IMLebanon

تخبط رهانات بريطانيا بين محالفة أمريكا ومنافع الصين

GeorgeOsborne-Britain-FinanceMinister
فيليب ستيفنز

إليكم هذا السؤال. هل بإمكان دولة تعتبر نفسها الحليف العسكري الأكثر موثوقية للولايات المتحدة، أن تكون أيضا الصديق المقرب للصين في الغرب؟ إذا سألت جورج أوزبورن، وزير المالية البريطاني، فإن الإجابة هي “نعم” بشكل لا لبس فيه. أما الآخرون – في وايت هول، إضافة إلى البيت الأبيض – فلهم وجهة نظر مختلفة.

كان أوزبورن يقوم بجولة في الصين، بما في ذلك مقاطعة شينجيانج المضطربة، حيث تتعرض سلطة بكين لتحدي سكانها الأصليين من الإيجور. عندما لم يكن الوزير يوقع على صفقات تجارية، فعل كل شيء لتجنب الجدل. كان هدفه الإعداد للتوقيع على سلسلة من الاتفاقيات المالية والاستثمارية، عندما يقوم الرئيس شي جين بينج بزيارة دولة لبريطانيا في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.

وعد أوزبورن بضمان لدافعي الضرائب في حدود ملياري جنيه استرليني، إذا قام الرئيس شي بتمويل محطة جديدة لتوليد الطاقة النووية في جنوبي إنجلترا. كما أنه قدم بريطانيا أيضا كمكان اختبار للتكنولوجيا النووية في الصين.

يعتقد مسؤولو الحكومة البريطانية أن مشروع الطاقة النووية أصبح غير اقتصادي بسبب النفط الصخري والغاز، وبسبب الأنماط المتغيرة لاستخدام الطاقة، لكن وزير المالية غير مقتنع بأي شيء من هذا.

بينما كان يسافر ما بين بكين وشنغهاي وأورومتشي مروجا ومعززا لمكانة بريطانيا على أنها “الشريك الأفضل” للصين في الغرب، كان مسؤولو الأمن الوطني في لندن يقومون بصياغة استراتيجية أمن وطني جديدة، محورها سيكون إعادة التأكيد على الأمن والتحالف العسكري مع واشنطن.

تأثر ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء، بشكل كبير في وقت سابق من هذا العام بسبب الانتقادات الأمريكية المتعلقة بتخفيضات الدفاع المزمعة في المملكة المتحدة.

الآن، وقد أعاد هدف حلف الناتو البالغ 2 في المائة للإنفاق على الدفاع، يريد أن يبين بأن بريطانيا لا يزال بإمكانها إبراز ثقلها العسكري. وهنالك الفكر نفسه وراء محاولة الاعتراض البرلماني المتعلق بالقصف البريطاني للإرهابيين في سورية.

وكما تشاء الصدف، فإن استعراض الدفاع سوف يمهد الطريق أيضا لتوسع كبير في قدرة بريطانيا على مواجهة الهجمات السيبرانية، حيث إن كثيرا منها موجهة من الصين، ولعلك قد توقعت ذلك.

من النادر أن تعمل وزارة الخزانة على تحديد اتجاه السياسة الخارجية، إذ إن أقوى إدارة في الحكومة البريطانية، أظهرت منذ زمن طويل ازدرائها المؤسسي للأجانب. يبقى المسؤولون في حالة هدوء إذا صدف أن تحدثوا بلغة أجنبية.

لذلك، فإن الوصول إلى بكين هو بمنزلة المشروع الشخصي لوزير المالية.

يقول البعض إنه كان منبهرا بنهوض الصين. يبدو بأنه يعتقد أن الصين سوف تحل محل الولايات المتحدة خلال القرن الحادي والعشرين، بالطريقة نفسها التي حلت فيها الولايات المتحدة مكان بريطانيا خلال القرن العشرين.

كان هنالك أيضا عنصر من عناصر الواقعية، حيث إنه يحتاج إلى مال الصين للتخلص من بعض التقشف المحلي.

