IMLebanon

حكومة سلام تنتظر الإنضمام إلى مائدة الفراغ!

Serail-Ministerial-Council.

 

كتب نقولا ناصيف من “الأخبار”: الى ان يتخذ الرئيس تمام سلام قراراً يحدد مصير حكومته بالابقاء عليها او استقالتها، لا يقل الجدل الدستوري حيال مآل خطوة التنحي اهمية عن السجال السياسي. كلاهما يدقان سلفا ناقوس فوضى وشيكة ما ان تقع الاستقالة هذه

قد يكون في محله اعتقاد رئيس الحكومة تمام سلام بأن استقالة الحكومة اقل ضرراً من بقائها عاجزة عن الحكم وممارسة الصلاحيات واتخاذ القرارات، والاجتماع حتى. وقد يكون في محله ايضا يقينه من ان الاجتهاد في قراءة نصوص دستورية يسهّل ايجاد المخارج عندما تتوافر التسوية. وقد جرّب بعض ذلك الاجتهاد عند وضع المادة 62 من الدستور موضع التطبيق في حكومته فور شغور رئاسة الجمهورية وتوليها صلاحيات الرئيس عبر آلية ـ يسميها سلام مقاربة ـ ممارسة الصلاحيات تلك سواء في اتخاذ القرارات او اصدار المراسيم.

الا ان المشكلة تصبح جسيمة تماماً اذ توصد ابواب التفاهم السياسي داخل الحكومة وتوقعها في العجز وتعطيل اجتماعات مجلس الوزراء ومنعه من اتخاذ القرارات.

تحت وطأة تمييزه الحجج الدستورية والقانونية عن المبررات السياسية، يعبر رئيس الحكومة مرحلة قاتمة تضعه امام خيارات شتى ليس بينها اي استثناء من اي نوع.

لم يقل بعد انه سيستقيل او يوشك على الاستقالة. لكن احدا لم يسمع منه انه قادر على الاستمرار طويلا على نحو كهذا.

مع ذلك، فان استقالة محتملة لسلام، في ظل الشغور، تضع البلاد في واقع غامض، في النصوص والممارسة، حيال سبل ايجاد المخارج التالية. وقد يتعذر العثور على طريقة ملء شغور حكومة نيط بها بعد ثلاثة اشهر من تأليفها ملء شغور رئاسة الجمهورية.

من دون رئيس للجمهورية لا مرجع دستورياً صالحاً لتسلّم الاستقالة من رئيسها. من دونه ليس لأحد ان يقبل الاستقالة او يرفضها. من دون موافقته لا يسع الحكومة المستقيلة مباشرة تصريف الاعمال. من دونه ايضاً لا يمكن اجراء استشارات نيابية ملزمة وتأليف حكومة تخلفها. بذلك تحمل اي استقالة محتملة لسلام البلاد الى مائدة الفراغ الشامل.

اذا استقال سلام حقاً ـ وهو قرار يظل مستبعداً موقتاً على الاقل ما دام ثمة شركاء اقليميون اساسيون للرجل فيه ـ تكون قد تكررت تجربة الفراغ الشامل التي عرفها لبنان لمرة اولى، لا سابقة لها في تاريخه منذ الاستقلال، هي توالي الاحداث عام 1988 على اثر انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل، ثم استكملت على امتداد 13 شهراً و13 يوماً تماماً.

بعد الشغور الرئاسي في ايلول 1988، انقسمت البلاد الى حكومتين احداهما دستورية برئاسة الرئيس ميشال عون والاخرى واقعية برئاسة الرئيس سليم الحص، شغرت رئاسة مجلس النواب في تشرين الاول مع تعذر تجديد انتخاب الرئيس حسين الحسيني لها وكذلك هيئة مكتب المجلس فأضحى البرلمان بدوره بلا رأس اضف تشتته بين «قصر منصور» وساحة النجمة من دون ان يلتئم في اي منهما فشُلّ. في الشهر الذي تلا، تشرين الثاني، انقسم الجيش بين الوية يقودها من اليرزة عون والوية المناطق الغربية يقودها من الرملة البيضاء اللواء سامي الخطيب. الى ان اكتملت الفوضى بمرسوم عون فجر 5 تشرين الثاني 1989 بحل مجلس النواب.

