IMLebanon

فولفسبورج .. مدينة «فولكسفاجن» الثرية تخشى مصير ديترويت

Wolfsburg-Germany
ريتشارد ميلن

عدد قليل من المدن يعتمد على شركة واحدة بقدر فولفسبورج. المدينة التي تقع على بُعد 200 كيلو متر غرب برلين، هي موطن ليس فقط أكبر مصنع سيارات في العالم والمقر الرئيس لشركة فولكسفاجن، ولكن أيضاً ملعب فولكسفاجن، حيث تجري مباريات دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، وبنك فولكسفاجن، وحتى مصنع فولكسفاجن للحوم، الذي يصنع السجق بالكاري، الحائز على جائزة.

يقول خبّاز تركي في شارع بورشيستراسه الرئيس للتسوّق: “فولكسفاجن هي الكل في الكل هنا”.

لكن أخبار فضيحة انبعاثات الديزل في سياراتها ألحقت ضرراً بالغاً بالمدينة، الأمر الذي أثار غضبا واستياء، فضلاً عن مخاوف من عواقب مالية وعلى صعيد التوظيف لكل من شركة صناعة السيارات ومدينة فولفسبورج. حتى إن بعضهم يستذكر تراجع مدينة أخرى تعتمد على السيارات – ديترويت في الولايات المتحدة.

يقول أوفه بيندورف، الذي ولِد ونشأ في فولفسبورج والآن يعمل في شركة تأمين صحي: “أنا أشعر بالقلق. هذا الأمر ليس جيداً بالنسبة لفولفسبورج. مدينة ديترويت تعتبر مثالا سيئا لما يُمكن أن يحدث: انهارت المدينة. والشيء نفسه يُمكن أن يحدث هنا أيضاً”.

مصنع فولكسفاجن المُترامي الأطراف يوظّف نحو 72 ألف شخص في مدينة يبلغ عدد سكانها 120 ألف نسمة فقط. على مساحة تبلغ أكثر من ستة كيلو مترات مربعة – ثلاثة أضعاف حجم إمارة موناكو – يُنتج المصنع 840 ألف سيارة سنوياً، بما في ذلك موديلات جولف وتيجوان وتوران.

بين العاملين، الفضيحة تُهيمن نوعاً ما على المدينة مثل مداخن برج محطة الطاقة في المصنع الذي يطل على فولفسبورج.

يقول أحد العاملين، واصفاً مشاعره عندما سمع الشهر الماضي أن “فولكسفاجن” اعترفت بالغش على نطاق كبير في اختبار انبعاثات أكسيد النيتروجين من المركبات التي تعمل على الديزل: “لقد كانت صدمة، ومن ثم غضب. كيف يُمكن أن يكونوا بهذا الغباء؟”.

ويقول عامل آخر: “الجميع يشعر بالقلق. هل سنستمر في الحصول على مكافآتنا؟ هل ستكون هناك تخفيضات في الوظائف؟ هناك كثير من عدم اليقين”.

خارج بوابات المصنع، عدد قليل من الموظفين يحرص على التحدّث إلى وسائل الإعلام. لكن هذه مدينة حيث فولكسفاجن موجودة في كل مكان، وعامل شركة فولكسفاجن ليس بعيداً أبداً.

تجوّل حول فولفسبورج، وستستمع في أحيان كثيرة على نتف من أحاديث عن شركة صناعة السيارات. امرأة صرخت على شريكها في شارع بورشيستراسه: “فولكسفاجن سيئة، فولفسبورج سيئة، لماذا انتقلنا إلى هنا؟”.

في أحد المطاعم الإيطالية، في مركز المدينة الذي يقع بجوار قسم الحوكمة والمخاطرة والامتثال في “فولكسفاجن”، قال أحد الرجال: “لو كُنتُ ماتياس مولر (الرئيس التنفيذي الجديد لشركة فولكسفاجن) ما سأفعله هو…”.

