IMLebanon

انقلاب اقتصادي يدفع بلاد السامبا إلى طريق سياسي مسدود

dilma-rousseff-brasil
جو ليهي

قبل عام فحسب، صوّت لويز ليما في الانتخابات لمصلحة رئيسة البرازيل الحالية ديلما روسيف لفترة ولاية ثانية لأربع سنوات. الآن، يعتقد بأنه ينبغي إدانة هذه المرأة، التي كانت في السابق مناضلة ضمن منظمة ماركسية أيام حرب العصابات.

دعم ليما للرئيسة روسيف وحزب العمال، كان بسبب تركيزهم على البرامج الاجتماعية. على أنه منذ إعادة انتخابها، تراجع أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية إلى حالة من الركود، وتتعرض أنظمة الرعاية الاجتماعية للتهديد بسبب ضغوط المالية العامة، فيما تورط حزب العمال وتحالفه الحاكم في فضيحة فساد في شركة النفط بتروبراس، المملوكة للدولة، وهي فضيحة تعتبر الأكبر في تاريخ البرازيل.

بالنسبة لليما، الذي ترك للتو وظيفة في قطاع الإنشاءات المدنية المتعثر في البرازيل، فإن السبيل الوحيدة لاستعادة الثقة هو في إجراء تغيير على رأس البلاد. يقول خريج جامعة ساوباولو المتميزة في البرازيل: “يتعين علينا فعل شيء في هذا الصدد ويجب أن يكون الآن”.

وحيث إن استطلاعات الرأي تدعي بأن ثلثي البرازيليين، أمثال ليما، يدعمون البدء بعملية توجيه إدانة بالمخالفات ضد روسيف، فإن واحدة من أكبر الديمقراطيات حجماً وكثافة، ولكنها أصغرها سنا ستواجه اختبارا حاسما.

كانت البرازيل ذات مرة من بين البلدان الكبيرة الأسرع نموا – تزدهر بشكل مشابه للصين بنسبة 7.5 في المائة في عام 2010. هذا العام، من المتوقع أن يتقلص اقتصادها بنسبة 2.8 في المائة. في عام 2016، من المتوقع أن تعاني انكماشا آخر بنسبة 1 في المائة، وفقا لاستبيان أجراه البنك المركزي مع عدد من محللي السوق.

متاعب البرازيل تسبب الإزعاج للأسواق، ليس فقط في البرازيل وإنما أيضا في الاقتصادات الناشئة الأخرى. انهارت عملتها الريال لتصل إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق مقابل الدولار عند 4.2479 ريال في الأسبوع الماضي، بسبب مخاوف تتعلق بإدارة الرئيسة روسيف للمالية العامة، وحالة عدم اليقين السياسية.

قال بنك سوسييتيه جنرال في مذكرة له: “إن تحركات العملات الأجنبية في الأسواق الناشئة العالمية، تبين وجود عدوى لا يستهان بها من البرازيل”.

السؤال المطروح أمام السياسيين البرازيليين هو عما إذا كانت البرازيل سوف تتضرر من عزل رئيسة منتخبة، لمجرد كونها لا تحظى بشعبية، أو حتى لأنها تفتقر إلى الكفاءة، دون اكتشاف أنها كانت قد ارتكبت جريمة.

يعتقد معظم المحللين بأنه من أجل الإطاحة بالرئيسة روسيف عن طريق إدانتها بارتكاب مخالفات، يحتاج معارضوها إلى إثبات أنها تلاعبت بالميزانية الوطنية لإخفاء فجوة متوسعة في المالية العامة، من أجل إبقاء حزبها في السلطة، أو أنها كانت متورطة بشكل مباشر في قضية الفساد.

وحيث إن نسبة كبيرة من الكونجرس تلوثت بفضيحة شركة بتروبراس، هنالك أيضا تساؤل عما إذا كان أي استبدال سيحظى بالشرعية لتقديم الحل الصعب – مثل رفع الضرائب بهدف تحقيق التوازن في الميزانية المرهقة – الذي يحتاج إليه اقتصاد البرازيل المتعثر.

يقول جواكيم فالكاو، أستاذ كلية الحقوق في جامعة إف جي في ديريتو ريو، عن عملية الإدانة: “إن هذا قرار خطير جدا في نظام ديمقراطي، وهو يعتبر تدخلا في إرادة الناخبين”.

