IMLebanon

وما أدراك ما القرض المعجل؟

loan-in-uae-application

عبد الحميد العمري

إنه القرض الذي توصل صندوق التنمية العقارية إلى الاتفاق عليه مع القطاع البنكي، ليتولى الأخير تقديم القروض العقارية للمنتظرين على قوائم الانتظار لدى الصندوق، ويتخلص من ثم من الانتظار عدة أعوام حتى يأتي موعد تسلمه. وتقسم آلية منح القرض المعجل المستفيدين إلى ثلاثة شرائح؛ الأولى: فترة سداد 15 سنة
لمن دخلهم أقل من 15 ألف ريال شهريا (قيمة القسط الشهري 2777 ريالا). الثانية: فترة سداد عشر سنوات لمن يراوح دخلهم الشهري بين أكثر من 15 ألف ريال وأقل من 25 ألف ريال شهريا (قيمة القسط الشهري 4166 ريالا). الثالثة: فترة سداد خمس سنوات لمن دخلهم الشهري أعلى من 25 ألف ريال شهريا (قيمة القسط الشهري 8333 ريالا).

يتحمل المقترض سداد أصل القرض (500 ألف ريال)، والصندوق يسدد الفوائد، وبعد أن تنتهي فترة سداد المقترض للبنك أصل القرض، يدخل مرة أخرى في فترة سداد أخرى للصندوق، يقوم خلالها بسداد الفوائد المستحقة عليه التي سبق للصندوق أن قام بسدادها للبنك. ووفقا لهذه الآلية؛ فإن الشرائح الأدنى دخلا تتحمل فوائد أكبر من تلك التي يتحملها أصحاب الدخول الأعلى. أخيرا وليس آخر، بينت الاتفاقية إمكانية حصول المقترض على تمويل إضافي من البنك الذي منحه القرض المعجل.

هل ما تقدم ذكره حول القرض المعجل حل يخدم المجتمع؟ والأهم من ذلك؛ هل يسهم في حل أزمة الإسكان؟ لنمضي في قراءة التفاصيل وتحليلها، ومن ثم سنعلم الإجابات، وهل هناك ما نخشاه أن يكون في ظاهر هذا (القرض المعجل) النعيم، وفي باطنه العذاب أم لا؟! بناء عليه؛ أبدأ في القراءة التحليلية لهذا النوع الجديد من القروض، وفقا لما أظهرته البيانات الرسمية وتطورات السوق العقارية المحلية لعدد من الحقائق، التي لا يمكن تجاهلها، ولا حتى الهروب من مواجهتها، وهي كما يلي:

أولا: أن تضخم أسعار الأراضي والعقارات قد وصل إلى ذروته القصوى، ووفقا لما سيأتي إيضاحه من حقائق، فلا يوجد أية فرصة تدعم ارتفاعها أكثر مما وصلت إليه، مهما جاهدت العديد من الجهات لأجل الدفع بها إلى الارتفاع، ومنها هذه الهرولة نحو زيادة وتنويع وتسهيل خيارات التمويل والإقراض.

ثانيا: أن زيادة قدرة الاقتراض على الأفراد قد وصلت أيضا بدورها إلى ذروتها القصوى، حيث تشير البيانات المتعلقة بحجم القروض عليهم أنها قد تجاوزت نسبة 90 في المائة من إجمالي المواطنين العاملين، والنسبة المتبقية تتشكل من الأفراد مرتفعي الدخل الذين ليسوا في حاجة إلى الاقتراض، ويتملكون أيضا مساكنهم. وبالنظر إلى الرصيد التراكمي للقروض على الأفراد حتى تاريخه، فقد ارتفع مجموعها حتى منتصف العام الجاري إلى نحو 933.0 مليار ريال (56.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي 2015)، وتشكلت من مجموع القروض المصرفية الاستهلاكية والعقارية وبطاقات الائتمان، وقروض صندوق التنمية العقارية والبنك السعودي للتسليف والادخار، وقروض شركات التقسيط والتمويل خارج القطاع المصرفي (قروض الظل المصرفي).

ثالثا: قدر صندوق التنمية العقارية أعداد المستفيدين المحتملين من القرض المعجل بنحو 300 ألف مقترض، ويعني هذا أن تم فعليا مع الأخذ في الاعتبار صعوبة تحققه بناء على ما تم إيضاحه أعلاه، أن حجم القروض زائد فوائدها المحتمل تكونها عند معدل فائدة تقريبي 3.0 في المائة، أن تصل إلى نحو 217.5 مليار ريال، وبإضافتها إلى الرصيد التراكمي للقروض المشار إليه أعلاه، فإن الرقم سيرتفع إلى 1.2 تريليون ريال! هذا بالطبع مع استبعاد إمكانية حصول المقترض على تمويل إضافي من البنك الذي منحه القرض المعجل، حسبما أوضحت الاتفاقية.

