IMLebanon

المنطقة ترقص على “فالس” الذئب الروسي! (بقلم رولان خاطر)

russia-main1

 

كتب رولان خاطر

 

يشهد الصراع في سوريا تطوراً ملحوظاً بعد الانقلاب الكبير في مواقف الدول الأوروبية، مع الموقف التركي الملتبس، اتجاه القبول ببقاء بشار الأسد في أي عملية انتقالية، بالتزامن مع الزحف الروسي نحو سوريا.

فمن الواضح أن صنّاع القرار في الكرملين، لم يخططوا لحماية “ديكتاتورية الأسد”، التي أزالت عن الخريطة الإنسانية أكثر من 350 ألف مواطن سوري بالبراميل المتفجرة والسلاح الكيميائي، بل الأكيد أنّ روسيا تحاول بشراسة العودة إلى مسرح القرار الدولي، وربما تعديل في قواعد اللعبة النظام الدوليين، مستغلّة سياسة “الانكفاء” التي يعتمدها الرئيس “الديموقراطي” للولايات المتحدة، لفرض “معادلة القطبين” في السياسة الدولية. علماً ان معلومات تحدثت عن ان اتخاذ قرار الانخراط بشكل واسع في سوريا جاء على خلفية تقارير أمنية روسية أشارت إلى تصدّع مهم في بنية الجيش النظامي.

من هنا، في قراءة موضوعية لمسار التطورات، تظهر أن “مهندسي” السياسة الروسية، وضعوا خريطة طريق تجمع بين “العسكري” و”السياسي”:

أولاً، هناك حرص روسي على “شرعية” وجودهم العسكري، الذي أتى “بناء لطلب من الحكومة السورية”، وفق ما أعلن الروس، وهو جاء تحت عنوان “حماية مصالح روسيا في قلب سوريا”.

ثانياً، استغلال القوة العسكرية في المعركة السياسية والديبلوماسية التي تخوضها موسكو على شرفتي الأمم المتحدة والبيت الأبيض.

ثالثاً، توجه روسي للانضمام إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب، وفق شروط وأسس مختلفة.

وبالتوازي مع الحشد العسكري، ومع معركة روسيا الديبلوماسية على جبهتي الأمم المتحدة والبيت الأبيض، فقد نفذ المعسكر الروسي عملية احتواء لأي ردّات فعل يمكن ان تصدر من دول منطقة الشرق الأوسط، مثل اسرائيل والأردن وإيران وتركيا والسعودية، وسط معلومات تتحدث عن أن الرياض كانت محبِّذة للتدخل الروسي من اجل الإسراع في إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية.

فديبلوماسياً، يحشد الروس قوتهم على منبر الأمم المتحدة، حيث انها المرة الأولى منذ 10 سنوات تقريباً يعتلي الرئيس الروسي “المنصة الأممية”، في دليل واضح على تصميم “القطب الروسي” على العودة بقوة إلى مسرح القرار الدولي، وفرض نفسه جزءاً من لعبة الأمم.

مواقف “الماردين” جاءت متناقضة ونارية، فالأميركيون وضعوا بجزم إطاراً لمنطق التنازلات، فأعلنوا من على منبر الأمم المتحدة أن لا عودة إلى الوراء، وضرورة استثناء الأسد حتى من أيّ مرحلة انتقالية، بينما ذهب الروس بعيداً، ملمّحين إلى تبنّي واشنطن لتنظيم “داعش” من خلال تدريب وتسليح المعارضة السورية التي تنخرط قواتها لاحقاً في صفوف القتال مع “داعش”.

هذا التناقض في المواقف، يوجّه الأنظار بشكل خاص الى اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، وما يمكن ان يصدر بعده من مواقف عن البيت الأبيض تحدّد خريطة الطريق ومسار المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط، في ظل تضارب الأولويات بين الفريقين.

فبالنسبة لموسكو، هناك ضرورة للحفاظ على نظام بشار الأسد ليكون لاعباً رئيسياً في الحرب الدولية على الجماعات الإرهابية.

إسقاط الأسد برأي موسكو، سيؤدي إلى فوضى أمنية تنتج عنها فوضى سياسية تؤدي إلى تحكم الجماعات الارهابية بمفاصل الحكم، ما قد يجعل “سوريا الجديدة” مصدراً لتصدير الارهاب إلى دول المنطقة وبما فيها روسيا، إضافة إلى تهديد المصالح الروسية في سوريا.