الخطر هو أنه من دون وجود أرضية قوية، فإن عملية توجيه الإدانة قد تعرض سمعة البرازيل للخطر من حيث قدرتها على بناء مؤسسات ثابتة. يقول فالكاو: “ينبغي علينا إرسال رسالة إلى المستثمرين الأجانب، بأن كل شيء يتم حسمه وحله وفقا للقانون”.

تجمع المتآمرين

يعرف مبنى الكونجرس الوطني الحديث في برازيليا بالهيكلين الشبيهين بالوعاء على سطحه – واحد منها موجه للأعلى والآخر مقلوب رأسا على عقب، مدعوما بالبرجين التوأمين لمجلس الشيوخ.

ما هو غير معروف جيدا هو أنه تحت المبنى هنالك مجمع أرضي شاسع. وهنالك حيث يسرع مئات من الموظفين، عبر ممرات ضيقة ما بين مكاتب نواب الكونجرس البالغ عددهم 513 نائباً، و81 من أعضاء مجلس الشيوخ الذين يمثلون 28 حزبا.

عندما كان حزب العمال قويا، كانت أغلبية تلك الأحزاب سعيدة لإقامة شراكة مع الحكومة. أما الآن، مع كون روسيف معرضة لضغط هائل، تجدهم يهجرون السفينة الغارقة، بحسب ما يدعي قادة المعارضة.

في مكاتبه، يناقش كارلوس سامبايو، زعيم حزب المعارضة الرئيسي، وهو حزب الديمقراطية الاجتماعية، الحسابات وبشكل محموم لجعل عملية الإدانة ممكنة.

في وقت سابق من هذا الشهر، دعم هو وأحزاب المعارضة الأخرى قرارا من قبل أحد الأعضاء المؤسسين لحزب العمال الذي أصبح منشقا، وهو هيليو بيكادو، بتقديم التماس لدى الكونجرس يطالب بإدانة روسيف.

تتهم هذه العريضة روسيف بالتلاعب في الحسابات العامة لإنتاج ميزانيات متوازنة مقبولة سياسيا. انتقدت وحدة الجرائم الوطنية، تي سي يو، التي تراقب الحسابات الحكومية، ما يسمى بالحيل المحاسبية. من المتوقع أن تصوّت حول ما إذا كانت تريد رفض هذه الحسابات في وقت مبكر، ربما يكون الشهر المقبل. وتنفي روسيف ارتكابها لأي مخالفة.

يعتقد سامبايو بأنه يمتلك الأصوات الـ257 اللازمة للبدء في عملية توجيه الإدانة. والحدث الرئيس المقبل سيكون تصويتا في مجلس النواب للمطالبة بالبدء بالمحاكمة الرسمية للرئيسة. قد يحتاج سامبايو وحلفاؤه إلى أغلبية الثلثين من الأصوات، أو ما يعادل 342 مقعدا، لتنفيذ ذلك.

يقول سامبايو: “ستكون العناوين الرئيسة في الصحف اليومية وعلى التلفاز: “عملية الإدانة تبدأ ضد الرئيسة ديلما”. بعد ذلك، لن يكون أي أحد قادر على وقف ذلك، ما بين الضغط من قبل السكان ومن قبل الحياة السياسية، نحن على ثقة من أن ذلك سيكون أمرا ممكنا”. يمكن القيام بالعملية وإنهاؤها مع نهاية العام الجاري، بحسب ما يقول، على الرغم من أن هذا الجدول الزمني يبدو طموحا.

على أية حال، سيكون النقاش الرئيس في الكونجرس حول مدى استرشاد عملية الإدانة بالعوامل القانونية، وكيف ينبغي لها أن تسترشد بالعوامل السياسية. يقول سامبايو إن العملية سياسية بنسبة 90 في المائة. إن حقيقة أن وحدة الجرائم الوطنية حددت بالفعل المخالفات الواردة في الحسابات العامة حقيقة كافية، بحسب ما يقول، دون أية تهم رئيسية يتم توجيهها للرئيسة.

يوافق مختصو القانون الدستوري على ذلك. إذا كان الكونجرس يريد إدانة الرئيسة، يمكنه ذلك. الرئيس الوحيد الذي واجه عملية إدانة منذ عودة البرازيل إلى الديمقراطية من الدكتاتورية العسكرية في عام 1984، هو فرناندو كولور، الذي اتُّهِم بالفساد، لكن لم تتم إدانته قط.