وهكذا، عندما وجدت بريطانيا نفسها تحتل مكانة سيئة لدى بكين بعد اجتماع كاميرون مع الدالاي لاما، الزعيم الروحي للتبت، قام أوزبورن بقلب مقاومة وزارة الخارجية وتحويلها إلى احتجاجات مذلة. وبالتالي تاب رئيس الوزراء عن الخطأ الذي اقترفه، وأصبح منذ ذلك الحين دقيقا في عدم ارتكابه المخالفات.

عندما زار كاميرون شرق آسيا خلال فصل الصيف، اعتقدت الحكومة السنغافورية بأنه قد يرغب في اغتنام تلك الفرصة ليقول شيئا ما حول الأمن الإقليمي، إذ تعتبر بريطانيا عضوا في ترتيبات دفاع القوى الخمس في آسيا.

اعترض كاميرون على ذلك، خوفا من قول أي شيء قد يسبب الإزعاج للصين، التي تتعارض مع كثير من جيرانها ومع الولايات المتحدة في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي. قيل إن مضيفه كان يفضل التحدث عن الفرص المتاحة للشركات الآسيوية لزيادة رأس المال في الحي المالي في لندن.

في الآونة الأخيرة، كان أوزبورن وراء قرار بريطانيا القطيعة مع الولايات المتحدة والانضمام للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية تحت رعاية بكين.

قد يوافق الكثيرون في واشنطن الآن على أن محاولة الولايات المتحدة لتنظيم مقاطعة غربية للبنك الجديد كانت في أحسن الأحوال محاولة غير حكيمة. مع ذلك، فإن الدافع وراء موقف وزير المالية ليس دافعا استراتيجيا. حيث أراد إقناع نظيره الصيني باختيار لندن كمركز لتداولات الأوفشور في الرينمبي.

سيقول البعض إن أوزبورن ليس وحيدا في حرصه على الاستيلاء على حصة كبيرة من ثروة الصين المكتشفة حديثا، حيث تقوم أنجيلا ميركل إلى الأبد بقيادة بعثات التجارة الألمانية إلى بكين، بينما لم تسمح الولايات المتحدة بأن يقف الجدال مع الصين في طريق التوسع في الأعمال التجارية بين البلدين.

هذا صحيح. الغريب هو الافتراض البريطاني بأن العلاقات الاقتصادية السليمة تتطلب موقفا مستسلما بشأن كل شيء آخر – سواء أكانت حقوق الإنسان أو مطالبات الصين الإقليمية المتنازع عليها في غرب المحيط الهادئ.

لن يشعر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمثل هذا الندم خلال اجتماعاته مع شي هذا الأسبوع.

أما الذين يعرفون الصين جيدا فسيقولون إنه لا توجد أي أدلة على أية حال بأن التقليل من شأن الذات، من شأنه أن يتيح لأي جهة أن تحظى بمعاملة تفضيلية من الصين. على العكس من ذلك، تميل بكين لازدراء هؤلاء الذين تتصور أنهم خوادم لها.

من الغريب أيضا أن تكون العلاقة الخاصة المقترحة لأوزبورن مع بكين منفصلة عن أي تقييم أوسع نطاقا لمصالح بريطانيا الاستراتيجية طويلة الأجل.

سيبين استعراض الأمن والدفاع أن أمن الدولة وازدهارها ورخاءها تأتي في المقدمة، مستندا إلى الحفاظ على نظام دولي مفتوح قائم على القواعد – وهو نظام مضمون منذ عام 1945 من قبل الولايات المتحدة. أما بكين فترى في ذلك النظام دليلا قاطعا على استمرار الهيمنة الغربية على العالم ومقدراته.

لا يوجد شيء سهل حول موازنة المشاركة الاقتصادية المفيدة مع الصين مع الحفاظ على أمن بريطانيا. ولا حتى ينبغي لبريطانيا بالضرورة أن تتفق دائما مع الولايات المتحدة، لكن هنالك المزيد بالنسبة للمصلحة الوطنية لبريطانيا أكثر من بضعة مليارات من الاستثمارات الصينية، في برنامج مراوغ متناقص الجدوى، يدور حول توليد الكهرباء من الطاقة النووية.