IMLebanon

“الاقتصاد الدائري”.. إكسير الاستدامة

EconomicIndicators3

آسيا آل الشيخ

تخيل لو أن أحد الأشخاص زودك بدراسة تفيد أنك بإجراءات بسيطة قادر على توفير ما يصل إلى 100 ألف وظيفة، وأن تساهم في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري بنسبة، وجذب فرص جديدة للتنمية عوضا عن الاستثمار التقليدي، فهل سيعتبر عاقلا أم مجنونا في وقت تبرز فيه تحديات بيئية واقتصادية كبيرة مترافقة مع الترشيد العالمي في التوظيف وتكدس الخريجين وتهديدات بنضوب الموارد الطبيعية؟!

إذن ما رأيك في تقرير “منتدى الاقتصادي العالمي” و”مؤسسة إلين مكارثر” الذي قدر أن “الاقتصاد الدائري” Circular Economy سيوفر على العالم تريليون دولار بحلول عام 2025، وسيولد 100 ألف وظيفة جديدة خلال خمس سنوات. وما رأيك أيضا في تقرير المفوضية الأوروبية بأن الاقتصاد الدائري سيحد من انبعاثات الكربون في الاتحاد الأوروبي وحدها بما يقارب 450 مليون طن سنويا، وتحقيق منفعة تصل إلى 1.4 تريليون يورو بحلول 2030.

على الرغم من حداثة مفهوم “الاقتصاد الدائري”، كما يبدو، عالميا إلا أن المصطلح ظهر في السبعينيات الميلادية، والذي يسعى “لإعادة بناء رأس المال، سواء كان “ماليا، تصنيعيا، بشريا، اجتماعيا أو طبيعيا”، وتحسين عوائد الموارد من خلال تدوير المنتجات والمكونات والخامات المستخدمة في جميع الأوقات بما يضمن تعزيز التدفق المستمر للمواد التقنية والبيولوجية (السلع) والخدمات” بحسب “مؤسسة إلين مكارثر”.

ولتوضيح المفهوم فإن المنتجات المصنعة تستثمر بإعادة تدويرها في تصنيع منتجات جديدة ذات قيمة وفائدة مماثلة، وهو ما يصب في جوهر الاستدامة، خاصة أن 90 في المائة من المواد الخام المستخدمة في التصنيع تتحول إلى نفايات قبل أن يخرج المنتج من المصانع في حين أن 80 في المائة من المنتجات يتم التخلص منها خلال الأشهر الستة الأولى للاستخدام، بحسب دراسات دولية.

ووفقا لمجلس الجمعية الصينية لبحوث التنمية المستدامة فإن تطوير الاقتصاد المدور في الصين سيسهم في إطلاق سبع صناعات جديدة وهي صناعة البيئة، وإعادة تدوير المخلفات، وتوفير الطاقة وخفض استهلاكها، والطاقة المتجددة، والصحة، والاقتصاد الخدماتي، والتصاميم والتصورات الإبداعية.

بالطبع قد تتساءل الشركات عن فوائد التحول إلى “الاقتصاد الدائري” ومدى تقاطعها مع أعمالها التجارية. والإجابة أن هذه الإيجابيات تتمثل في الإسهام في توفير التكاليف، وجذب مصادر جديدة للدخل، وتعزيز العلاقات مع أصحاب المصالح، والتقليل من آثار الأزمات حال حدوثها، إضافة إلى تعزيز أداور الاستدامة للشركة وتعزيز علامتها التجارية.

مع ذلك فإن الطريق إلى تبني هذه الثقافة ليست مفروشة بالورد، خاصة في دول الخليج، حيث التعاطي مع هذا المفهوم ما زال دون المستوى، وهي مسألة بحاجة إلى معالجة من قبل الجهات المشرعة في أكثر من جانب كتشجيع القطاع الخاص على تبني هذا المفهوم، وسن قوانين جديدة تتماشى مع الاستثمار في “الاقتصاد الدائري”، وتنفيذ المشاريع وفق أطر مناسبة، وتطوير مهارات الأيدي العاملة في هذا المجال، إضافة إلى توجيه نمط الاستهلاك إلى المنتجات المعاد تدويرها.

لعل ما نراه اليوم من تجاذب بين المستهلك من جهة والقطاع الخاص، ممثلا بشركات وطنية عملاقة، من جهة أخرى على وسائل التواصل المختلفة ما هو إلا مثال حي على حاجتنا إلى الخروج بسمات عمل القطاع الخاص لتبني مبدأ الإنتاج وكفاءته، أي بتدوير مخرجاته واستخدام مستلزمات الإنتاج المحلية بما يحقق المصلحة الاقتصادية للوطن. وهنا فرصة كبيرة لوزارة التخطيط للنظر في رسم الدور الذي ترغب فيه من القطاع الخاص ومكافأة من يتبناه من القطاع الخاص.