إلى اتخاذ العديد من المبادرات التي استهدفت جني الأرباح بأسرع ما يمكن دونما اعتبار لمصالح المدخرين بشكل خاص والاقتصاد الوطني في المديين المتوسط والبعيد بشكل عام، وهو ما ساهم بشكل تراكمي في خلق شروط الفقاعة العقارية وفقدان المصارف لملاءتها”.

أضاف: “أثبتت الأزمة المالية أن السياسة النقدية تؤثر في المخاطر المحدقة بالقطاع المالي وأن لهذه المخاطر آثارها المدمرة على الإنتاج واستقرار الأسعار الذي تسعى إليه السياسة النقدية، حيث يكمن تحدي الربط بين التنظيم المالي والسياسة النقدية وحسن استخدامهما باتّزان بحيث يخدم كل منهما الآخر”، مؤكدا “أن الحرص على تعزيز رسملة وملاءة المؤسسات المالية الدولية والكبيرة منها بشكل خاص يكتسب أهمية قصوى لتحصينها بمواجهة الصدمات، إلا أن التحدي الذي يوازيه أهمية هو تأمين صمود النظام المالي برمته عن طريق الرقابة التحوطية الكلية التي تعمل بوظيفتين تعكسان بعضهما البعض من خلال حماية النظام المالي من الاقتصاد وحماية الاقتصاد من النظام المالي”.

واعتبر “أن المسألة الأساسية تتعلق بتأمين وصول المستهلك للخدمات ومدى ملاءمتها لحاجاته، حيث لا بد من تحسين الشفافية في عرض الخدمات المالية للمستهلك بأقل الأكلاف وإزالة القيود التجارية المفروضة أو غيرها من الحواجز”، لافتا إلى “الحاجة لتعزيز الثقافة المالية لدى المستهلك كي يدرك حقوقه وواجباته ويقيم المخاطر في سبيل اختياره للخدمات الملائمة لحاجاته”، موضحا “أن تعزيز الثقافة المالية يأتي ضمن إطار التعاون بين الوكالات الحكومية والهيئات التنظيمية والمصرفية والصناعة المصرفية وجميعات المستهلكين”، لافتا إلى أن “التحدي يكمن في وضع مجموعة من المبادىء تضمن اتساق جوافز الوسطاء الماليين مع هدف حماية مصالح المستهلكين”.

جلسات المؤتمر
وتضمن المؤتمر ثلاث جلسات عمل طرح فيها عدد من الأفكار والحلول لأبرز التحديات التي تواجه لبنان.

البعاصيري
وأكد نائب حاكم مصرف لبنان محمد البعاصيري في الجلسة الأولى التي جاءت بعنوان “الاستقرار المالي في القطاع المصرفي”، أنه “في ظل التخبط الذي يشهده النظام المالي العالمي وسط تداعيات أزمته العالمية، ووسط ما تعانيه منطقتنا على المستويين السياسي والاقتصادي، تبرز الأهمية الاستراتيجية للدور الحيوي الذي ينبغي للسلطة الاقتصادية والنقدية والقطاع المصرفي والمالي أن يلعباه في صيانة وتفعيل الأمن الاجتماعي والاقتصادي في أبعاده المالية والتنموية”.

وقال إنه “في إطار النظام المصرفي المالي، قام مصرف لبنان بتطوير نظام مصرفي موثوق يتميز بتقيده الصارم بالمعايير والمواصفات الدولية المصرفية والمحاسبية خصوصا بما يتعلق منها بكفاية رأس المال والإدارة الرشيدة والشفافية والربحية والسيولة ومكافحة تبييض الأموال، بالإضافة إلى تنظيم القطاع المالي عبر اتخاذ كل التدابير اللازمة وإصدار التعاميم المطلوبة لمواجهة المخاطر الخارجية، بما يحفظ سمعة لبنان ويمنع الأموال غير الشرعية من الدخول إلى السوق المحلية”.

