IMLebanon

تعليم السوريين: هبة البنك الدولي لم تصرف

SyrianRefugeeChildren-Lebanon
فاتن الحاج

فتحت المدارس الرسمية أبوابها باكراً هذا العام أمام التلامذة من اللاجئين السوريين. باشرت التدريس في 12 تشرين الأول، بخلاف ما حصل في العام الدراسي الماضي، الذي تأخر نحو 5 أشهر، بحجّة الضغط على مصادر التمويل. على الرغم من ذلك، يستمر تسجيل التلامذة السوريين في دوام بعد الظهر في المدارس الرسمية.

وطلب وزير التربية الياس بوصعب من إدارات المدارس قبول التلامذة من دون قيد أو شرط، بهدف مضاعفة العدد إلى 200 ألف في الدوامين قبل الظهر وبعده،. ومدّد الوزير مهلة التسجيل التي كان يفترض أن تنتهي في 24 تشرين الأول إلى 31 منه، ثم سمح باستمرار التسجيل في حالات الضرورة. لامس عدد التلامذة السوريين المسجلين 159 ألفاً، موزعين على الدوامين كالآتي: 67 ألف تلميذ قبل الظهر، و92 ألفاً بعد الظهر. رفعت الوزارة، بحسب منسّقة لجنة التعليم في حالات الطوارئ صونيا خوري، عدد المدارس التي تستقبل اللاجئين في دوام بعد الظهر إلى 237 مدرسة، يتركز العدد الأكبر منها في الشمال (65 مدرسة) والبقاع (62 مدرسة) وبعدهما جبل لبنان (59 مدرسة) والجنوب (23 مدرسة) ومن ثم النبطية (15 مدرسة) وبيروت (13 مدرسة).

أمام هذه الوقائع، يبقى السؤال عن كيفية تمويل الحاجات الاضافية للمدارس الرسمية الناتجة من هذا الضغط؟ بحسب المعلومات، لا تزال هبة الـ32 مليون دولار، التي قدمتها وكالة التنمية البريطانية عبر البنك الدولي، غير قابلة للصرف، بانتظار صدور مرسوم في مجلس الوزراء يجيز فتح حساب للهبة في المصرف المركزي. هذا الهبة التي نجحت الحكومة في الحصول عليها بعد جهد جهيد، ترمي الى سدّ الفجوة التمويلية للعام الماضي بقيمة 15 مليون دولار، وتغطي ترميم بعض المدارس المستضيفة للتلامذة السوريين، كما تغطي الكتب والرسوم المدرسية.

تحتاج المدارس بإلحاح الى مبالغ فورية تسدّ منها حاجاتها، لكنّ تعطيل مجلس الوزراء يمنع الاستفادة من هبات توافرت من أجل ذلك. وتوضح خوري أن «هذه السنة لم نحصل على أي قرش، فليس لدينا أموال. ننتظر تحويل الهبة البريطانية». تضيف خوري أن «الأموال يجري تحويلها حالياً بطريقة واحدة فقط، بواسطة حساب مشترك مفتوح منذ عام 2006، بموجب اتفاقية وقّعت بين الدولة اللبنانية ومنظمة اليونيسف». وقد أبدت اليونيسيف استعدادها لمساعدة الوزارة في تأمين تجهيزات للمدارس بقيمة 3 ملايين دولار، و»نحن نفكر في تحويلها لتمويل مستحقات الاساتذة المتعاقدين بعد أخذ الموافقة من المنظمة».

في الواقع، لا تزال الدفعة الثانية من المستحقات المترتبة على العام الدراسي السابق غير مسددة، فيما يتزايد الحديث عن وجود هدر في الاموال المخصصة لتعليم السوريين. وعلى الرغم من نفي خوري لهذا النوع من الحديث، إلا أن بعض المتابعين يشيرون الى التأخير في دفع مستحقات صناديق المدارس والمعلمين والإداريين كدليل. تبدو خوري واثقة من أن الرقابة الدولية من المنظمات والدول المانحة تقطع الطريق على أي محاولة للالتفاف على وجهة الاموال، تقول: «سمعة لبنان بالدق». فالجهات المموّلة تشترط تصفية حسابات السنة الماضية قبل إيصال أي تمويل جديد.