مدينة فولفسبورج لم تكُن موجودة حتى أواخر الثلاثينيات عندما اختار أدولف هتلر المنطقة السهلية التي تعصف بها الرياح على مسافة 75 كيلو مترا شرق هانوفر موقعا لـ “سيارة الشعب” – ما أصبح في نهاية المطاف فولكسفاجن بيتل (الخنفساء). حتى إن المدينة كانت معروفة باسم “مدينة سيارات KdF” خلال الأعوام القليلة الأولى من وجودها، تم تسميتها على اسم منظمة وقت الفراغ النازية Kraft durch Freude (القوة من خلال الفرح). “بلدة طبقة عاملة ألمانية مثالية”، كانت الطريقة التي وصف بها هتلر مشروعه.

في نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبحت المدينة معروفة باسم فولفسبورج وتم إحياء شركة فولكسفاجن بمساعدة الجيش البريطاني الذي كانت البلدة واقعة ضمن قطاعه من ألمانيا الغربية.

ننتقل الآن إلى الأوقات الحديثة حين أصبحت المدينة في عام 2013 أغنى مدينة من حيث حصة الفرد في ألمانيا بفضل نجاح “فولكسفاجن” ومدفوعات المكافآت الكبيرة للعاملين.

ويُمكن رؤية علامات تأثير “فولكسفاجن” في جميع أنحاء فولفسبورج، من فندق ريتز كارلتون ومطعمها المجاور للمصنع، الحاصل على تصنيف ثلاثة نجوم من ميشيلان، إلى متحف العلوم الذي صمّمته المهندسة المعمارية العراقية البريطانية الحائزة على جوائز، زها حديد.

الآن يبدو أن فترات الطفرة تقترب من نهايتها. فقد أعلن عمدة فولفسبورج عن تجميد الميزانية فيما يتعلّق بعدد من المشاريع، بما في ذلك أماكن وقوف السيارات في المستشفى وتم تأجيل إجراء تحسينات على بركة للسباحة.

ويُعتقد أن ضريبة الشركات من “فولكسفاجن” تُمثّل ما يصل إلى ثُلث ميزانية المدينة ويُتوقّع أن تنخفض بسبب الضرر الذي سيلحق بأرباح الشركة من الغرامات والدعاوى القضائية المحتملة، مع وضع الشركة جانباً منذ فترة 6.5 مليار يورو لمقابلة الفضيحة.

وثمة مصدر قلق محلي آخر يتعلق بفريق كرة القدم في المدينة، VfL فولفسبورج، الذي هُزم أخيرا على يد مانشستر يونايتد في دوري أبطال أوروبا. وعلى الرغم من نفي النادي أن الميزانية يُمكن أن تنخفض، إلا أن الرئيس التنفيذي الجديد لشركة فولكسفاجن قال إنه سينظر في كل استثمار من أجل تنفيذ تخفيضات محتملة، كما يُنظر إلى رعاية فريق كرة القدم – إلى جانب روابط مع بايرن ميونج وإف سي إنجولستادت أيضاً – على أنها عُرضة للخطر.

بيرند أوسترلو، رئيس مجلس الأعمال القوي في “فولكسفاجن”، الهيئة التي تُمثّل الموظفين، بذل أقصى جهده لطمأنة العاملين، قائلاً إن الوظائف ليست في خطر في الوقت الحالي. في خطاب ألقاه يوم الثلاثاء، أضاف: “دفعة مكافأة شهر تشرين الثاني (نوفمبر) سوف تتم بأية حال. نحن لن ندفع ثمن السلوك السيء لمجموعة من المديرين”.

لكن كثيرا من الناس يتشككون في إمكانية تجنب فقدان الوظائف. جونتر فولف، أحد سكان المدينة الذي كان في طريقه لاستلام سيارة فولكسفاجن بيتل بسقف قابل للطي لابنته، يقول إنه يخشى ليس فقط من تخفيضات الوظائف، لكن أيضاً من التداعيات الأوسع: “ستكون هناك عواقب اقتصادية بالنسبة لألمانيا – هذا مصدر قلقي”. ويرى بيندورف “انخفاض مبيعات السيارات وفقدان الوظائف” إحدى النتائج الرئيسة لهذه الفضيحة.

مع ذلك، هناك شعور واسع الانتشار في فولفسبورج مفاده بأن “فولكسفاجن”، رغم جميع مشكلاتها، إلا أنها تتعرض لتصَيُّد غير عادل إلى حد ما. يقول بيندورف: “ما يُغضبني هو أن الأمريكيين يستجوبوننا، ولا يستجوبون بلدا مثل الصين. أنا أعتقد أن الولايات المتحدة تتعمد الضغط علينا”.

