IMLebanon

لبنان الى مؤتمر تغير المناخ .. فاقد الشيء لا يعطيه

ClimateChangeSeminarLebanon
مارسيل محمد

تترقب أكثر من 190 دولة حول العالم نتائج مؤتمر باريس حول تغير المناخ للعام 2015، والذي سيعقد الشهر المقبل في العاصمة الفرنسية، وما يشد الانتباه الى هذه القمة أكثر من القمم التي سبقت حول الموضوع نفسه، هو ارتفاع معدلات التغير المناخي عاماً بعد عاماً، مع ما يسببه ذلك من ازدياد لمعدلات الفقر ومن تأثيرات على الخريطة الزراعية، فضلاً عن التأثيرات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة.

وبرغم التحذيرات المتواصلة بهذا الشأن، منذ العام 1992 على الاقل، وهو تاريخ اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، والتي وقع عليها حوالي 195 بلداً، الا ان النتائج الايجابية للتحذيرات لم تظهر بشكل ملموس، بل تواصلت التحذيرات وكان آخرها تنبيه المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في الغذاء، هلال ألفير،الثلاثاء، من “التهديدات الحادة الناجمة عن تغير المناخ وتأثيرها على الأمن الغذائي بما قد يعرض 600 مليون شخص، لخطر الإصابة بسوء التغذية بحلول عام 2080”. الا ان الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون، حافظ على نوع من التفاؤل عبر إشارته في بيان له الأربعاء، الى ان “155 بلداً، قدمت خططا وطنية تغطي ما يقارب 90% من الانبعاثات العالمية”، معتبراً ان هذه الخطوة تمثل “دفعة هائلة نحو مستقبل أكثر صحة وازدهاراً وأمناً. والخطط تدفع عجلة التقدم لجدول أعمال التنمية المستدامة في العام 2030”. وفي ما يخص مؤتمر باريس، رأى كي مون ان “هناك نداءات من جميع قطاعات المجتمع تطالب بالقيام بذلك: المدن والمجتمعات المحلية، ومنظمات المجتمع المدني، ورجال الأعمال والمستثمرون، ورجال الدين والشباب”. وإعتبر ان “نجاح اتفاق باريس يستند على ديمومة ومرونة الاتفاق، وتجذره في التضامن وصدقيته في الاستجابة للحاجة الملحة لتغير المناخ، بما في ذلك توفير الوسائل المالية وغيرها لدعم هذه الاستجابة”.

ونظراً لترابط التأثيرات المناخية على التنمية والتطور الاقتصادي والإجتماعي والصحي، يشكل التغير المناخي خطراً أساسياً على التنمية، تحديداً في ما يتعلق بعدم القدرة على مكافحة الفقر، وفق ما يؤكده تقرير للبنك الدولي صادر في شهر آذار المنصرم، يشير أيضاً الى ان الواقع الحالي للمناخ، سيمنع “تحقيق الرخاء عن ملايين البشر، وسيتسبب في تراجع مكاسب التنمية عقوداً إلى الوراء”. واعتبر البنك في تقريره ان التدابير المناخية الاحترازية “لا تتطلب تضحيات اقتصادية. فخيارات السياسات الذكية يمكن أن تحقق مكاسب اقتصادية وصحية ومناخية”.
السياسات “الذكية” التي يتحدث عنها البنك، تغيب عن أصحاب القرار في لبنان، وبخاصة مجلس الوزراء. إذ ان حلّ أزمة النفايات إستعصت على المجلس، حيث تلهّى المعنيون بمصالح فئوية، فضاعت فرص معالجة الأزمة، ليبقى لبنان بذلك، إحدى الدول التي تؤيد مكافحة التغير المناخي على الورق، اما على الأرض، فإن الإحتباس الحراري وانبعاث الغازات مستمر، وخطر الاصابة بالامراض بات تهديداً جدياً يتفاقم مع بدء موسم الامطار. ناهيك عن الخسائر الاقتصادية التي لا يأبه بها المعنيون، جراء عدم معالجة الازمة، إن عبر انشاء مطامر صحية او معامل فرز… وغير ذلك. فلبنان يضيّع استثمار ازمة النفايات بتأمين فرص عمل وبإعادة تدوير النفايات، ويضيع استثمار الطاقة الناتجة عن معالجة النفايات في المعامل او المحارق او المطامر، وهو المفتقر اصلاً الى الكهرباء التي يمكن تأمينها بسهولة عبر استغلال الغازات المنبعثة من النفايات.

ويتجلى عجز الحكومة اللبنانية في مواكبة تأثيرات التغير المناخي، بإلقاء وزير البيئة محمد المشنوق اللوم على “أزمة اللاجئين السوريين، وأوضاعنا الأمنية بسبب الاضطرابات الإقليمية، وعدم الاستقرار السياسي وعدم المساواة والفقر”، وكأن غياب التخطيط والاعتماد على مبدأ المحاصصات ليس هو السبب الرئيسي في منع التقدم على هذا الصعيد. وبذلك، يصبح ما قاله المشنوق الشهر الماضي، في إطار التحضير لمؤتمر باريس، عن “فرصة حكومتنا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وخاصة عندما تتبع الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة التي يجري اعدادها من قبل رئاسة مجلس الوزراء”، أشبه بـ”عرض عضلات” حول مسألة مهمة، كان من المفترض ان يبدأ التعامل الجدي معها، من خلال حل أزمة النفايات.

التحضيرات اللبنانية لمؤتمر باريس، كانت موضوع نقاش في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية، في الجامعة الأميركية في بيروت، الخميس، وذلك تحت عنوان “إلى باريس مع تغير المناخ-لبنان في المؤتمر 21 لدول الأطراف”. غير ان النقاشات والتصريحات الكلامية للمعنيين، لن تقدم اي خطوة جدية، ما لم تقترن بسياسات تحد من هدر المياه وتحافظ على البيئة وتجد حلولاً لمشكلة النفايات. ومع ان التغير المناخي “لم يدخل مرحلة الخطر في لبنان”، الا ان ما نشهده اليوم “يعتبر قرعاً لناقوس الخطر، ويستوجب اتخاذ التدابير اللازمة”، وفق ما يراه الخبير البيئي علي درويش. وتقليل درويش لخطر تأثّر لبنان بالتغير المناخي حالياً، هو عدم وجود المصانع والشركات الكبرى فيه، على غرار ما هو موجود في “اميركا وروسيا والصين والهند، وهي الدول الأكثر تسبباً للانبعاثات في العالم”. ويشير درويش في حديث لـ “المدن” الى ان “المفاوضات العالمية حول الموضوع البيئي، تقول بأن مسؤولية الدول يجب ان تكون مشتركة، في حين ان المسؤولية يجب ان تكون نسبية، بحسب تأثير كل دولة”. ويضيف درويش ان “النفايات التي انتشرت عشوائياً في المناطق اللبنانية، تزيد من انبعاثات غاز الميثان، الذي يعتبر أخطر من غاز ثاني أوكسيد الكربون”.

يتحضر لبنان لعرض “انجازاته” وتصوراته للحد من خطر التغير المناخي في العالم، وهو لا يستطيع الحد من خطر النفايات في شوارعه، ناهيك عن الحديث عن أزمة هدر المياه وتلوث الأنهار والمياه الجوفية. فكيف يعطي فاقد الشيء ما هو مطلوب منه؟