IMLebanon

كيف تقيم مشروعاً تجارياً في الهند؟

Delhi-India-Population
فيكرام بارهات

قبل فترة ليست بعيدة، كان يعرف عن الهند أنها بلاد الزهد، ورجال الدين الذين يرتدون ملابس ملطخة بالرماد، وسحرة الثعابين، والغرائب الثقافية الأخرى. كان كل ذلك جزءاً من الصورة الجماعية للأمة.
أما اليوم، فالهند بعيدةٌ كل البعد عن تلك الصور النمطية. يأتي ترتيب الهند بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين كثالث أكبر اقتصاد في العالم. ويعود الفضل في انطلاقة الهند السريعة إلى التحول الملحوظ في ثروات البلاد الاقتصادية.

مرت معظم بلدان العالم الصناعية بفترة نمو ضعيفة. في تلك الأثناء، نما الناتج المحلي الإجمالي للهند بشكل مذهل في عام 2014 بنسبة 7.2 في المئة، وذلك في ظل حكومة رئيس الوزراء “ناريندرا مودي”، التي تركز على الإصلاح.
وفيما عدا التوتر الأخير في سوق الأسهم، فقد توقع البنك الدولي نمواً للناتج المحلي الإجمالي للهند بنسبة 7.5 في المئة في عام 2015. إن المحرك الرئيسي للاقتصاد الهندي هو ما يُدعى “عوائد التركيبة السكانية”: إذ يقع ما يقرب من ثلثي سكان الهند، أي نحو 1.2 مليار نسمة، تحت سن 35، مما يجعلها واحداً من أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم.
لذا، ليس من المستغرب أن يجذب ذلك البلد اهتمام شركات من جميع أنحاء العالم، والتي تتوق إلى الوصول إلى هذا العدد الكبير من العملاء الجدد.

يقول دروف راترا، المدير التنفيذي لشركة “أنغليان أوميغا نيتورك”، المقيم في سان فرانسيسكو الأمريكية: “تظهر الهند توازناً جيداً ما بين اقتصاد سريع النمو وآخر يتصف بانفتاحه وشفافيته النسبية.”
وتتكون تلك الشركة من مجموعة شركات مقرها الرئيسي في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وتتضمن مشاريعها التجارية في الهند مجالات كثيرة تمتد من شركات مستحضرات التجميل إلى السلع الاستهلاكية الأخرى.
يضيف راترا: “مع تباطؤ التجارة في الصين ووضعها حواجز متعددة للدخول إلى سوقها، والركود الذي تعاني منه أوروبا، هناك القليل جداً من بلدان العالم التي توفر فرصاً مثلما توفر الهند.”
إن شركات عملاقة مثل أمازون وستاربكس وأوبر، وفوكسكون، وحتى المرشح للرئاسة الأمريكية “دونالد ترامب” قد وسعوا نطاق أعمالهم لتصل إلى الهند. وحسبما يضيف راترا: “ذلك يدعم آراءنا وقراراتنا بأننا بدأنا أعمالنا في هذا البلد.”
ليس هناك أدنى شك من وجود فرص استثمار وفيرة في الهند، لكنها تواجه بالطبع عقبات تتمثل في قواعد وأنظمة مبهمة.
يقول المهتمون بالتجارة والأعمال، ممن وجدوا سبيلهم إلى النجاح هناك، إن الأمر يتطلب أكثر من مجرد الصبر الطويل للمرور بالاجراءات المطلوبة.

الرشوة

عانت الهند لوقت طويل من الفساد المستشري، والذي لا يزال مشكلة قائمة. قد يكون طلب الرشوة هناك علنياً أو ضمنياً، ويتراوح ما بين عمولات صغيرة تُسمى “البقشيش” إلى “تبرعات” الشركات الكبرى ـ وهي وسائل شائعة لتسهيل حركة الثروات في التجارة والأعمال في الهندـ ولكنها يمكن أن تؤدي إلى إصابة الأجانب بإحباط وبسرعة.
فلا يزال تصنيف الهند في المرتبة رقم 85، من بين 175بلداً، على قائمة “مؤشر الفساد” الذي تنشره مؤسسة الشفافية الدولية.

