IMLebanon

إستبدال قوارير الغاز: ثغرات “بالجملة” فداءً لعيون الصفقات

Cooking-Gas-Cylinders
خضر حسان
يبدو أنّ الدولة اللبنانية قد حسمت أمرها في ما يتعلق بعملية استبدال قوارير الغاز. وكل ما يُقال عن صفقات تندرج في إطار العملية، يصوّر على أنّه “تنقير” على عمل وزارة الطاقة، التي خرج قرار الإستبدال من بابها العريض.

موقف الدولة اللبنانية الذي عبّر عنه قرار وزير الطاقة أرتور نظريان، جاء بعد إعلان الدولة، عجزها عن تحمّل كلفة الإستبدال، وعجزها عن إلزام شركات الغاز بإجراء عمليات الصيانة الدورية. ولأن الدولة “لا تريد الدفع، والشركات أعلنت أن قارورة الغاز هي ملك للمواطن”، فإن كلفة الإستبدال وقعت أخيراً على صاحب القارورة، بحسب مصادر في وزارة الطاقة. وقرار الوزارة هو أقصى ما يمكن تقديمه في هذا الموضوع، “ولو لم يعلن الوزير قراره، لقال الناس: أين الوزارة؟، ولو أصدر الوزير قراراً بالصيانة وليس بالإستبدال، لقالوا ان القوارير بحاجة الى إستبدال وليس صيانة”. بمعنى أن الوزارة اليوم باتت في موقع المظلومية، وعلى المواطن أن يرضى بذلك، أو يتحمّل “القنبلة الموقوتة” الموضوعة في منزله طوعاً. أما قرار الإستبدال، فلم يأتِ من فراغ – تضيف المصادر- بل جاء بفعل “مناشدة المواطنين للوزارة، وطلبهم بإستبدال القوارير وليس صيانتها، فوضعها لم يعد يحتمل الصيانة”. ولإضفاء المزيد من الشرعية على قرار “الطاقة”، ذكّرت المصادر بأن “النواب موافقون على القرار، وهناك لجنة تضم مختلف الوزارات، وافقت عليه”. علماً ان مصادر “المدن” تفيد بأن “لجنة الأشغال التي تابعت الملف، أوصت بإجراء صيانة للقوارير، لكن خيار الصيانة سُحب في أروقة وزارة الطاقة”.

ويدل ردّ جمعية المستهلك على قرار نظريان، على ان هناك ما هو مخفيّ، إذ ان الإجتماعات التي دارت بين المعنيين على مدى سنة، ومنهم جمعية المستهلك، لم تخلُص الى ضرورة الإستبدال، وهي في الأساس، لم تصل الى خواتيم تستحق إعلان قرار رسمي، والبدء بتطبيقه، خاصة وان وزارة الصناعة لم توافق على القرار، وهي ركن أساسي من أركان إصداره.

تأكيد جمعية المستهلك، ومصادر “المدن” على ان لجنة الأشغال ناقشت مسألة الصيانة قبل الإستبدال، دليل قاطع على أن هناك ما يجب أن يٌقرأ بين السطور. وما يزيد من ضرورة القراءة، هو عدم لحظ آلية التعاطي مع القارورة الجديدة، في حال إشترى المواطن قارورة جديدة بدل انتظار بدء موعد التبديل الرسمي. أي انه وفقاً لقرار وزارة الطاقة، على المواطن ان يدفع 1000 ليرة عند كل تعبئة، تمهيداً لبدء عملية التبديل بعد تحصيل مبلغ من المال يمكن ان يكون رصيداً كافياً لبدء المرحلة الجديدة، لكن اذا أجرى المواطن عملية التبديل من تلقاء نفسه، وباتت قارورته جديدة، ولم تعد “قنبلة موقوتة”، فلماذا عليه أن يستمر في دفع 1000 ليرة عند كل تعبئة؟ وماذا عن الصيانة التي يُفترض إجراؤها على القوارير الجديدة؟ القرار لا يتحدث عن هذه النقاط، وهي ثغراتٌ لم يعرها مهندسو القرار أهمية، فكل ما يعنيهم هو تلزيم مزراب هدرٍ جديد، وان على حساب المواطن، اما المواطن، فمشغول إمّا بهمومه، أو بسكوته ما لم يكلّفه “الزعيم” بالكلام.

من جهة أخرى، وسواء كان موقف المواطن الرافض أم الساكوت، فإن واقع قوارير الغاز “لا يحتمل التأجيل”. ولأن الدولة غائبة، يرى نقيب العاملين والموزعين في قطاع الغاز، فريد زينون، انه من الأفضل ان يتحمل المواطن هذه الكلفة، ليس لأنه الجهة المخولة دفعها، بل لأنه المتضرر من وجود هذه القنبلة الموقوتة في منزله. ويلفت زينون النظر في حديث لـ “المدن” الى انه، وعلى المستوى الشخصي، يرفض تحميل المواطن أي كلفة إضافية. وبرأي زينون، لا تكمن المشكلة فقط في عملية الاستبدال، بل هناك أزمة في مراكز تعبئة وتوزيع الغاز، اذ ان “19 مركزاً من أصل 140 مركزاً عاملاً في لبنان، تملك ترخيصاً، ومجهزة لتقوم بهذا الدور”، وبالتالي، فإن “عملية الصيانة تتطلب تجهيز المراكز ومراقبتها”. ويرفض زينون مقولة ان هناك صفقة في هذا القرار، لأن “الوزير وقّع على 4 ملايين قارورة يجب استبدالها خلال مدة 10 سنوات، وبالتالي فإن الكمية معروفة، اي ان هناك 4 ملايين قارورة قديمة يجب تلفها. اما الاسعار، فهي معروفة، خصوصاً أسعار الحديد والنحاس. وفي جميع الأحوال، سيتم اجراء مناقصة لتلزيم عملية الاستبدال والتلف”.

ثغرات القرار تُضاف الى علامات الاستفهام التي تٌطرح على الجهة التي ستلتزم التصنيع واتلاف القوارير القديمة. فما الحاجة لتلزيم شركة للتصنيع، طالما ان المصنع اللبناني الموضوع حالياً في الخدمة، “قادر على تلبية الكمية المطلوبة”، كما يبيّن زينون. فالمصنع “قادر على تصنيع مليون و300 ألف قارورة سنوياً”، والخطة مرسومة على مدى 10 سنوات، اي ان المصنع اللبناني قادر على انجاز المهمة بأقل من الوقت المطلوب. وهنا يستحق السؤال حول سبب فرض استيفاء رسم التبديل طيلة هذه الفترة. ويضاف الى ذلك، ورود إسم “ر.ج” كأحد أهم المرشحين للفوز بالمناقصة، كونه قريب جهة سياسية معروفة، ومصادر “المدن” تشير الى إحتمال “فوزه” وحيداً، أو مع شريك آخر، “بالتراضي”.

أزمة جديدة تفتح الأبواب على أزمات أخرى، عمادها هدر المال العام، وهذه المرة هدرٌ مباشر من جيب المواطن، الى أجل محدد بـ10 سنوات، لكنه غير مدروس. والغريب ان ما يحصل، مدموغ بختم وزارة يتحدّث عنها ملف الكهرباء، فهل يكون مصير الغاز كمصير الكهرباء؟.