وأضاف: “بلغت موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية مستويات قياسية تعدت 39 مليار دولار، يضاف إليها مخزونه الوفير من احتياطي الذهب الذي يشكل صمام أمان للاقتصاد، إلى جانب اتخاذ مصرف لبنان كل التدابير اللازمة للمحافظة على التوازن في السيولة التي حققت فائضا تجاوز 16 مليار دولار، حيث هدفت سياسة مصرف لبنان إلى الاستمرار في تأمين ملاءة الدولة اللبنانية ضمن ممارسة واجبه وهو المحافظة على الاستقرار التسليفي”.

وتابع: “كذلك انكب مصرف لبنان على الإسهام في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية من خلال إطلاق المبادرات التحفيزية للمصارف في مجال التسليف إلى القطاع الخاص بهدف الاستثمار في القطاعات الإنتاجية والسكنية والبيئية والتعليمية، وذلك بفوائد مقبولة عن طريق الإعفاء من الاحتياطي الإلزامي. وقد بلغ مجموع قيم الرزم التحفيزية منذ إطلاقها في عام 2013 نحو 5.04 مليار ليرة أي بما يوازي 3.3 مليار دولار، فضلا عن تأمين موارد الرسملة لقطاع اقتصاد المعرفة الواعد بابتكار هندسة مالية تضع بتصرف هذا القطاع نحو 400 مليون دولار”.

واعتبر “أن الفساد وغياب المساءلة من أبرز العناصر التي تنسف الاستقرار المالي وخصوصا عندما يصبح جزء من الثقافة العامة. وهو ما يتطلب بذل الكثير من الجهود لبناء قدرة رقابية فاعلة”، داعيا إلى “مواجهة الدين العام وإيلاء الاهتمام للنمو الاقتصادي وتطوير نظام للمساءلة وإعداد مشاريع القوانين لتعزيز مستوى الالتزام بالمعايير الدولية”.

يوغوردجيان
بدوره، أكد مستشار الرقابة المصرفية والتنظيم في مجلس محافظي البنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن سركيس يوغوردجيان، “وجوب تفادي فكرة النمو لمجرد النمو لأنه يؤدي إلى طمع البنوك التي تسعى دائما لتحقيق عائدات مرتفعة على المدى القصير والمتوسط، مع العلم أن المردود العالي يتوفر في الأنشطة عالية المخاطر”، محذرا من “مشاركة المؤسسات المالية في أنشطة التداول في الأوراق المالية على حساب مزاولة الأنشطة التقليدية”.

وأكد على “ضرورة تطوير ممارسات الحوكمة وعدم السماح لأي مؤسسة مالية بنمو يصل إلى حد الفشل لأن هذه المؤسسة سوف تخرج عن السيطرة في وقت ما، خاصة وأن الكثير من الخدمات المالية كان لها تأثيرات اجتماعية سلبية”.

وأشار إلى أن “أكبر عشرة مصارف في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، إزداد حجمها عقب الأزمة المالية العالمية وبات لديها أصول أكبر وزادت ودائعها بنسبة 40%، وباتت تسيطر على أكثر من 90% من العوائد الوطنية، ومن بينها 4 بنوك في أميركا تسيطر على 219 ترليون دولار”.

ورأى “إن ضمان الاستقرار المالي يتطلب تفادي مراكمة المخاطر في النظام المالي، ووضع معايير دقيقة للافصاح عما تقوم به المصارف على أسس أكثر شفافية وبالاعتماد على المساءلة”، داعيا إلى “إجراء إصلاحات للقطاع المصرفي بحيث يخدم الاقتصاد الفعلي، مع ضمان مكافأة النظام المالي على دعمه للنظام الاقتصادي، وهو ما يتطلب تضافر الجهود وصولا لتحقيق الأهداف الاقتصادية الوطنية المنشودة”.

