IMLebanon

هذا ما كنزوا لقطاع الكهرباء!

electricity
من المعيب أن تتحول جلسة لجنة الأشغال التي كان من المقرر أن تتابع البحث في موضوع الكهرباء والهدر المالي
والتقنين العشوائي والقاسي الذي يطال كافة المناطق عموما والعاصمة بيروت خصوصا إلى مواجهة كلامية وتبادل للإتهامات والشتائم بين نواب التيار الوطني الحر من جهة ونواب تيار المستقبل ورئيس اللجنة النائب محمد قباني من جهة ثانية.

و للتذكيرهنا بأن الوزير السابق للطاقة والمياه جبران باسيل كان قد أعلن مرارا وتكرارا، بأن ساعات التغذية سترتفع إلى 16 ساعة خلال عام 2014 مع ازدياد الإنتاج ليصل إلى 2100 ميغاواط، أي 18 ساعة تغذية يوميا. كما أنه وعد بتأمين ساعات التغذية 24/24 ساعة في صيف 2015 حتى كانت النتيجة إلى اللجوء إلى تقنين اضافي يتجاوز 18 ساعة متواصلة في بعض الاحيان. ولهذه الغاية الحميدة اقرت خطة الوزير باسيل بموجب مناقصة قامت بها وزارة الطاقة لاستئجار بواخر توليد الكهرباء إلى معمل الذوق، وكان هنالك تساؤلات عدة حول آلية المناقصات المتبعة خاصة من ناحية إضافة 3 شركات بعد فض عروض الشركات الـ6 الأساسية، وتعديل الشروط، والتأخير في التلزيم الذي كان كافيا لاستبعاد معظم الشركات المشاركة في العروض. إضافة وبعيدا عن الشفافية لم تزود الشركات المستبعدة من المناقصة بالتقرير الفني والمالي الذي اعتمدت عليه وزارة الطاقة لاستبعاد الشركات المشاركة، في ظل عدم معرفة الأسباب الموجبة. مليار و200 مليون دولار هي كلفة مشروع الوزير باسيل لاستئجار بواخر توليد الكهرباء لتؤمن كحد أدنى 160 ميغاوات وحد أقصى 200 ميغاوات لمعمل الذوق، بمجموع 8000 ساعة كهرباء سنويا لمدة 5 سنوات والتي سددت نفقاتها من خزينة الدولة بدلا من الاستفادة من الصناديق الدولية والعربية التي تؤمن الشفافية والمناقبية والتنافسية في تمويل المشاريع. هذه الأموال تتجاوز كلفة بناء محطتين لتوليد الكهرباء تؤمنان طاقة بحدود 600 ميغاوات، وتكونان بالتالي ملكا للدولة اللبنانية. هنا يظهر سوء سير عملية المناقصة التي أجرتها وزارة الطاقة والمياه لاستئجار بواخر توليد الكهرباء، إضافة إلى التقييم الفني والمالي الذي قدمته اللجنة الاستشارية المكلفة درس العروض المقدمة، حيث أظهرت عدم الشفافية في التعامل مع الشركات المتقدمة بالعروض، وتلاعبا بالشروط الأساسية المطلوبة بما يخالف قواعد وأصول المناقصات العالمية حيث أن بعض الشركات الأجنبية وليس آخرها شركة دانمركية قد قاضت الدولة اللبنانية بغرامات تتجاوز 145 مليون يورو لمشروع قيمته 320 مليون دولار بسب مخالفة شروط فض العروض والمناقصات.

