IMLebanon

معلمو “الخاص” في الشمال .. الحلقة الأضعف

school
بشير مصطفى

لا يختلف إثنان على إنتشار ظاهرة الإستغلال في أوساط القوى العاملة في لبنان. وفي ظل المواسم المطلبية غفل كثيرون عن شريحة المعلمين في بعض المدارس الخاصة، والذين يوضعون أمام خيار صعب بين التنازل عن حقوقهم أو البقاء في المنزل. وأشكال الإستغلال متنوعة، ولعل أبرزها الأجور الزهيدة التي تقل كثيراً عن الحد الأدنى. وللوقوف على الكثير من معاناة الأساتذة في هذا القطاع، خرج البعض عن صمته، ليعرض لـ “المدن” سلسلة من الانتهاكات القانونية والأخلاقية، لكن بأسماء مستعارة، حفاظاً على ما تيسّر من لقمة عيش.

منى، معلمة حائزة على ماجستير في علم الإجتماع وتدرّس التاريخ والجغرافيا والتربية في مدرسة في قضاء الضنية، وتتقاضى 300 ألف ليرة، وتقول أن “المدير جعلني مثالاً لباقي المعلمات، فكلما طالبته إحداهن بزيادة الراتب، يقول لها فلانة معها ماجستير وتتقاضى هذا الراتب”، والقضية عينها تتكرر مع رنا، معلمة اللغة الفرنسية.
في السياق عينه، تقوم بعض المعاهد بالإمتناع عن تحديد أجر ثابت لحمَلة الإجازات، من الاساتذة الجدد، وتشير المعلمة رنا إلى أن رب العمل يعطينا بدل نقل فقط، ويعدنا بأنه في السنوات التالية سيصبح لنا أجرٌ ثابتٌ. الا ان ما يجري يشكل مخالفة للحد الأدنى المحدد للأجر الشهري، والذي لايصح التنازل عنه، والبالغ 675 ألف ليرة. والى جانب أزمة الأجر، تأتي ازمة الزيادات السنوية، وهذه، بحسب سَمَر، تصل الى “5000 ليرة، لقاء تدريس لمدة 20 سنة”.
ويتدرج سلم حرمان الأساتذة من حقوقهم إلى عدم التسجيل في الضمان الإجتماعي، وبالتالي الحرمان من تعويض نهاية الخدمة. ويروي الأستاذ جمال الذي كان يعمل ناظراً وأستاذاً، كيف انه أُبلغ لدى مطالبته بتعويض صرف، ان هناك اساتذة أقدم منه في المهنة، خرجوا من التعليم من دون اي تعويض.

وتبرز في هذا المجال مشكلة المدارس الخاصة المجانية وشبه المجانية والتي تغطي وزارة التربية جزءا كبيرا من نفقاتها وأقساط طلابها. فغالبية هذه المدارس لا تعطي الاساتذة حقوقهم، بالرغم من أنها “تعيش” من دعم الدولة. وكانت ندى، إحدى ضحايا هذه المدارس، حيث صرفت بعد خدمة لمدة 16 سنة، من دون تعويض. علماً ان عدم دفع اي تعويضات، يترافق مع إلزام المعلمين بتوقيع اوراق تفيد بانهم يتلقون رواتب اعلى من تلك التي يحصلون عليها فعلياً، وذلك لزيادة نسبة الافادة من مساعدات الدولة. وأكثر من ذلك، يعمد بعض المدراء إلى تهديد الاساتذة اللبنانيين بإستقدام اساتذة سوريين، مستفيدين من انخفاض أجورهم. فيكون كل استاذ يفكر بالمطالبة بزيادة الراتب، أمام تهديد مباشر بخسارة وظيفته.

المطالبة بالحقوق

إحدى المعلمات صرفت من الخدمة وتجرأت على رفع دعوى للمطالبة بتعويضاتها، وبعد صدور الحكم، إستعان المدير بكافة وسائل الضغط، معها ومع أهلها، لإجبارها على القبول بتسوية تتنازل بموجبها عن القسم الأكبر من التعويض.
لكن بمجرد رفع الدعوى، فُتح الباب أمام مقاضاة العديد من المدارس، لكن في المقابل، اتجه بعض المدارس إلى إلزام المدرسين في كل عام على توقيع إبراء ذمة، لقاء التنازل عن التعويضات والضمان وذلك كشرط لتجديد العقد ومنح شهادة الخبرة.

في الوقت نفسه، يفسح ضعف تفتيش الضمان الاجتماعي ووزارة العمل في المجال أمام أرباب العمل للتهرب من إلتزاماتهم، ويفاقم الشغور في مركز الضمان في طرابلس تباطؤ العمل، اذ هناك في قسم التفتيش بالمركز ثلاثة موظفين فقط.
أما نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة فحفوض فيحمل وزارة التربية جزءاً من المسؤولية، متسائلاً “أين وزارة التربية من تطبيق القوانين؟”، مشككاً في نزاهة المفتشين الذين يذهبون إلى المدارس لأن “صاحب المدرسة يعزم المفتش على الغداء ليغطي عليه”.

ويتحدث محفوض عن ضرورة وعي المعلم لحقوقه وتقديم شكوى لكي تؤازره النقابة، “فعند مخالفة المدرسة للقانون لا يمكننا فعل شيء إلا عند مطالبة المعلمة بحقها برفع دعوى وإنذار المدير”، مستشهداً بحادثة “حصلت مع معلمة في بلدة تكريت في عكار كانت تتقاضى 300 ألف ليرة طوال 13 سنة، وعندما رفعت دعوى، حكمت المحكمة بمبلغ كبير جداً، فجاءنا المدير يطالبنا بالقيام بتسوية”، فكان الجواب بحسب محفوض: “صرلك عشرين سنة عم تسرقن وهيدا حقن”.
ويدعو محفوض الأساتذة إلى عدم توقيع إبراء الذمة فهو “كارثة كبرى” لأنه يحرم الأستاذ من حقوقه.
ولا يعفي محفوض من المسؤولية المعلمات اللواتي دفعتهن البطالة وقلة فرص العمل لتقديم التنازلات، قائلاً: “عندما تسأل معلمة عن سبب قبولها بأقل من حقوقها، ترد بأنه أفضل من أخذ المصروف من أبيها. والتسلية هي تبرير جاهز أو أنهم يكتسبون خبرة”، منتقداً أصحاب المدارس الذين “يعتبرون المدرسة مشروعاً تجارياً، وليس مشروعاً تربويا”.
وعند تلقي وزارة التربية شكوى ضد إحدى المدارس، تقوم الوزارة، بحسب مصادر تربوية، بتكليف أحد مفتشي الدائرة التربوية في المنطقة التي تقع ضمن نطاقها المدرسة المدعى عليها، بهدف إجراء تحقيق في صحة ما تضمنته الشكوى من إدعاءات، وعند التأكد من صحة الإدعاءات يعود للوزارة إتخاذ الإجراءات العقابية بحق المدرسة لمنع الإستغلال الحاصل.