IMLebanon

ترقية الضباط.. مشكلتها في افتقاد من يتبناها

jean-kahwaji-w-chamel-roukouzz

كتب محمد شقير في صحيفة “الحياة”:

لم تحسم بعد قضية ترقية ثلاثة ضباط في الجيش اللبناني برتبة عميد الى رتبة لواء، وما زالت تتأرجح بين هبّة باردة وأخرى ساخنة، ليس لأنها تفتقد الى “أبوة” تتبناها فحسب، وإنما لأن تسويقها يمر حالياً في ثلاثة اتجاهات ولكل من العاملين فيها حساباتهم السياسية، ما حال دون عبورها الى الممر الإلزامي، أي مجلس الوزراء الذي يعود إليه القرار النهائي.

وكانت بداية تسويق ترقية ثلاثة ضباط، كما تقول مصادر وزارية ونيابية لـ “الحياة”، جاءت بمبادرة من السفير الاميركي لدى لبنان ديفيد هيل، الممدد له للبقاء في لبنان على رغم أن فترة انتدابه انتهت، لمواكبة الملفات اللبنانية العالقة، وأبرزها انتخاب الرئيس.

وقالت المصادر نفسها إن هيل انطلق في مبادرته من خلفية أن هناك حاجة لإرضاء العماد ميشال عون في مكان ما لضمان عدم سحب وزيريه من الحكومة، لتأمين استمراريتها. وطرح إمكان ترقية عدد من الضباط برتبة عميد، من بينهم قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز ومعه ضابطان، أحدهما شيعي والآخر سني، في ضوء صرف النظر عن ترقية 8 ضباط والاكتفاء بثلاثة منهم.

واستنجد هيل برئيس “اللقاء النيابي الديموقراطي” وليد جنبلاط، الذي أوكل هذه المهمة الى وزير الصحة وائل أبو فاعور، قبل أن يتخذ قراره بعدم التعاطي في هذه القضية والانصراف كلياً الى معالجة أزمة النفايات.

إلا أن ترقية الضباط حطت رحالها على طاولة الحوار بين تيار “المستقبل” و “حزب الله” برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وأدرجت على جدول أعمال الجلسة الحوارية الأخيرة، من زاوية إعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية وإيجاد الحلول للأزمات القائمة التي تهم المواطنين.

وكشفت مصادر سياسية مواكبة للأجواء التي سادت الجلسة الحوارية هذه، عن أن ترقية الضباط نوقشت من زاوية البحث عن مخارج لتفعيل العمل الحكومي وتأمين استمرارية عقد جلسات مجلس الوزراء الذي يمضي حالياً إجازة “قسرية” بسبب الخلاف على آلية العمل فيه لجهة اتخاذ القرارات وإصدارها.

تسويق الترقية على من ؟

وقالت إن الطرفين أبديا، في حضور ممثل رئيس المجلس معاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل، استعدادهما لتسهيل الأمور في داخل الحكومة، وإن لا مانع لديهما من النظر في ترقية الضباط إذا كانت تؤدي الى تحقيق هذا الغرض.

لكن بدا من خلال الحوار – وفق المصادر نفسها- أن أحداً من المتحاورين لا يريد أن يأخذ على عاتقه تسويق ترقية الضباط، على رغم أن لا اعتراض عليها.

وفي هذا السياق، حاول “حزب الله” أن يرمي كرة الترقية في مرمى “المستقبل”، بذريعة أنه يتولى طلبها وتسويقها في آن معاً، لأن الموافقة عليها ستؤدي الى خلق المناخ المواتي لإعادة تزخيم الحوار بينه وبين العماد عون والمتوقف منذ فترة طويلة.

إلا أن “المستقبل”، كما تقول المصادر، لم يعترض في المبدأ على الترقية لكنه ينأى عن أن تقع القرعة عليه لتسويق هذه الترقية، خصوصاً أنه ليس وحده في مجلس الوزراء وهناك قوى أخرى لها رأيها، إضافة الى ضرورة الوقوف على رأي المؤسسة العسكرية، مع أن لا حاجة الى تعديل قانون الدفاع الوطني من أجل الترقية، لأن هذا القانون عُدِّل في عام 1983 لكن لم يصر الى تعديل المراسيم التطبيقية الواردة في قانون الدفاع عام 1979.

ويعني عدم تعديل هذه المراسيم، أن في وسع مجلس الوزراء أن ينظر في ترقية الضباط بناء لاقتراح نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الوطني سمير مقبل بعد التشاور مع قائد الجيش العماد جان قهوجي.