و هذا ما كانت تريد مناقشته جلسة لجنة الأشغال، حيث أن قطاع الكهرباء كلف الدولة أكثر من 32 مليار دولار وهو يستنزف الخزينة بحدود ملياري دولار أميركي سنويا ما يساوي 28% من واردات الدولة، وهو يسبب خسائر للقطاع الصناعي قدَّرها البنك الدولي بـ400 مليون دولارحيث يمثل تقنين الكهرباء عائقاً يواجه النمو الاقتصادي وأحد أسباب الضعف السياحي الذي يحرم الخزينة اللبنانية بأكثر من 340 مليون دولار. كما أن تقنين الكهرباء يزيد العجز في ميزانية المواطنين الذين يضطرون إلى دفع فاتورتي كهرباء بكلفة باهظة، وكما يضغط على المؤسسات التجارية والتي بعضها في طريق الإفلاس أو الإقفال في ظل تراجع الحركة التجارية والقدرة الشرائية لدى المواطنين الذين يواجهون ظروفا حياتية ويومية صعبة. هنالك حوالي 750 ميغاواط تنتج من المولدات الخاصة في لبنان وهذه فاتورة إضافية على المواطنين وخسارة لخزينة الدولة.

و من المعروف أن لبنان يعيش وللأسف الشديد أزمات متعددة خانقة كنتيجة مباشرة للصراع العنيف على السلطة، حيث توقفت عجلة الإنماء والتطور مما أعاد لبنان إلى الوراء وبدء يرزح تحت وطأة العجز والتخلف. ومن بين هذه الأزمات الاقتصادية الحادة وأكثرها جدلا بين الناس هي أزمة الكهرباء. بعض المثقفين وأهل العلم وحتى رجال دولة يقولون وبكل صراحة أنها أزمة مفتعلة وربما تكون أطراف ذات مصلحة وراءها، منهم من يتهم 8 آذار بافتعال هذه الأزمة للبرهنة على فشل الحكومة في إدارة الملفات الحياتية ودعم وزراء أفرقائهم لتمرير مشاريع تفوح منها رائحة الفساد وآخرون يتهمون 14 آذار بتدبير الأزمة للاستفادة من فاتورة الفيول أويل التي تتولاها بعض الشركات القريبة منهم. وكثير من الناس ينظرون إلى الوضع بنوع من الموضوعية والواقعية ويعترفون بالصعوبات الكبيرة والانقسامات الخطيرة التى تمر بها البلاد، وآخرون صامتون يراقبون الوضع ويعيشون الأزمة بكل تفاصيلها ولا يهمهم سوى انفراج الوضع وتحسن كل الخدمات بما فيها خدمة الكهرباء.

وكما هو معلوم لكل من يعمل فى قطاع الكهرباء، بأن السبب الجوهري لهذه الأزمة المتفاقمة هي عجز حاد فى التوليد ومشاكل مستمرة ومتراكمة في خطوط النقل على اختلافها. من المتعارف عليه هندسيا، أن الطاقة الكهربائية تولد فى محطات تضم عدداً من الوحدات بحيث يكون الوضع التشغيلي السليم لهذه المحطات بوجود وحدات عاملة ومربوطة على الشبكة العامة، مع وجود وحدات طارئة تعمل في حال حدوث أي عطل فى الوحدات الأساسية أو عند أية زيادة مفاجئة فى الاستهلاك، بالاضافة إلى وجود وحدات تكون موضوعة على برنامج صيانة يومي وهذا ما لا يحصل. كما أنه يجب الاشارة إلى أن معظم الوحدات العاملة فى المحطات المختلفة هي الآن تحتاج إلى الصيانة الدورية والوقائية المختلفة، وبعض هذه الصيانات الخاصة بالاجزاء الرئيسية لوحدات التوليد تحتاج إلى الكشف والصيانة من قبل خبراء الشركات المصنعة أي بصورة واضحة تحتاج إلى مهندسين وخبراء أجانب والذين من الغير ممكن الحصول عليهم فى هذا الوضع الامني والسياسي المضطرب في المنطقة. كما أن أسباب مشكلة التقنين وتفاقمها هي متشعّبة وسببها العجز المالي في مؤسسة كهرباء لبنان، والنقص الكبير في المحطات وخطوط النقل والتوزيع، والأعطال المستمرة في معامل الإنتاج، والتعديات على الشبكات وسرقة التيار وتراجع الجباية، والأضرار التي أصابت الشبكة نتيجة أحداث عسكرية وأمنية، وزيادة الطلب على الإستهلاك دون توفر خطط لتوفير المزيد من الكهرباء، والنقص الكبير في الجهاز البشري العامل في المؤسسة، ومشكلة المياومين التي عطلت جزءا من الأعمال الفنية والإدارية. فلبنان بحاجة إلى 3000 ميغاواط والطلب على الكهرباء يبلغ في وقت الذروة 2500 ميغاواط وشركة الكهرباء لا تؤمن منها الا 1800 ميغاواط بأحسن الأحوال. وقدرة معامل الإنتاج الحالية لا تتناسب مع زيادة الطلب بسبب التوسع العمراني والنمو السكاني في المناطق اللبنانية كافة وآخرها استيعاب أكثر من مليون ونصف نسمة من اللاجئين السوريين الذين يسببون ضغطا استهلاكياً على البنية التحتية.

