IMLebanon

هل يفشل مشروع العدّادات الذكية… ليبقى الإهدار سيّد الموقف؟

Electricity4

سلوى بعلبكي

بعد 3 سنوات ونصف السنة على اطلاقه، يواجه مشروع تحديث قطاع التوزيع في كهرباء لبنان الذي تتولاه شركات مقدمي الخدمات خطر الفشل في تحقيق الهدف الأهم منه، اي تركيب العدادات الذكية التي تحول دون اهدار نصف الطاقة الكهربائية المنتجة. اذ كان يفترض بدء تركيب مليون و400 الف عداد الكتروني متطور بدل العدادات الميكانيكية القديمة بعد 6 اشهر من تسلم الشركات مهماتها، لمعالجة الاهدار من كل جوانبه.
ووفقاً للعقد المذكور، يتوجب على شركات مقدمي الخدمات مباشرة تركيب هذه العدادات في تشرين الاول 2012، لتنتهي عملية التركيب في نيسان 2014. إلاّ أن المشروع لا يزال يخضع لـ”الدراسة” في المؤسسة، في حين بدأت الشركات تتهمها بالعرقلة والتأخير المتعمّدين.
تؤكد شركة Bus أنها قدمت كل ملفاتها الفنية عند الدخول في مناقصة تركيب العدّادات، وحصلت وفق التقييم الفني، على اعلى علامة. وقد وافقت المؤسسة في آذار 2014 على العدّاد المقدم من Bus وطلبت اجراء عملية تجريبية للمشروع. ورغم أن هذا الامر غير ملحوظ في العقد، أجرت الشركة المشروع التجريبي بنجاح، بشهادة استشاري “الكهرباء” (شركة Needs) الذي اعطى الضوء الاخضر لمباشرة التركيب. كذلك اقترح رئيس لجنة العدادات في مؤسسة الكهرباء بتاريخ 15-5-2015، منح الموافقة للشركة لتركيب العدادات، لعدم توافر اي عائق فني يحول دون ذلك. واعلن انه في حال استمر التأخير، فانه يرفع مسؤوليته عما سينجم عن ذلك من تداعيات مالية وقانونية.
الا أن المؤسسة ردت على الاستشاري برسالة تتضمن حجّتين: عدم وجود مركز تحكّم، وعدم تلزيم الاشراف على مقدمي الخدمات، وهذان الامران هما من مسؤولية كهرباء لبنان. لكن اللافت ان الرد على Needs تضمن سؤالا مستغرباً: هل يمكن ان تتحمل الشبكة الكهربائية في لبنان تركيب العدادات الذكية؟ وهنا تسأل مصادر Bus ، كيف يمكن ان تلزم ادارة عامة ثلاث شركات مشروعاً ما، وبعد أربع سنوات من اطلاقه تسأل عن امكان تنفيذه؟
من جهة اخرى، أرسلت كهرباء فرنسا بعد دخولها على الخط، في حزيران الماضي، خبيراً قام بوضع تقرير تمهيدي من 3 صفحات، اكد فيه ان العدّادات المعروضة مطابقة للمعايير العالمية ومتجانسة مع الشبكة في لبنان. تلقفت “الكهرباء” التقرير وطلبت تقريراً مفصلاً، فتم ارسال تقرير موسّع من 25 صفحة يؤكد النتائج نفسها. فطلبت لقاء مع الخبير الفرنسي الذي اكد ان ملاحظات “الكهرباء” على العدّادات غير صحيحة، وان نتائج تقريره السابق دقيقة. واضاف انه حتى لو كانت الملاحظات صحيحة، وحتى لو لم تعالج، فإنها لا تؤثر على الفوترة السليمة وعلى معالجة الاهدار الفني.
ولكن المدير العام للكهرباء كمال حايك لم يقتنع، فقرر وفق مصادر الشركة اغراق كهرباء فرنسا بالاوراق والوثائق والدراسات لكسب الوقت. فطلب من الشركة المعنية ارسال كل ملفاتها منذ عامين وحتى اليوم. فجاء الجواب من فرنسا هذه المرة في 3 آب المنصرم، انه “رغم كمية المعطيات الجديدة، نؤكد ما ورد في تقريرينا السابقين وسلامة العدّادات”. وهنا كانت المفاجأة، إذ طلب حايك من الخبير الفرنسي تعهداً بأن يكون تركيب العدادات على مسؤولية كهرباء فرنسا، وهذا امر تعجيزي، لأنه لا علاقة عضوية بين كهرباء لبنان وكهرباء فرنسا. ولكن الاخيرة ارسلت تعهداً رسمياً تتحمل فيه مسؤوليتها الكاملة عن كل حرف ورد في تقاريرها الفنية.