تذكّر خوري بما حصل قبل سنتين حين تسلم مديرو المدارس الأموال مباشرة، وما رافق ذلك من سوء استخدامها، «فبعضهم لم يتردد في إدخال تحسينات على الديكور في المدرسة لجهة إضافة جفصين وغيره». ولكن المتابعين يشيرون الى أمور أخرى ما زالت تجري، إذ إن جداول الساعات المنفذة من الأساتذة المتعاقدين يفوق عدد الساعات التي تعلمها التلامذة خلال العام الدراسي السابق. وهناك مدارس تقاضت مستحقات عن كل تلميذ سوري توازي 600 دولار أميركي من دون أن تفتح الصفوف لتعليم اللاجئين أصلاً.

تلفت خوري إلى أن كلفة تعليم التلامذة السوريين تتضمن 240 ألف ليرة عن كل تلميذ لصناديق المدارس، تضاف إليها كلفة الساعات التي ينفذها الأساتذة والمديرون والنظار، إذ يتقاضى المعلم 18 ألف ليرة أجرة الساعة، والمدير 15 ألفاً والناظر 12 ألفاً، على أن عدد التلامذة يجب ألا يقل عن 250 تلميذاً، وألا يتجاوز 750 تلميذاً في كل مدرسة.
توضح خوري أن الأولوية في التعاقد هي لأساتذة الملاك لكونهم مدربين ونضمن أن نحاسبهم، ومن ثم للمتعاقدين الجدد المجازين، وذلك لسبب بسيط، هو أنّ لدينا فقط 92 ألفاً ولسنا مضطرين إلى أن نستعين بأساتذة رياضيات لتدريس اللغة العربية مثلاً، كما يحصل في مدارس قبل الظهر التي تضم 300 ألف تلميذ بين لبناني وغير لبناني. لكن خوري تؤكد أن الوزير سمح لغير المجازين الذين يعلّمون قبل الظهر ولديهم خبرات بأن يتعاقدوا بعد الظهر.

يتابع التلامذة السوريون في دوام بعد الظهر المنهج اللبناني. اختبرت وزارة التربية في تموز وآب وأيلول برنامج التعليم المسرّع من الصف الأول أساسي حتى التاسع أساسي مع التلامذة المنقطعين عن الدراسة، الذين لا يستطيعون الالتحاق بالتعليم النظامي، وشمل الاختبار 10 آلاف تلميذ. وقد أعدّت كتب جديدة خضعت للتقييم من قبل المركز التربوي. تلفت خوري إلى أن نجاح الاختبار سيسمح في ما بعد باعتماده من وزارة التربية للتلامذة اللبنانيين. ولكن ماذا عن صحة رداءة طباعة هذه الكتب؟ تجيب: «ليس صحيحاً، فنوعية الطباعة جيدة، واليونيسف هي من طبعتها وليس المركز التربوي». إلا أن مصادر متابعة تتداول أن هذا المشروع كلف كثيراً من دون أن يحقق الفائدة المرجوّة منه، فيما ترى خوري أنّ «المشروع فريد من نوعه في الشرق الأوسط باعتراف الجهات المانحة»، نافية أن يكون لديها فكرة عن كلفة المشروع، فيما تتحدث المصادر عن كلفة تصل الى 700 ألف دولار.

النقل من مسؤولية الجهات المانحة

لم تلحظ الجهات المانحة هذا العام كلفة بدل النقل للتلامذة السوريين في دوام بعد الظهر من المدرسة وإليها، بحجة عدم توافر الأموال، إذ إنّ كلفة النقل للتلميذ الواحد تبلغ 200 دولار أميركي. إلاّ أن وزارة التربية أبلغت المنظمات التي تتعاون معها أن عدم تغطية النقل سوف يؤدي إلى تسرب نحو 6 آلاف تلميذ من أصل 92 ألفاً. وكانت الجهات تؤمن النقل في العامين الماضيين عبر الجمعيات الأهلية التي تنسق مع مديري المدارس، وتشترط ألا يكون لدى التلميذ إخوة كبار ويسكن على مسافة تبعد نحو كيلومترين عن المدرسة أو في منطقة تتعرض للمخاطر.