إن المشاكل التي تعاني منها الشركة العامة للكهرباء وقطاع الكهرباء عامة، هي مشاكل كبيرة وكثيرة وعويصة لذلك يجب البدء بتنفيذ خطة لمعالجة هذا القطاع والتركيز على الأنشطة الرئيسية التالية:
1- تعيين هيئة ناظمة للكهرباء وخفض التكاليف في الإنتاج والتوزيع.
2- إعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان، وتحسين الإدارة وزيادة مهارات الموظفين بما يؤدي إلى زيادة الكفاءة والإنتاجية.
3- ضخ قدرات ومهارات في مؤسسة كهرباء لبنان حتى يتسنى تنفيذ مشاريع خفض التكاليف وتحسين درجة انتظام الإمدادات والتعويل عليها.
4- اطلاق المناقصات والبدء ببناء معامل كهرباء تعمل على الغاز الطبيعي للاستفادة من الغاز والنفط المكتشف في البحر وقبالة الشاطئ اللبناني، لأن هذا سوف يوفر كلفة الطاقة والكمية اللازمة لإنتاج الكهرباء.
5- بدء بمشروع خصخصة جزئية للكهرباء من خلال بدء تنفيذ مشاريع الامتياز من توليد وتوزيع حتى يتسنى لشركة الكهرباء بدء أعمال بناء معامل توليد الكهرباء في كافة المناطق اللبنانية مع السماح لتلك الشركات الخاصة باستعمال محولات وشبكات التوزيع الخاصة بالشركة العامة مقابل تعرفة تدفع لها بدل تلك الخدمات.
6- اعداد مشاريع لتوليد الكهرباء من خلال الطاقة البديلة والمتجددة (الهواء, الطاقة الشمسية, المياه)
7- الاسراع في بت مشروع معالجة النفايات والاستفادة من النفايات العضوية لتوليد الطاقة لإضاءة الشوارع والأماكن العامة.
8- التنسيق مع البنك الدولي في إطار مشروع بناء معامل توليد الكهرباء، نظرا للعبء الثقيل لقطاع الطاقة على ميزانية الدولة ولاستمرار خطة إعادة الإعمار وحسب مقررات مؤتمر باريس 3، والتي كانت قد وافقت الحكومة اللبنانية على بنودها مع مجتمع المانحين.

كل الأزمات الخاصة بالكهرباء والتي يعاني منها المواطن اللبناني هي انعكاس مباشر وحقيقي لهذه المشاكل التي قدمنا جزءاً يسيراً ومختصراً منها. أتمنى أن يفهم المسؤولون بأن الوضع الذي نمر به في هذا الوطن الصغير من مشاكل اقتصادية ومالية في شتى القطاعات الإنتاجية والحيوية بما فيه قطاع الكهرباء هو دقيق جدا وأن نسعى جادين للوصول إلى حلول منطقية وسريعة لحل خلافاتنا السياسية والإجتماعية والاقتصادية المتفاقمة قبل أن نبدأ في الغرق في رمال متحركة تقودنا نحو انهيار إقتصادي كلي، وقد يكون في هذا الحال موضوع الكهرباء ومع كل مساوئه أقل كلفة على اقتصادنا الوطني!!.