ومع أن ترقية ثلاثة ضباط لا تجيز لهؤلاء أن يكونوا أعضاء في المجلس العسكري الذي يرأسه قائد الجيش ومعه خمسة ضباط برتبة لواء، لأن انضمامهم إليه سيؤدي الى إحداث خلل في التوازن الطائفي لمصلحة المسلمين الذين يتمثلون بـ 5 ضباط في مقابل أربعة للمسيحيين.

لكن المشكلة تبقى حتى إشعار آخر أبعد من إعادة تركيب المجلس العسكري، وتكمن في أن بعض الأطراف المؤيدين للترقية يحتفظون لأنفسهم بموقفهم ويتركون لغيرهم السعي من أجل تسويقه، ربما لأنهم لا يريدون أن تصاب علاقتهم بقائد الجيش بأي اهتزاز. ناهيك بأن مقبل لا يبدي حماسة لإدراج الترقية وبناء لطلبه على مجلس الوزراء، بسبب مخاوف لديه من أن تؤدي الى اللعب بالهيكلية التنظيمية للمؤسسة العسكرية، خصوصاً في هذا الوقت العصيب الذي يمر به البلد الذي تشتعل من حوله الحرائق في دول الجوار، وأقربها إليه سورية.

كما أن وزراء من “14 آذار” والكتلة الوسطية التي تضم وزراء محسوبين على الرئيس ميشال سليمان، لا يحبذون إقحام المؤسسة العسكرية في مغامرة، رغبة منهم في قطع الطريق على أن يصبح الجيش اللبناني بمثابة “جيشين” في جيش واحد. إضافة الى أن هناك حاجة لتدبير مناصب للضباط المشمولين بهذه الترقية أسوة بالضباط الذين هم الآن برتبة لواء.

لذلك يجري التعاطي مع ترقية الضباط بحذر شديد، مصدره أن ترقيتهم في مجلس الوزراء ستدفع العماد عون الى الإفادة منها ليهجم على العماد قهوجي، بذريعة أن التمديد له تم بقرار من وزير الدفاع بينما التمديد للضباط الثلاثة جاء بقرار من الحكومة، خصوصاً وأنه سبق لـ “الجنرال” أن شكك بشرعيته.

وقد يبادر البعض الى القول -كما تقول مصادر وزارية ونيابية- إنه يمكن مجلس الوزراء قوننة التمديد لقهوجي. لكن هذا لا يبرر الترقية من دون أن تكون متلازمة مع اتفاق أوسع يبدأ بآلية العمل في مجلس الوزراء وينتهي بإعادة تشكيل مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي مروراً بالملفات الأخرى العالقة، إضافة الى أن هناك من يسأل: ماذا بعد ترقية روكز؟ وهل سيصرّ عون على الترشح للرئاسة؟

كما أن ترقية الضباط في مجلس الوزراء تحتاج من وجهة نظر وزراء من غير المنتمين الى “قوى 8 آذار” الى موافقة جميع أعضاء الحكومة، كما يطالب عون وبعض حلفائه، إضافة الى أن لا مشكلة مع روكز المشهود له بكفاءته العسكرية ومناقبيته وقدراته الميدانية، وإنما مع عون، الذي لا يزال يتموضع في حلف استراتيجي مع “حزب الله”.

أما القول من وجهة نظر المصادر الوزارية إن الحكومة في حاجة إلى شراء الوقت وإن استرضاء عون بترقية روكز يمكن أن يؤمن ذلك، فإن هذا الاعتقاد ليس في محله، في ظل وجود حكومة غير منتجة ومعطلة وأن الترقية من دون ضمانات سياسية من شأنها أن تبقي الوضع الحكومي على حاله.

لذلك، يرتفع حيناً منسوب الحماسة لترقية الضباط وسرعان ما يتراجع، لأن المشكلة تكمن في عدم تأمين الجهة السياسية التي تعرض رغبتها لتبني الترقية.

مقبل: الترقيات تودي إلى بلبلة

وفي السياق، اكد وزير الدفاع سمير مقبل بعد مقابلته متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة انه “غير موافق على الطريقة المعتمدة في ملف الترقيات العسكرية والتسويات السياسية المستغلة لهذا الموضوع”، موضحاً انها “تخلق بلبلة بين الضباط”.

وقال مقبل: “اذا وافقت جميع القوى السياسية على هذه التسوية يمكن طرح العملية على مجلس الوزراء كي يتخذ القرار المناسب، ولكن اؤكد اننا في كتلة الرئيس ميشال سليمان ضد هذه العملية”.