ربما هذه الاعتبارات قد تكون موضع اهتمام من قبل الإدارة الأميركية، إلا أن الأنظار لابدّ ان تتجه أيضاً إلى مواقف دول المنطقة “الصامتة” التي تنتظر القمة الأميركية – الروسية للبناء على الشيء مقتضاه. فإيران المتمسكة بالنظام، لم تعارض التدخل الروسي، وتتقاطع مصالحها مع موسكو بشأن الحفاظ على النظام السوري، إلا أنّ “التطبّع الذكي” للجمهورية الاسلامية لا يعني استغناءها عن الورقة السورية “الحيوية” بسهولة، وسط خوف يتمحور حول مدى استمرار قوة الدور الإيراني في سوريا او انحساره.

وفيما “الرادار الاسرائيلي” يراقب التطورات وسط اتفاق أمني – سياسي تبلور بلقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تتخذ الأردن منحى الواقعية السياسية، إذ بالنسبة للملك الأردني تنظيم “الدولة الاسلامية” بات أمراً واقعاً لا مفرّ من مواجهته، معلناً عن اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لمنع المدّ الإرهابي من الوصول إلى بلاده.

أما لجهة السعودية، فعلى الرغم من أن نقاط الاختلاف مع موسكو تفوق تلك المتفق عليها، إلا ان المعطيات تشير إلى ان الرياض تدعم التدخل الروسي في سوريا، خصوصاً انها تفضله على الدور الإيراني. علماً أن هذا التدخل جاء بعد أسابيع من زيارة ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا، وتلتها زيارة سعودية أخرى لوزير الخارجية عادل الجبير في تموز الماضي.

كما تتفق السعودية وروسيا على حل الأزمة السورية سياسياً، وعلى التصدي للإرهاب وتنظيماته لا سيما “داعش”، علماً أن خطر هذه التنظيمات على السعودية هو أشدّ مما هو على روسيا أو أي دولة أخرى. في وقت، يتردّد عن وجود تعاون أمني استخباراتي بين موسكو والرياض في إطار التصدي للارهاب.

هذا الواقع بالنسبة للرياض لا يضرب بالعمق اولوياتها القائمة أساساً على ضرورة رحيل بشار الأسد وعدم وجوده في أيّ حل سياسي لمستقبل سوريا، بمعنى ان أي تسوية سياسية يجب أن تبعد الأسد عن السلطة، لكنها ربما تؤخر في تحقيق “المبتغى السعودي”، إلا ان هذه المعادلة تحافظ على شيء مهم بالنسبة للرياض، وهو الإبقاء على الجيش السوري وعلى مؤسسات الدولة في سوريا.

وبالتالي، فإن تعاظم الدور الروسي وخصوصا العسكري كضمانة لهواجس ومصالح موسكو في سوريا في حال حصول أي تغيير في النظام، لا يضرّ بالرياض.

إذاً، مواقف الغرب التي تبلورت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، المعترضة على استمرار الأسد ضمن أيّ مرحلة انتقالية، وتراجع العديد من المواقف الأوروبية منها بريطانيا عن القبول بالأسد كشريك في مرحلة انتقالية في سوريا، تدخل في “كباش” الحاصل مع المعسكر الروسي، ما يطرح أسئلة عديدة:

هل هذا التدخل، وما سينتج عن القمة الأميركية- الروسية، سيعود بالعملية السياسية إلى “بيان جنيف”، بوجود بشار الأسد، على أن تنتهي من دونه؟.

هل هذه المستجدات الاستراتيجية ستؤدي إلى تغيير في خريطة المنطقة، وبالتالي تحجيم دور إيران من البوابة السورية؟.

أي دور ستضطلع به ايران في سوريا مستقبلاً بعد الاتفاق النووي، وهل تتحقق أجندة الرياض في سوريا؟.

هل هناك مرحلة تقسيم نفوذ في الشرق الأوسط عمادها موسكو وواشنطن؟.

من الواضح أن التطورات المقبلة ستضع سوريا على مفترق جديد. فهل تكون المنطقة امام فرصة حقيقية للحل أم للانفجار؟.