IMLebanon

تصنيف لبنان الائتماني يدفع ثمن الأزمة مرة جديدة

lebanon-economy

موريس متى

يدفع تصنيف لبنان السيادي، مرة جديدة، ثمن الازمة السياسية والامنية التي تعصف بالبلاد منذ اندلاع الازمة السورية، وما حملت من تداعيات على الوضع الاقتصادي والسياسي والامني. فقد تبلغت السلطات المالية والنقدية اللبنانية منذ أيام قليلة، قرار وكالة التصنيف الائتماني “ستاندارد اند بورز” خفض تصنيف السندات اللبنانية بالعملات الاجنبية والمحلية على المديين القصير والطويل الاجل، الى B-/B مع نظرة مستقبلية سلبية بعدما كانت مستقرة في الفترة الماضية، أي أن احتمال تسجيل هذا التصنيف المزيد من الخفض في الفترة المقبلة قد ارتفع بشكل كبير.

بحسب وكالة التصنيف الائتماني، أتى هذا الاجراء نتيجة المخاوف المتعلقة بالانعكاسات السلبية التي تولدها حالة عدم الاستقرار السياسي المحلي والتطورات الاقليمية، وتأثيرها على النمو الاقتصادي، مع تأكيدها أيضاً المخاوف المتعلقة بعدم قدرة السلطات الرسمية، وتحديداً مجلس النواب والحكومة على اقرار الاصلاحات المالية الضرورية للمديين المتوسط والطويل، وذلك نتيجة الأزمة السياسية والانقسامات وغياب التشريع، ما يؤدي حكماً الى تداعيات سلبية على المالية العامة. واللافت بحسب الوكالة، خطورة تداعيات الشلل السياسي والتشريعي والفراغ في سدة الرئاسة على الوضع المالي والاقتصادي، لكون هذا الشلل، منع انتخاب رئيس منذ أيار 2014، كذلك منع مجلس النواب من اقرار موازنة عامة للبلاد منذ العام 2005، والذي مدد لنفسه حتى 2017. أمام هذا الواقع ، توقعت الوكالة استمرار ضعف الاستهلاك والحركة الاستثمارية هذه السنة، كما توقعت عدم تسجيل أي تطور ايجابي كبير في أداء القطاعات السياحية والمالية والتجارية، بالاضافة الى استمرار انعكاس الازمة على حجم الاستثمارات الخارجية في لبنان.
هذه الصورة السلبية التي وضعتها وكالة التصنيف، طعّمتها الى حد ما ببعض الايجابية المحدودة، وأكدت صلابة القطاع المصرفي المدعوم من السياسة الحكيمة لمصرف لبنان الذي يحافظ على مستويات عالية من الاحتياطات الاجنبية. كذلك توقعت أن يستفيد لبنان وبعض قطاعاته من تراجع اسعار النفط عالمياً، ومن الخطط التحفيزية التي وعد مصرف لبنان بالاستمرار في اتباعها خلال الفترة المتبقية من 2015 وفي سنة 2016، ما قد يدعم النمو بشكل محدود خلال الفترة الممتدة حتى 2018. وأكد الملف ايضاً، عدم توقع وكالة التصنيف ان تستفيد الدولة بشكل كبير من هذه العوامل، اضافة الى الفائض الذي سيُسجل نتيجة تراجع اسعار النفط، كوسيلة لاتمام اصلاحات هيكلية جذرية تساهم في وضع حد لنقاط الضعف المالية التي تعاني منها، اضافة الى توظيفها في دعم النمو الاقتصادي اذ يُنتظر ان تساهم الأموال التي سيتمّ توفيرها من خفض أسعار النفط في سدّ عجز الدولة المتنامي أكثر من قيمة التوفير في الفاتورة الحرارية.