شركات مقدمي الخدمات الاخرى كان لها نصيبها ايضاً من “العرقلة”. فقد تحدثت مصادر الموردين الذين يعملون مع شركة KVA ، عن المعوّقات التي وضعت في “عجلات” المورد لكي يصرف النظر عن المشروع. فمن اتهامه بأنهم يورد الى اسرائيل، الى الادعاء بان أموراً تقنية تحول دون تركيب العدادات، الى مسائل أخرى استطاع اثبات “زيفها” بالوثائق والبراهين، لتكتمل بعدها تجارب العدادات. ولكن “الكهرباء” استمرت في سياسة “العرقلة” واضعة متطلبات جديدة غير موجودة في العقد، ليتبين لاحقاً للشركة (اي “الكهرباء”) أنها لا تريد اكمال المشروع، وتود تالياً نسفه لأن عوامل الاهدار الاساسية في الكهرباء هي من خلال جمع الفواتير. وتتحدث المصادر عن أن “الكهرباء” اعطت الموافقة على تلزيم العدادات في كل لبنان لشركة واحدة. إلاّ أن مصادر المؤسسة نفت ذلك، مشيرة الى أن مجلس الادارة قرر بأنه في حال اراد اي من مقدمي الخدمات أن يضع عدّادات في غير نطاق عمله، يتوجب عليه أن يحصل على الموافقة المسبقة. ولفتت الى ان الموافقة أعطيت لعدادات Neuc، فيما تدرس الموافقة على شركة KVA. أما شركة Bus فطلب منها تبديل العدادات أو اجراء تجربة أخرى لها. إلا أن هذه الاخيرة نفت الامر، كاشفة لـ”النهار” انها ارسلت كتاباً رسمياً الى المؤسسة تطلب منها الاعتذار على نشر معلومات تمسّها، وهي عارية من الصحة تماماً.
ما هو مصير المشروع؟
وجهت احدى الشركات وفق ما علمت “النهار”، كتاباً حاد اللهجة الى ادارة مؤسسة الكهرباء تحذرها فيه من استمرار العرقلة. وردت شركة (Bus) في كتاب على ما أوردته المؤسسة في “النهار”، أنها طلبت منها اجراء تجارب اضافية وانها رفضت ذلك، وأن العدادات غير مطابقة لدفتر الشروط، وغيرها من الامور التي اعتبرتها الشركة منافية للحقيقة. وتؤكد الشركات المعنية أن مخالفة حقوق العقد ستؤدي حتماً الى فسخ العقد مع مقدمي الخدمات والى الاحتكام للقضاء.
من المعروف ان مشروع مقدمي الخدمات يكلف الخزينة نحو 800 مليون دولار على اربع سنوات. وكان من المفترض ان يتم توفير هذه الاموال من تحسين الجباية (تم ذلك جزئياً)، ومن الحد من الاهدار غير الفني، والقضاء على السرقة عبر التلاعب بالعدادات، أو تساهل الجباة في قراءتها، علما ان الوسيلة العلمية الوحيدة هي الشبكة والعدّادات الذكية. هذا الاهدار يكلف الخزينة مئات ملايين الدولارات سنويا، لذا يستحق الامر الكثير من التدقيق لتحديد الجهة التي عرقلت المشروع، ومنعت الخزينة من استرداد ثمن نصف الطاقة الكهربائية المنتجة والمهدورة لأسباب معروفة، لا بل يستحق الأمر ان يكون اخباراً للقضاء المختص بتهمة اهدار الاموال العامة. فإذا كانت شركات مقدمي الخدمات هي المسؤولة، ينبغي فسخ العقود معها ومحاسبتها لعدم الايفاء بموجبات العقد. اما اذا كانت ادارة الكهرباء هي المعرقلة، فيفترض مساءلتها عن عدم تنفيذ مشروع وضعته هي بنفسها؟!