الفساد أو الكسب غير المشروع هو واقع يتوجب على رجال الأعمال الأجانب أن يقبلوا بوجوده، ولكن دون أن يستسلموا له. ذلك ما يقوله ستيفن ماناليك، المدير في شركة “إيست ويست أكاديمي المحدودة”، والمقيم في مدينة ملبورن الاسترالية، والذي تقدم شركته خدمات استشارية تجارية واستثمارية عبرالحدود، وخاصة في الهند.
يقول ماناليك: “إن مشكلة الفساد حقيقة واضحة يتم تجاهلها دون إيجاد حل لها. استمرت هذه المشكلة لفترة طويلة جداً وينفر الكثيرون من مناقشتها”. وماناليك هو مؤلف كتاب “ركوب الفيل ـ ممارسة أنشطة الأعمال في الهند”.
“بول شوتينبيلت” مواطن هولندي يدير أكاديمية “الشباب لكرة القدم الدولية”، وهي أكاديمية لتدريب كرة القدم إضافة إلى إدارة “رابطة شباب دلهي”. يقول شوتينبيلت إن الناس لن يطلبوا منك رشوة، لكن ذلك يعني أن الأمور لن تتقدم إلى الأمام في بعض الأحيان. ويضيف: “من الواضح أن الكثيرين من الوسطاء والعاملين على صيانة أرض الملعب لن يعملوا إن لم تدفع لهم، أو تعطيهم شيئاً.”

جبل من الاستمارات

على الأجانب الذين يريدون البدء في مشاريع تجارية في الهند “ألا ينسوا أن الاستمارات والوقت المستغرق لإنهاء المعاملات لا يزال مملاً بعض الشيء، حتى بالنسبة للهنود الذين هم على دراية بنظامهم”، حسبما يقول راترا.
لتسجيل شركة بشكل رسمي، يستغرق الأمر 30 يوماً في المتوسط. ذلك بطيء جداً بالنسبة لرجال الأعمال الذين تعودوا على إجراءات سريعة في كندا مثلا (في خمسة أيام)، أو أستراليا (في يومين ونصف).
ذلك ما لاقاه بنفسه المغترب البريطاني “فيكاس فيج” عندما أسس شركته “ذا آيديز إيكستشينج”، لإدارة الأنشطة التجارية والأعمال في مدينة مومباي.
يقول “فيج”، المقيم في الهند منذ عام 2008: “إن إجراءات تسجيل شركة لدى السلطات المختصة، وجعلها مسجلة لدى خدمة الضرائب من أجل تركيب أنظمة الهواتف والإنترنت، ليست سهلة وموثوقة كما هي في المملكة المتحدة”.
وقوبل تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الهند بعوائق معتادة منذ زمن طويل بسبب نظام معقد من اللوائح والأنظمة الغامضة.
يعتقد رجل الأعمال الكندي “سونيت سينغ تولي” أنه يمكن عمل الكثير. كما يطالب حكومة “مودي” بأن توفي، بشكل أسرع، بوعودها المشجعة للتجارة والأعمال. يشير “تولي” أنه ينبغي على الحكومة معالجة النواقص فيما يخص الضرائب لتشجيع النشاط الصناعي.

ويشغل “تولي” منصب الرئيس والمدير التنفيذي لشركة “داتا ويند” الكندية للمصنوعات التقنية والتي تختص بصناعة أجهزة رقمية منخفضة التكاليف، مثل الحواسب اللوحية والهواتف الذكية، ولها نشاطات في الهند.
يقول “تولي”: “شفافية أكثر وحكومة إلكترونية جيدة، وقوانين صارمة ضد الكسب غير المشروع (الفساد)… يمكن لهذه الأمور أن تؤدي الى الإسراع باتخاذ قرارات منهجية في الامتلاك.”

قوانين الضرائب

ناشدت الهند رجال الأعمال الأجانب للاستثمار فيها، ولكن قليلاً من الأمور أضرت بهذه المناشدة أكثر من قوانين الضرائب المرهقة. يقول منتقدو السياسة الضريبية إنه بالإضافة إلى كونها غير متوازنة مع المعايير العالمية، فهي قاسية بشكل مفرط وتصل في بعض الحالات إلى إرهاب ضريبي.
وللهند نزاعات مع الفروع المحلية للشركات الأجنبية، حظي الكثير منها بتغطية إعلامية مكثفة ـ مثل شركات فودافون، ونوكيا، ونسليه مؤخرا، على سبيل المثال لا الحصر. وقد اجتذبت هذه النزاعات اهتمام وسائل الإعلام ومراقبة دقيقة من أنحاء العالم.
“السلبيات في هيكل الضرائب، وخاصة فيما يتعلق باستيراد السلع النهائية مقابل أجزاء ومكونات السلع، هي عقبة كبيرة”، حسبما يقول “تولي”. ويضيف موضحاً أن مجموعة كبيرة من قوانين الضرائب في عدة ولايات هندية يمكنها أن تعرقل رجال الأعمال الذين تعودوا على لوائح وأنظمة أكثر اتساقاً في أوطانهم.

بناء وتوطيد العلاقات

إن سوء الفهم الثقافي يلعب دوره في كل حالة تقريباً من حالات الفشل التجاري الدولي. ذلك هو رأي “ماناليك”، حيث يضع هذا السبب على رأس قائمة التحديات، حسب رأيه.
يقول ماناليك: “لا يهتم الكثيرون من رجال الأعمال الغربيون بالاطلاع على الثقافة الهندية. ولأن الهنود مهذبون ومجاملون، يعتقد الغربيون أن الهنود قد تكيفوا معهم. وعندما لا يحدث أي تطور، يستغربون من السبب.”