هكذا استسلمت البلاد للفوضى الكاملة في ظل حرب مشتعلة في طول البلاد وعرضها، بين فريقي النزاع الدستوري مقدار ما كانت بين الوية الجيش الواحد، وبين المسيحيين والجيش السوري.

من دون اتفاق الطائف لم يكن في الامكان اعادة انبثاق شرعية دستورية لبلد منقسم على نحو غير مسبوق في كل الاتجاه: في الرئاسة والحكومة والبرلمان والمؤسسة العسكرية. اعادت تسوية الطائف، معوّلة على دعمين عربي وغربي، تشريع المؤسسات: اهمال قرار الحل وانتخاب الحسيني رئيساً للمجلس اولاً كي تتكوّن السلطة المشترعة، ثم التصويت سياسياً على وثيقة التسوية، ثم انتخاب الرئيس توطئة لتأليف حكومة جديدة.

عاما 2007 و2008 تكرر المشهد على نحو مصغر: لا رئيس للجمهورية، حكومة مطعون في دستوريتها لاستقالة وزراء طائفة رئيسية، مجلس النواب موصد الابواب، فلتان في الشارع نجم من احداث 7 ايار جعلت الجيش يفصل بين مهاجِمين ومهاجَمين رغم محاولة فريق التلويح بشق المؤسسة العسكرية وعصيان عسكريين سنّة في صفوفه. هكذا كرّت سبحة الفوضى على نحو ذكّر بما حدث قبل عقدين من الزمن، الى ان اعاد اتفاق الدوحة تكوين الشرعية الدستورية بانتخاب رئيس وتأليف حكومة وحدة وطنية جديدة، لا تزال الكلفة المذهبية لما حصل حينذاك تستوفى بطريقة او اخرى.

كانت تلك ايضا كلفة سابقة تعذّر انتخاب خلف للجميل، فتهاوت المؤسسات الدستورية تباعاً. قد لا يكون الفارق مؤثراً للغاية اليوم، كأن يقال ان البلاد الآن في ظل اتفاق الطائف، او كأن تكون هذه الحجة مبرراً لعدم الوقوع في الفراغ الشامل.

الاصح ان الامر يصبح في نتائجه سيانا:

ـ منذ 24 ايار 2014، لسنة وخمسة اشهر اكتملت قبل يومين فقط، لا رئيس للجمهورية، رغم دعوة مجلس النواب الى هذه المهمة جلسة تلو اخرى، آخرها الجلسة الـ30 في 21 تشرين الاول.

ـ منذ 28 آب لم ينعقد مجلس الوزراء بسبب مقاطعة افرقاء اساسيين له هم تكتل التغيير والاصلاح وحزب الله، استكمالا لحال مماثلة ما بين 9 تموز و25 آب، ما حمل سلام ـ بعد نصيحة الرئيس نبيه بري وتمنيه ـ على تعليق الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء.

ـ بدوره مجلس النواب لم يلتئم طوال سنة كاملة تقريبا في جلسة عامة منذ 3 تشرين الثاني 2014. مرّ العقد العادي الاول، واخفقت محاولة فتح عقد استثنائي، وها هو العقد العادي الثاني في ظل مساعي بري التئام الهيئة العامة.

لم يعد ينقص ذلك كله سوى استقالة الحكومة كي تدخل البلاد، للمرة الثالثة، في الفراغ الشامل في انتظار مَن يتولى ترميم الشرعية الدستورية المفككة والمتهاوية.

عندما لا يكون ذلك كله فراغا شاملا. ماذا عساه يسمى؟