حسنا؛ إذا كانت الحال كما يتبين أعلاه، وفقا للبيانات الرسمية المثبتة على ما هي عليه، فما المتوقع حدوثه في ظل هذا المتغير الجديد ممثلا في القرض المعجل؟! لا أحد يعلم على الإطلاق، هل وزارة الإسكان ومعها صندوق التنمية العقارية يدركان فعلا حقيقة أزمة الإسكان وأسبابها أم لا؟ على أن ما يصدر عنهما طوال الفترة الأخيرة من تصريحات وبيانات وقرارات يؤكدان بما لا يدع مجالا للشك، أنهما كما يبدو بعيدان كل البعد عن حقيقة أسباب الأزمة الإسكانية في البلاد. فعلى الرغم من كل تلك الحقائق المشار إليها أعلاه، ويُضاف إليها الآن وجود أكثر من 1.0 مليون وحدة سكنية شاغرة، يفاجأ الجميع بإعلان وزارة الإسكان عن الحاجة إلى إنشاء 1.5 مليون وحدة سكنية، والصندوق يعلن من وقت لآخر نجاحه في زيادة خيارات القروض والتمويل! فعجبا وأي عجب مما صدر ولا يزال يصدر عن هذين الجهازين المعنيين بمعالجة واحدة من أخطر التحديات التنموية في الوقت الراهن!

أجيب الآن على السؤال: ما المتوقع حدوثه قريبا وفي المستقبل القريب؟ فأقول؛ في غياب إعلان آليات حازمة للرسوم على الأراضي، مشددا على كلمة (حازمة) هنا، فلا تأتي آليات الرسوم فضفاضة متساهلة استثناءاتها أكثر من تطبيقاتها، وكأن لم نطبقها، أؤكد أننا تحت هذه الأوضاع، المتمثلة في: (1) عجز المواطنين عن شراء الأراضي والمساكن لارتفاع أسعارها السوقية. (2) عجز المواطنين عن زيادة دخولهم الثابتة وقدرتهم على الاقتراض والحصول على التمويل البنكي. (3) تعنت تجار الأراضي والعقارات عن البيع بالأسعار الحقيقية الملائمة لقدرة المواطنين، وزيادته إثر ما يشاهدونه من هرولة وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية، جيروها لمصالحهم. (4) تعنت ملاك العقارات المؤجرة بعدم خفض تكلفة الإيجارات، شجعهم في هذا الاتجاه غياب أية إجراءات أو قرارات جادة تحد من جشعهم. فإن النتيجة النهائية هنا تبين أن الوضع المتأزم لتحديات الإسكان سيتفاقم أكثر مما سبق، وستبقى حالة الفراغ من حلول حقيقية (هنا أهمها البدء في تطبيق الرسوم على الأراضي) آخذة في الاتساع.

فعلى الرغم من استبعاد ارتفاع الأسعار أكثر مما هي عليه الآن، لغياب أية محفزات تدفع بها للارتفاع، فهي أقرب للثبات عند مستوياتها الشاهقة يدعمها في ذلك أمران رئيسان؛ الأمر الأول: الدعم الكبير الذي تتلقاه من التوجهات والقرارات الأخيرة الصادرة عن كل من وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية، كونها تتركز على استنزاف المواطن حتى آخر ريال في دخله المتدني في الأصل (جانب الطلب). الأمر الثاني: الغياب التام لأية قرارات أو إجراءات تحد من أشكال احتكار الأراضي داخل المدن، وتحارب المضاربات المحمومة على الجزء اليسير المتاح منها للتداول، وبالطبع فإن الغائب الأكبر هنا هو الرسوم الشاملة والحازمة على الأراضي البيضاء (جانب العرض).

ستبقى البلاد والعباد عالقين في الحلقة المفرغة لأزمة الإسكان، إلى أن نرى تغيرا حقيقيا على جانب العرض، فهل يطول هذا الانتظار؟ أم أن إعلان آليات الرسوم بالاشتراطات اللازم توافرها فيها قد يأتي مبكرا، لينقذ مقدراتنا من التوغل أكثر في وحل هذه الأزمة المفتعلة بسبب الاحتكار أكثر من أي سبب آخر لا وزن له يذكر! والله ولي التوفيق.