IMLebanon

لماذا يلتئم المجلس للتشريع وليس لإنتخاب الرئيس؟! (بقلم رولا حداد)

parlement-new

كتبت رولا حداد

يترقب اللبنانيون في الأسبوع الطالع ما سيؤول إليه “الكباش” السياسي حول الجلسات التشريعية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، والتي تلقى معارضة شديدة من “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” اللذين يصرّان على إدراج قانون الانتخابات النيابية على جدول أعمال الجلسة كشرط للمشاركة فيها، وذلك بعد حصولهما على إدراج قانون استعادة الجنسية. ويعارض حزب “الكتائب اللبنانية” مبدأ التشريع في المطلق في ظل الفراغ الرئاسي، وذلك التزاماً بالدستور الذي يعتبر المجلس النيابي في هذه الحال هيئة انتخابية لا هيئة تشريعية، وذلك بحسب المادتين 73 و74 من الدستور.

في الشكل ثمة أزمة كبرى تلوح، ولا تتعلق لا بمبدأ التشريع ولا بمبدأ ضرورة إقرار قانون الانتخابات النيابية ولا أيضا بأهمية وعجلة إقرار القوانين المالية المطروحة لمنع عزل لبنان مصرفياً على الصعيد الدولي. الأزمة تتعلق باتجاه تتخذه الأزمة ولا يبشّر بالخير، ويتعلق تحديداً بالعودة الى اصطفافات طائفية كارثية.

ففي الظاهر اليوم أن ثمة من يسعى الى عزل القوى المسيحية الأساسية، وهذا ما يُعيد اللبنانيين الى مراحل سابقة من أجواء الحرب وما بعد الحرب، عبر فرز اللبنانيين بخلفية طائفية، ويقسمهم بين مسيحيين ومسلمين، فيُنهي بذلك أهمّ إنجازات الاستقلال الثاني و”ثورة الأرز” التي وحّدت الطوائف اللبنانية خلف مطالب وطنية لا طائفية.

وثمة مفارقة لافتة في إستعمال منطق “الميثاقية” غبّ الطلب من جانب الثنائي الشيعي تحديداً. الأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصى، ومنها لمن خانته الذاكرة: إصرار الرئيس نبيه بري على حضور “القوات اللبنانية” في جلسة التمديد لمجلس النواب، وتأكيده أن وجود “تيار المردة” والنواب المسيحيين المستقلين لا يكفي لتأمين “ميثاقية” الجلسة. وهذا ما حصل بالفعل وحضر نواب “القوات”، فكيف تصبح اليوم الجلسة ميثاقية إذا غاب نواب الرابية ومعراب معاً إضافة الى غياب نواب “الكتائب” المقرّر سلفاً؟

والأدهى من ذلك أن التنطّح اليوم لاعتبار أن المسيحيين المنضوين في تكتلات “المستقبل” و”الاشتراكي” و”أمل” و”حزب الله” يكفون لتأمين “الميثاقية” المسيحية، إنما يشكل محاولة استعادة لمنطق مرحلة الوصاية السورية على لبنان، والتي أقصت الأحزاب المسيحية الكبيرة عن الساحة السياسية. فمن يسعى اليوم لإعادة عقارب الساعة الى الوراء؟

وبالمنطق نفسه يصبح السؤال المطروح وبقوة: لماذا يمكن لمجلس النواب أن يلتئم “بمن حضر”، وبغياب مكونات أساسية، ليشرّع تحت عنوان “تشريع الضرورة” ولو خلافاً للدستور، ولا يمكن للحكومة أن تلتئم وتتتخذ القرارات في ملفات تشكل أكثر من ضرورة صحية وبيئية واجتماعية كمثل فضيحة النفايات، وفي ملفات مالية أكثر من ضرورية كمثل إصدار مراسيم لتأمين استمرار دفع الرواتب للعسركيين وجميع موظفي القطاع العام؟

والأهم يبقى السؤال: كيف لمجلس يُتوقّع أن يلتئم بحضور أكثر من ثلثي أعضائه للتشريع لا يتأمّن فيه النصاب نفسه لانتخاب رئيس جديد للجمهورية؟ أوليس انتخاب رئيس جديد من الضرورات القصوى وبما لا يُقارن بأي ملف آخر، وخصوصاً أن انتخاب الرئيس يعيد إطلاق عمل المؤسسات الدستورية فيعود المجلس الى التشريع العادي ولا نعود بحاجة الى شعار “تشريع الضرورة”؟!

وبهذا المعنى فإن الاصطفافات المطلوبة في لبنان يجب أن تبقى اصطفافات وطنية عابرة للطوائف على قاعدة ما حققته “انتفاضة الاستقلال”، وهادفة أولاً وبشكل مباشر وطارئ الى الضغط على الجميع لتأمين انتخاب رئيس للجمهورية، وليس على قاعدة التقوقع الطائفي الذي يزيد من العصبيات والغرائز في منطقة تغلي على فوهة بركان مذهبي يضرب من المحيط الى الخليج!