تصنيف المصارف
لا تكترث وكالات التصنيف بالأسباب التي تمنع وصول رئيس جديد الى قصر بعبدا أو أسباب عدم التشريع وغياب الاصلاحات المالية، وانما كل ما يهمها عند مراجعة تصنيفها هو الاجابة عن عدد من الاسئلة ومنها: “هل للبنان رئيس؟”، وهل يتم تنفيذ الاصلاحات المالية؟ ماذا عن وضع الديون والعجوزات والاستحقاقات المشكوك في تغطيتها؟ هل من تشريع للقوانين المالية؟ ما وضع القطاعين المصرفي والمالي؟ اسئلة اساسية واجاباتها تحدد قرار الوكالات. علماً ان خفض تصنيف لبنان يؤدي حكماً الى خفض تصنيف مصارفه التي تحمل الجزء الأكبر من السندات الحكومية. فقد بلغت حصة القطاع المصرفي من الدين العام الذي وصل الى قرب 70 مليار دولار نحو 55%، اما مصرف لبنان فيحمل 30% من هذا الدين. هذا ما يؤكد ان القطاع المصرفي أخذ أبعاداً أكبر من مهمته الأساسية، ولم يعد يُموّل الاقتصاد بل المالية العامة ايضاً.
اما الودائع والأموال الخاصة في المصارف اللبنانية التي تفوق الـ 170 مليار دولار، فلن تكون كافية لردع وكالات التصنيف الائتماني عن خفض تصنيف هذه المصارف لأنها قامت بذلك سابقاً، فما من حجّة تمنعها من القيام مرة جديدة بخطوة مماثلة”.
لكن خفض تصنيف لبنان لن يؤثر على نشاط القطاع المصرفي اللبناني محلياً، بل على علاقاته مع الخارج، اذ يترك التصنيف السلبي بصماته على تعامل المصارف اللبنانية مع المؤسسات والمصارف في الخارج، اضافة الى علاقتها مع رجال الأعمال من مختلف الدول الراغبين في التعامل مع المصارف اللبنانية في ما يخصّ مؤسساتهم. كذلك قد تؤدي السلبيات الى خفض التصنيف في حال سعت الدولة الى الاستدانة من الاسواق العالمية ما ينعكس ارتفاعاً في الفوائد المطلوب من مستثمري هذه السندات. ولكن هذا الامر محدود الى حد ما، بما ان المستثمرين بالدين السيادي اللبناني هم لبنانيون ولن يطالبوا برفع الفوائد على السندات السيادية لأنهم ادرى بشؤونهم.

الوضع الاقتصادي
كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خلال “المنتدى المصرفي العراقي” الذي استضافته بيروت كان واضحاً حيال نسبة النمو شبه المعدومة لهذه السنة، اذ توقع نمواً دون 1%، بعدما كانت التوقعات في الربع الثاني من السنة تدور حول نسبة نمو للسنة بأكملها قرب 2٫5%، ما دفع بالمركزي الى اعلان خطة تحفيزية جديدة بقيمة تراوح ما بين مليار و 1٫5 مليار دولار لسنة 2016، سعياً منه الى اعادة تنشيط بعض القطاعات ودعم النمو. كما تحدث الحاكم عن تعميم سيصدر قريباً، يبحث في اعادة جدولة ديون القطاع الخاص بالتعاون مع لجنة الرقابة على المصارف وجمعية المصارف لمنع حصول حالات افلاس كبير بين المؤسسات اللبنانية في الاشهر المقبلة.
بدوره، خفض معهد التمويل الدولي في مراجعة له توقعاته للنمو الاقتصادي في لبنان من 2,2% في نيسان الى 1,1 % حالياً، عازياً ذلك الى التراجع غير المتوقع للمؤشرات الاقتصادية الاساسية، ومع استمرار الضغوط التضخمية في الاشهر السبعة الاولى من السنة بسبب انكماش الطلب المحلي والتراجع الملحوظ في اسعار الاستيراد في ظل معادلة الليرة – الدولار، وتراجع اسعار السلع.
أي نظرة تشاؤمية من المؤسسات الدولية تجاه الاقتصاد اللبناني والمصارف اللبنانية، تدفع بالشركات الأجنبية الى عدم خوض مغامرات قد تكلفها الكثير في حال قررت العودة الى لبنان أو اعتباره سوقاً جديدة لها. فاذا طال الفراغ، وغاب معه التشريع ولم تقر الاصلاحات والقوانين، نكون في طريقنا الى مزيد من الجمود الاقتصادي والتدهور المالي وصولاً الى الانكماش المطلق، والمتزامن مع خفض للتصنيف الائتماني.