يقول أوسكار فيلينا فييرا، مدير إف جي في ساوباولو: “إن القانون منفتح جدا. إذا أراد الكونجرس استخدامه سياسيا، يمكنه القيام بذلك”.

صحيفة اتهام روسيف

يعتقد كثير من المشرعين أن الرئيسة ارتكبت ما يكفي من الأخطاء لتبرير تحدي القيادة. أما الرئيسة فتوجه اللوم للعوامل الخارجية، مثل نهاية الدورة الفائقة للسلع الأساسية، للتسبب في مشاكل الاقتصاد الحالية.

غير أن النقاد يقولون إن حكومتها تراجعت بسبب إدخال ضوابط للأسعار، وبرنامج حوافز أخرق خلال فترة ولايتها الأولى، بحيث تسببت للمالية العامة بحالة من الفوضى. منذ فوزها بإعادة انتخابها في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تقلبت وتراجعت عن برنامج تقشف، ما أدى إلى تخفيض المرتبة الائتمانية للبرازيل من قبل وكالة ستاندرد آند بورز لتصبح سنداتها مصنفة على أنها خطرة.

يقول إسيو نيفيس، رئيس “بي إس دي بي” في دوائر مجلس الشيوخ: “سيكون للبرازيل ثلاث سنوات متتالية من النمو الاقتصادي السلبي- لم نتعرض لهذا منذ نهاية العشرينيات من القرن الماضي”.

سياسيا، يقول نقادها إن روسيف أخطأت أيضا. في بداية فترة ولايتها الثانية، أثارت استعداء حليف ائتلاف حزب العمال، وهو حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية، الذي هو عبارة عن تجمع فضفاض للسياسيين الإقليميين الملهمين بالمنافع السياسية والمالية لدوائرهم الانتخابية، أكثر من كونهم ينطلقون من أيديولوجية معينة، وذلك عن طريق عدم منح حليفها مزيدا من السلطة.

أدى هذا إلى عداوة مكشوفة من قبل أعضائها، خاصة من قبل رئيس مجلس النواب، سمسار السلطة في حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية، أي إدواردو كونها.

ما كان مضرا بالقدر نفسه هو فقدان الصورة النظيفة لروسيف، التي قد تم تشويهها بالفساد المزعوم في شركة بتروبراس، مع اتهام كثير من سياسيي التحالف بالتعاون مع مديري ومقاولي الشركة السابقين، لانتزاع رشا وعمولات.

وفي حين لم يتم اتهامها بالتورط المباشر، كانت روسيف رئيسة الشركة عندما حصل الكثير من الفساد المزعوم. هذا الشهر، حُكِم على جاو فاكاري نيتو، أمين الخزانة في حزب العمال، بالسجن لمدة 15 عاما لتورطه في الفضيحة، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان قد تم اختراق أموال حملة الحزب، بسبب الفضيحة. ويجري التحقيق في هذه المسألة.

يقول نيفيس: “إذا حصل هذا، يمكن إلغاء فترة ولاية الرئيسة ونواب الرئيسة”، وتلك نتيجة قد تؤدي إلى إجراء انتخابات رئاسية جديدة. ينفي حزب العمال وجود أي مخالفات.

المشكلة بالنسبة للذين سوف يريدون إدانة الرئيسة روسيف هي كيف يمكنهم توحيد البلاد حين يتم الانتهاء من العملية. يقول كونها، الذي اختلف مع الحكومة، إن عملية الإقالة ينبغي ألا نتعامل معها على أنها “جولة ثالثة” من انتخابات العام الماضي.

ويصر بقوله إنها مصممة لمعاقبة سوء السلوك الرئاسي، وليس عدم الشعبية. ويضيف قائلا: “إذا كانت هنالك شروط قانونية موجودة، فسوف يتم تنفيذ العملية”.

قد يرغب مؤيدو عملية الإدانة في تجنب معركة تجري منذ وقت طويل، يمكن أن تعرقل عملية صنع السياسة ويحتمل أن تعود بنتائج عكسية عليهم، حين يكون الاقتصاد ضعيفا جدا.

يقول نيفيس إنه في حالة الإدانة، قد يكون حزبه مستعدا للسماح للحزب المنافس (حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية) بأن يتخذ المقاعد الأمامية ودعمه من قبل الكونجرس. ويضيف: “في حكومة هذا الحزب، سوف أدافع عن عودة النمو.. دون أي وعود بالمشاركة في الحكومة”.

