IMLebanon

المقاربة الشمولية للمدرسة: تجديد لأسس التعليم

Parent-Kids-Teaching-Education
رولا فرحات

في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، وفي ظل التطورات التكنولوجية الهائلة وما يرافقها من تقدم علمي ملحوظ. ما زالت غالبية المدارس اللبنانية تتبع وسائل تعليمية تقليدية، بينما حلقت مدارس أخرى في فضاء التعليم العالي المستند على وسائل تعليمية مبتكرة.

يتفاوت مستوى التعليم بين المدارس الخاصة والرسمية، إلا إنه يتوحد في سمة التلقين الأكاديمي للطلاب. إذ تركز المؤسسات التعليمية على المواد النظرية فقط، بينما تغيب عن المنهج التعليمي المواد التطبيقية. كما تسيطر الذهنية القديمة على المعلمين التي تقوم على تقسيم المعرفة إلى مواد منفصلة (اقتصاد، جغرافيا، علوم، تاريخ،…) وتُجزأ الظواهر لفهمها. ولا يُغفل أيضا أن المدارس تدرس الحقوق والقوانين على الورق فقط، بينما لا تسمح للطلاب المطالبة بهذه الحقوق وغيرها. أما الأمر الذي لا يعي الأهالي أهميته في المدارس اللبنانية، أهمية ودور لجان الأهل التي من شأنها المساهمة في تفاعل الطالب مع محيطه وتقدمه. ويتجلى أخطر ما تشكو منه المدرسة اليوم هو بعدها عن الواقع المعاش وتركيزها على تلقين مواد أكاديمية قلما يرى التلميذ رابطا بينها وبين حياته اليومية.

بغية تجاوز هذه الأطر الضيقة، أوجد مكتب اليونيسكو في بيروت بالتعاون مع اللجنة الوطنية لليونيسكو مفهوم المقاربة الشمولية للمدرسة. والتي تعرف بأنها مقاربة إدارية تشمل المؤسسة برمتها من محتوى التعليم، بيئتي التعلم والعمل، إدراة المدرسة والكادر التعليمي، الطلاب والأهل والمجتمع بأسره. وتعني المقاربة الشمولية بأن الفرق المدرسية (أي المعلمين والمدراء) تعمل كجسم واحد حسب رؤية موحدة للتعليم عبر إشراك جميع الأطراف (الأهل، الطلاب،المعلمين) بهدف دعم التعليم الجيد للجميع. ويُتوقع من الطلاب بعد تطبيق المقاربة الشمولية للمدرسة، الإفادة من التعليم والتعلم التفاعليين؛ المشاركة في القرارات المتعلقة بالتعلم والتقييم؛ والاستمتاع ببيئة تعلم تمكينية وجامعة بما فيها خدمات الدعم المناسبة.

هذا المشروع الذي بدأت به اللجنة الوطنية منذ تأسيس شبكة المدارس المنتسبة لليونيسكومنذ العام 1994 صارت تضم الشبكة اليوم 67 مؤسسة تربوية من مختلف المناطق اللبنانية تتنوع بين الرسمي والخاص. وقد جاء إدخال مفهوم المقاربة الشمولية للمدرسة وتطبيقها في المدارس وفقا لامكانيات كل مدرسة “من أجل ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل لجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع” وفق ما جاء في الهدف الرابع من خطة التنمية المستدامة لجدول أعمال التعليم حتى عام 2030.

إنطلاقا من كل ما تقدم، يقوم مفهوم المقاربة الشمولية للمدرسة على عمل المدراء والمدرسين بتناغم تام باتجاه الدفع قدما بجودة التعليم. ويعتبر المعلمون أساسيون في تيسير تعليم الطلاب. يتشاركون مع باقي الأطراف من أجل إنشاء أرضية مشتركة للعمل بالرغم من الاختلافات المحتملة في أساليب المعلم والمتعلم. لذا، من أجل هذه الأسباب وغيرها تتمتع المدارس التي شرعت باتباع المقاربة الشمولية الشاملة بفرص متقدمة لتحسين نوعية خدماتها، بما فيها جودة نتائج التعليم والدفع باتجاه التطور المهني ضمن المدارس.

تطبيقا لهذه الرؤى المطروحة، نظم مكتب اليونيسكو في بيروت ورشة العمل الثانية لشبكة المدارس المنتسبة لليونيسكو تحت عنوان “جودة التعليم والكفايات المهنية للمعلمين: أهمية “المقاربة الشمولية للمدرسة”. بالتعاون مع اللجنة الوطنية اللبنانية لليونيسكو. شارك في الورشة التي تستمر الى يوم السبت 60 مشاركا. وتهدف هذه الورشة الى مشاركة الخبرات بين المشاركين ورؤيتهم حول مفهوم المقاربة الشمولية وتعريف المدارس بقدراتها لتحسين جودة التعليم وتعزيز التواصل بين المدارس والجمعيات. بحسب ما أفادت المنسقة الوطنية للمدارس في اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو كريستيان جعيتاني في حديثها لـ “المدن”.

وفي دردشة ل”المدن” مع المستشار الدولي ديف بيك وإختصاصية البرامج في مكتب اليونيسكو ببيروت داكامارا جورجيسكو حول مفهوم المقاربة الشمولية في المدارس، قالا أن المشروع بدأ في عام 2013 لتعريف المدارس بهذا المفهوم الجديد. إذ أن عددا منها بدأت بتطبيق هذا المشروع، وهناك مدارس أخرى تراجعت عن تطبيقه لأسباب عديدة، بينما هناك مدارس تسير وفق مفهوم المقاربة الشمولية دون أن تعي ذلك. وعلى سبيل المثال، هي تقوم بوضع الخطط العملية بالتنسيق بين الأقسام وأصحاب الاختصاصات. وهذا ما تداركته بعد مشاركتها بهذه الورشة.

من جهة أخرى، أكد بيك أن التعليم من المهن المعقدة في كل العالم تجمع بين الرسالة والشغف. ففي كل البلدان وليس لبنان وحده، ثمة تحديات حين الشروع ببدء تطبيق مشروع المقاربة الشمولية. إذ يعتمد هذا المشروع على الاساتذة والمعلمين، أحد التحديات يكمن في نمط التدريس عند الاستاذ الذي يريد أن يقدم نظرة شمولية تعليمية للطالب أو نظرة فردية عن المادة الأكاديمية.

في المحصلة، يتسم مشروع المقاربة الشمولية للمدرسة بشمولية الطرح لخطة واستراتيجية تعليمية تقضي بتنمية قدرات المدراء والأساتذة وتنمية مهارات التلامذة في كافة المجالات. الا أن السؤال الذي يقفز الى الذهن هو مدى مرونة المدارس في تقبل استرتيجيات عمل جديدة تقضي بنسف الطرق التعليمية التقليدية المتبعة؟ ومدى توفر الخدمات والسيولة في المدارس الرسمية، لاسيما في ظل تزايد عدد الطلاب بعد انضمام الطلاب من النازحين السوريين اليها؟ أما السؤال الجوهري فهو مدى فعالية هذا المشروع في ظل تفشي الفساد على كل المستويات. وإن كان هذا المشروع يعتمد على الأساتذة باتجاه تعزيز جودة التعليم، ما العمل مع أساتذة دخلوا سلك التعليم من باب “الواسطة” دون حيازتهم للكفاءة المهنية والتعليمية.