عامل في أوتوستادت، الذي يشبه مدينة الملاهي وهو تابع لشركة فولكسفاجن وبُني بتكلفة كبيرة في بداية القرن، يقول: “من الذي يلوّث الهواء في العالم؟ ليس السيارات فقط، إنها خطوط الطيران، والشاحنات الكبيرة، وسُفن الحاويات. هناك الكثير من التلوّث في الولايات المتحدة ولا يبدو أنهم يهتمون للأمر”.

في إشارة إلى فضيحة مفتاح الإشعال في جنرال موتورز العام الماضي، يُضيف بحدة، أن هذا الأمر كان مسؤولاً عن أكثر من 12 حالة وفاة: “على الأقل نحن لم نقتل أحدا”.

في أوتوستادت، بإمكان زبائن “فولكسفاجن” اختيار سياراتهم الجديدة من أبراج زجاجية مُصممة خصيصاً. ليست هناك دلائل تُذكر على أي تقلّب في محبتهم لشركة صناعة السيارات.

روبرت فان دير شير، المالك الهولندي لسيارة باسات “فولكسفاجن” التي تعمل على الديزل، يقول: “لم يخطر على بالي أنهم سيكونون بهذا الغباء. لا بد أنهم ظنوا أنهم سيفلتون من العقاب”. لكن عند سؤاله عما إذا كان سيُغيّر شركة صناعة السيارات بسبب الفضيحة، قال: “فولكسفاجن علامة تجارية جيدة. إنها قوية جداً. بالتأكيد سأشتري سيارة فولكسفاجن مرة أخرى”.

في فولفسبورج الشغل الشاغل هو العواقب الشخصية لقضية صدمت العالم. يقول بيدورف إنه بنى منزله في فولفسبورج قبل خمسة أعوام. “المنزل يعتمد على فولكسفاجن في كل شيء – لا أعرف ما إذا كنت أستطيع بيعه، وكم سأحصل مقابله. هذه الفضيحة ليست جيدة بالنسبة لفولفسبورج”.

ويبدو الخوف واضحا تقريباً بين كبار التنفيذيين في الشركة. يقول أحدهم، مُلخّصاً المزاج: “هناك حالة من الذعر والغضب”.

إلا أن قلة فقط هي التي تعرف مدى تأثير الفضيحة على الشركة، أو العواقب. الطرد المُبكر لمارتن وينتركورن من منصب الرئيس التنفيذي لم يعمل إلا على تكثيف مشاعر التوتر.

يقول أحد المُقرّبين من عدد من كبار التنفيذيين: “هناك حالة خوف كبيرة. الجميع يتساءل عن الشخص المسؤول، وما الذي قد يجده المحامون الآن؟”.

ولطالما شعر كثير من المديرين بالاضطهاد بسبب ثقافة لا مكان فيها للمعارضة العلنية، بحسب عدد من التنفيذيين.

ماتياس مولر، الرئيس التنفيذي الجديد، قال إنه يريد تغيير الثقافة. قال أمام 22 ألف عامل الثلاثاء الماضي: “أنا أتوقع الانفتاح والصدق وأؤيده. يُعجبي الأمر عندما يُظهر أحد العاملين القناعة ويدعم رأيه بحجج جيدة. بالنسبة لي أُرحب بالانتقاد البنّاء على جميع المستويات”.

وعيّنت “فولكسفاجن” “جونز داي”، شركة المحاماة الأمريكية، للتحقيق من خلال البحث في آلاف الرسائل الإلكترونية والوثائق لمعرفة كيف ولماذا أقدمت الشركة على الغش في اختبارات الانبعاثات. وزاد صول محامين من الشركة إلى فولفسبورج من الضغط.

يقول أحد الأشخاص من الطوابق العُليا في المقر الرئيس: “ما يُدركه الناس هنا هو أن هذه قضية قانونية أمريكية الآن. المحامون الأمريكيون هم المسؤولون. وأي شخص يفتح فمه ويُخطئ، سيفقد وظيفته”.