العدو في الداخل

من جانبها، ترد روسيف على الهجوم. من المتوقع أن تعلن قريبا عن حكومة جديدة سوف تتقاسم السلطة مع حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية، وفي الوقت نفسه الحد من تأثير حزبها. يأمل مؤيدوها بأن يخفف هذا من حدة عملية الإدانة.

يصر إيدينو سيلفا، وزير الاتصالات في حكومة روسيف على القول: “ليس هنالك أي أساس قانوني لعملية الإدانة”، مضيفا بأنه مع ائتلاف جديد، فإن جماعات الضغط من أجل الإدانة “لن تجد البيئة المناسبة لتزدهر”.

ويشير أنصار الرئيسة إلى إحراز نصر مبكر الأسبوع الماضي، حين تراجع الكونجرس، على ما يقال بفضل جهودها في بناء التحالف، عن التصويت على سلسلة من التدابير التي كان يمكن أن تحدث خللا في الموازنة.

يقول بعض المحللين إن التهديد الحقيقي لموقف روسيف هو قريب منها إلى حد كبير – أي من من داخل حزبها نفسه. يجادل منظرو المؤامرات بأن الأمل الأفضل للحزب لاستعادة الرئيس السابق لويز إيناثيو لولا داسيلفا- الذي يواجه هو نفسه تساؤلات تتعلق بفضيحة “بتروبراس” – السلطة في انتخابات عام 2018، قد يكمن في استقالة الرئيسة، وتحميل المعارضة وزر اللوم على الفوضى الاقتصادية الحالية، لاحقاً.

بيد أن مشرعي حزب العمال يرون إنه في حين أن هنالك خلافا داخل الحزب حول تدابير التقشف التي اعتمدتها، مع وجود عناصر يسارية تعارض التخفيضات في البرامج الاجتماعية، فإنهم سيقاتلون من أجل إبقائها في السلطة. يقول ماركو مايا، من مشرعي حزب العمال: “إن الحزب متحد خلف فكرة إعادة بناء قواعده السياسية في مجلسي الشيوخ والنواب، لتجنب الإدانة”.

ما إذا كان هذا كافيا لتجنب عملية الإدانة وتوجيه الاتهام بارتكاب المخالفات، فهو أمر غير مؤكد. يمنح كثير من المحللين روسيف فرصة نسبتها أكثر من 50 في المائة للبقاء في السلطة، مع التسليم بأن عملية الإدانة قد تتبلور بسرعة، وتقضي على رئاستها.

إن عدم اتساق روسيف فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية، ولا سيما بشأن الجهود المبذولة لاستعادة أوضاع المالية العامة، قد يؤدي إلى رحيل وزير ماليتها المتدّرب في شيكاغو، جواكيم ليفي.

وحيث إنه يحظى بالاحترام من الأسواق، فقد يشعل خروجه عملية بيع مكلفة أخرى للريال، ما يسبب الضرر للشركات البرازيلية ذات الديون الخارجية، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع التضخم وإثارة غضب المواطنين العاديين.

على الجانب الإيجابي، ينبغي عليها الشروع في إصلاحات أكثر جرأة لتعزيز الأوضاع المالية للدولة، وبالتالي التخفيف من بعض ضغوطات السوق المطالبة بتوجيه الإدانة. على أية حال، أيا كان ما سيحدث، يحكم معظم المحللين على الهدنة الحالية غير المستقرة، على أنها وضع خطير غير قابل للاستدامة.

يقول جوا أوجستو دي كاسترو نيقيس من مجموعة أوراسيا: “في الأسابيع القليلة المقبلة، هناك شيء ما سوف ينهار”، مضيفاً أن عملية الإدانة تبقى الخيار الأكثر كلفة بالنسبة للدولة، فيما يتعلق بحالة عدم الاستقرار السياسية.

ولما كانت الثقة في روسيف هي الآن في أدنى مستوياتها، تعتبر الإدانة الخيار الذي يفضله بعض الناخبين العاديين أمثال ليما.

“أيا كان من سيتسلم زمام الأمور، فإنه لن يكون قادرا على فعل المعجزات لأننا نعيش في أزمة. لاستعادة صورة الرئاسة، وزيادة الاستثمارات الدولية، ومساعدة الشركات في التعافي والحد من التضخم، أعتقد أنه من المهم إزالة حزب العمال وديلما” على حد قوله.