يركز المجتمع الهندي بشدة على العلاقات. ويمكننا القوا إن الهند تتكون- بشكل أكثر تعقيدا- من عدة بلدان داخل بلد واحد.
يقول راترا: “تشمل الهند مجموعات متنوعة للغاية من الناس الذين تحددهم أمور مثل تاريخهم ولغاتهم وأديانهم وطوائفهم وتربيتهم. إنها مسألة معقدة يصعب تفهمها من قبل معظم الناس الآتين من الخارج.”
أثناء تأسيس أكاديميته لكرة القدم في الهند، واجه “شوتينبيلت” عقبات ثقافية لعبت في كثير من الأحيان دوراً في إفشال ما بدا وكأنه ظروف مثالية لعقد صفقة ما.
يقول: “بعد بضعة اجتماعات، كنت أقترب من الاتفاق مع كبار المسؤولين في الشركة، وأغادر تلك الاجتماعات معتقداً أني حصلت على الصفقة. في نهاية المطاف، لم أكن أحصل على أية نتيجة.”

مشكلة المواصلات

كان هناك تدفق في عروض تحسين البنية التحتية المهترئة في الهند. إن أكثر الإصلاحات التي أجريت على هذه البنية التحتية لم تتجاوز عدد قليل من المدن الكبرى ـ مومباي، ودلهي، وتشيناي، وكلكتا، وبنغالور، وحيدرآباد.
مقارنة بمنافستها، الصين، هناك مجال رحب لتحسين البنية التحتية في الهند، كما يرى “تولي”، الذي يدير أعمالاً في كلا البلدين.
للهند 1300 كيلومتر فقط من الطرق السريعة مقارنة بـ77 ألف في الولايات المتحدة الأمريكية و112 ألف في الصين. لا توجد في الهند أية قطارات فائقة السرعة، ومعدل سرعة معظمها هو أقل من 100كيلومتر في الساعة، بينما توجد في الصين أكبر شبكة في العالم للسكك الحديدية فائقة السرعة.
نقص الماء وانقطاع التيار الكهربائي أمور شائعة الحصول في الهند، ولا زالت العديد من موانيء البلد تعتمد على العمل اليدوي لنقل البضائع والحمولات.

توظيف العاملين الماهرين

توجد فجوة هائلة في سوق المهنيين الماهرين. وفي الوقت الذي يوجد فيه 487 مليون من العاملين في الهند، فإن أكثر من ثلثي أصحاب الأعمال الهنود يلاقون مشقة في إيجاد عاملين مناسبين لتوظيفهم.
“من خلال تجربتي الشخصية، أرى أن التحدي الجوهري الذي نواجهه جميعاً، بخلاف الرأي العام الدولي، يكمن في صعوبة الحصول على أصحاب المواهب والمهارات الملائمين لتشغيل وتوسيع نطاق الأعمال التجارية،” ذلك ما قاله “فيجي”، مضيفاً: “في كل سنة، تظل المراكز الوظيفية شاغرة بسبب عدم تطابق المهارات والمواهب معها.”

يُعزى السبب في النقص الحالي للعاملين القادرين على التوظيف في الهند إلى حقيقة أن نسبة 2.3 في المئة فقط من القوى العاملة في الهند قد تلقت تدريباً رسمياً على مهارات العمل. وبالمقارنة، تصل النسب في بلدان أخرى إلى 68 في المئة في المملكة المتحدة، و75 في المئة في ألمانيا و 52 في المئة في الولايات المتحدة الأمريكية.

الصمود

غالباً ما فكر “فيجي”، في معظم فترة السنوات الخمس التي قضاها في ممارسة النشاط التجاري في الهند، بالاستسلام والعودة إلى المملكة المتحدة. لكنه قرر الصمود والتحمل لنيل الفرصة، ولخلق توازن أفضل ما بين الحياة والعمل.
لقد أثمر قراره في نهاية المطاف، ويقول: “أصبح معرضنا التجاري، “بروفيشنال بيوتي”، المتجر الرائد في السوق في المنطقة، على الرغم من العقبات والمعارك العديدة”، حسب تعبيره.
ويضيف: “عزز هذا من اعتقادي بقيمة المثابرة عند الشدائد. حتى أننا ننظم الآن ذلك النشاط التجاري في أربع مدن في أنحاء الهند. وفي العام القادم، سنقيمه في سريلانكا.”
ويضيف “فيجي” أن مفتاح استمرار التجارة والأعمال في الهند هو في حلقات سلسلة قوية من الصبر، ومقاومة الهزيمة، سواء أمام الأشخاص أو أمام النهج العام المتبع في البلاد، ويقول: “منحتني الهند الخبرة والتجربة كي أنجح في أي مكان من العالم.”