عواد
أما في الجلسة الثانية التي جاءت بعنوان “بازل 3 ومخاطر السيولة”، فدعا مستشار رئيسي مجموعة بنك لبنان والمهجر أمين عواد، المصارف إلى “التركيز على سيولتها نظرا لكونها جزء لا يتجزأ من الاقتصاد، وعلى اعتبار أن أية مشاكل تواجه هذه المصارف فإن كلفته ستكون كبيرة جدا على الاقتصاد وستنعكس سلبا على التنمية في البلاد”.

وقال: “يجب على المصارف تصحيح شهيتها للسيولة وإيجاد إدارة يومية للمخاطر المرتبطة بها ووضع مؤشرات للإنذار المبكر في المراحل الأولى وخطط طوارىء للتعامل مع الأزمات فور ظهورها”، مضيفا أنه “يتوجب أن تتوفر لدى المصارف أصولا سائلة على نحو دائم وأن تتولى حسن إدارة هذه السيولة مع ضمان تلافي أي مشكلة في سيولتها اليومية وإدارتها بجودة عالية وتحت أي ظرف من الظروف وكذلك اختبارها بشكل متواصل”.

معوض
من جهته، أكد رئيس قسم إدارة المخاطر في بنك البحر المتوسط سمير معوض، “حاجة المصارف إلى استثمارات ضخمة لتطوير تكنولوجيا المعلومات للارتقاء بأنظمة عملها، والتفكير بنماذج أعمال جديدة خاصة بها بديلة عن نماذجها الحالية التي لن تقوى على الاستمرار في المستقبل، وكذلك إعادة النظر في أماكن انتشارها وتكاليفها للمحافظة على المعادلات التي تفرضها السلطات الناظمة للقطاع”.

واعتبر “أن المصارف بحاجة إلى إجراء نظرة شاملة وأكثر دقة للتأكد من سيولتها من خلال المراجعة الدورية للتدفق النقدي لديها ومراقبة البيانات والمعلومات اليومية وإجراء اختبارات دورية لتتمكن من تدارك المشاكل ووضع مخططات لتوفير البدائل المناسبة في حال طرأت تحديات أمام سيولتها، وخصوصا في بلد مثل لبنان حيث غالبا ما تتطور الأحداث بشكل متسارع”.

بونسي
الجلسة الثالثة عقدت تحت عنوان “النزاهة المالية العالمية” وتحدث فيها الشريك المؤسس في شركة النزاهة المالية في أميركا شيب بونسي، فاعتبر “أن عدم الالتزام بقواعد النزاهة يؤدي إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد الذي يصبح عرضة للفساد”، موضحا أنه “لا يمكن تطبيق النزاهة المالية بمعزل عن عنصرين أساسين هما الشفافية المالية التي تقتضي معرفة من أين تأتي الأموال وإلى أين تتجه، والمساءلة المالية التي تهدف للتأكد من أن الجميع يحترم قواعد اللعبة”.

ودعا “الحكومات والمؤسسات المالية والجمهور إلى التعامل مع النزاهة المالية كواجب وليس خيارا، والحرص على إصدار التشريعات والإشراف والتحليل والملاحقة القانونية كسبيل لتحسين الأداء على مستوى مكافحة الفساد وتعزيز الأمن الاجتماعي ومواجهة الإرهاب”، مشددا على أهمية “إدراك الأفراد لضرورة الالتزام بالإفصاح عن هويتهم”.

منصور
أما الأمين العام لهيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان عبد الحفيظ منصور، فاعتبر “التزام لبنان بتطبيق برامج خاصة لمراقبة تحرك التدفقات النقدية بين المصارف والفروع لمعرفة مصادرها ووجهتها”، محذرا من المخاطر المرتبطة بالأموال النقدية”.

وقال إن “المصارف قطعت شوطا كبيرا في مستوى الالتزام بالتحقق من مصادر المبالغ النقدية وهو ما ساعدنا في تحقيق نتائج ممتازة على هذا الصعيد حيث تسترعي المبالغ النقدية انتباهنا بشكل دقيق”.