IMLebanon

تريليون دولار عجز العالم السنوي في البنى التحتية

Saudi-infrastructure
جون أوثرز من لندن

يتفق السياسيون والمستثمرون على أن هناك فجوة في البنية التحتية، وهي فجوة عالمية تقترب من تريليون دولار كل عام. من الولايات المتحدة وصولا إلى الأسواق الناشئة عبر أوروبا، هناك تراكم في المشاريع اللازمة لدفع النمو، في الوقت الذي يحاول فيه المستثمرون المؤسسيون إيجاد استثمارات – مثل البنية التحتية – التي توفر لهم عائدات غير مرتبطة بالتقلبات التي تشهدها أسواق الأسهم والسندات.

مع ذلك يبقى العجز. ويقدر المنتدى الاقتصادي العالمي أن هناك حاجة عالمية إلى مبلغ 3.7 تريليون دولار لاستثمارها في البنية التحتية سنويا، في حين يستثمر فيها 2.7 تريليون دولار فقط، معظمها من قبل الحكومات. ووفقا للبنك الدولي، من المتوقع أن يشهد عام 2015 استثمارات ثابتة، إن لم تكن متراجعة، مقارنة بعام 2014. وتشير تقديرات شركة ماكينزي للاستشارات إلى أن احتياجات دول مجموعة الـ 20، البالغة 60 مليار دولار خلال الـ 15 عاما المقبلة، تتجاوز الأموال المستثمرة فيها بما لا يقل عن 20 تريليون دولار.

وقال بيرتران بادري، المدير الإداري للبنك الدولي، في الاجتماع السنوي للبنك في ليما (بيرو) الشهر الماضي: “التحديات موجودة في جانب المشاريع بقدر ما هي موجودة في جانب الإمدادات من رأس المال. ببساطة لا يوجد ما يكفي من المشاريع القابلة للبقاء”.

بالنسبة لأي شخص تعامل مع انقطاع التيار الكهربائي، واشترى المياه المعبأة في زجاجات من الباعة الجائلين، أو حارب الجمود في المدن الموجودة في الأسواق الناشئة، تعتبر فكرة أن هناك عددا قليلا جدا من المشاريع فكرة مذهلة. في الولايات المتحدة، تقدر الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين أن البنى التحتية القديمة وغير الكافية – بدءا من الكهرباء ومشاكلها إلى الساعات التي يتم هدرها في الزحام المروري – سوف تكلف كل عائلة أمريكية 28 ألف دولار في شكل إيرادات ضائعة بحلول عام 2020 فيما لو بقيت اتجاهات الاستثمارات نفسها.

ويعود تاريخ معظم البنى التحتية الأمريكية إلى برامج البناء الكبيرة في الثلاثينيات والخمسينيات، وكثير منها في حالة رديئة تبعث على الإحراج. في العام الماضي اشتكى نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بطريقة تشهيرية قائلا لو أن شخصا ما تم اقتياده معصوب العينين عبر مطار لاجوارديا في نيويورك سيقول: “لا بد أنني في أحد بلدان العالم الثالث. أنا لا أمزح”. وتحاول السلطات المحلية الآن جمع المال من أجل عملية إعادة تطوير ضخمة، بما في ذلك هدم مبنى المطار المركزي، من خلال شراكة بين القطاعين العام والخاص.

في بلدان الأسواق الناشئة أصبح الإنفاق على البنية التحتية قضية جيوسياسية، مع اقتراح الصين إطلاق مشروع البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، للتنافس من أجل تمويل المشاريع. وبالنسبة لكثير من البلدان تعتبر المشاريع في قطاع النقل، والطاقة، والمياه، وإصحاح البيئة، والاتصال بالإنترنت مشاريع حيوية للتطور والتنمية. حتى في أوروبا، حيث تميل البنى التحتية العامة لأن تكون في وضع أفضل، انخفض الاستثمار الخاص على مدى السنوات العشر الماضية، بحسب ستاندرد آند بورز. لكن الحاجة الواضحة لا تتم ترجمتها دائما إلى مشاريع يمكن أن يستثمر فيها القطاع الخاص.

حوافز الاستثمار

يقول جيم باري، رئيس البنية الأساسية في بلاك روك، أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، التي بدأت الاستثمار في البنية التحتية عام 2012 ولديها الآن ثمانية مليارات دولار مستثمرة في هذا القطاع: “بالتأكيد الارتباط معدوم بين حجم الحاجة إلى البنية التحتية والفرص التي يمكن اقتناصها من قبل القطاع الخاص”.

ويقول النقاد إن الحكومات غالبا ما تأتي بقائمة من المشاريع، لكنها تفشل في بذل ما يكفي من الجهود لإقناع المستثمرين الذين يكرهون المخاطرة بأن المشروع سيتحقق، أو سيحقق العائدات اللازمة. ونتيجة لذلك يبقى المال محصورا في المؤسسات، وتبقى المشاريع غير منجزة وتتسع الفجوة في البنية التحتية.

يقول تشيريان جورج من وكالة فيتش للتصنيفات: “إنها حقا عقبة أمام السياسة العامة. هناك نفقات لا بد من تسديدها، وتحتاج الحكومات إلى إيجاد تدفق للإيرادات. لو كان هناك إطار مالي وضريبي مستدام، لتوافرت الأموال والديون بين عشية وضحاها”.

ويقول روهان مالك، رئيس قسم الأسواق الناشئة في إيرنست آند يونج: “تقول صناديق المعاشات التقاعدية وصناديق الأسهم الخاصة لدينا المال – أعطونا المشاريع. السؤال هو كيف تساعدون الحكومات في إعداد تلك المشاريع؟”.

بالنسبة للحكومات يتسبب التعامل مع القطاع الخاص في معضلة سياسية أساسية – لن يرتاح الناس حين يتم تحميل التكاليف على الجمهور مقابل سلع كانوا يعتبرونها في السابق مجانية.

تقول نيال كابا، وزيرة المالية والاقتصاد في ساحل العاج: “إن دعوة القطاع الخاص للاستثمار أمر مهم، لكن يجب أن نكون قادرين على تغطية تكاليف تلك المشاريع من خلال هيكل تسعير رشيد. في بلدي غالبا ما كانت البنى التحتية العامة مجانية. هناك العديد من المجموعات الضاغطة”.

وترى أن هذا يعني القطاع الخاص ينبغي أن يكون عقلانيا في توقعاته المتعلقة بالدخل، وينبغي للسياسيين تسويق مشاريعهم للناخبين. “إذا لم يكن هذا الحوار صادقا بما فيه الكفاية، لن تكون الحكومة قادرة على تحديد وضبط تسعير مناسب. نحتاج أيضا إلى توعية السكان المحليين وإخبار الناس أن تلك الشراكات باتت أمرا ضروريا”.

ويصبح الخطر أكثر حدة بالنسبة للمستثمرين في عصر شبكات التواصل الاجتماعي عبر المواقع المختلفة، مثل تويتر. يقول ثيري ديو، الذي تدير مجموعته “ميريديام” ثلاثة صناديق كبيرة للبنى التحتية للمؤسسات: “إن الضغط الذي يتولد عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو المصدر الرئيسي للحكومات (…) لما يسميه الناس المخاطر السياسية. المجتمع المدني مستيقظ، ولهذا من المهم مشاركة الحكومات والقطاع الخاص”.

وهناك كثير من المطبات المحتملة، إذ يمكن أن يؤدي سوء التسعير إلى كارثة مالية. فقد انتهى الأمر بالطرق المبنية في المكسيك في الثمانينيات والتسعينيات بتمويل من القطاع الخاص، إلى الإعسار بسبب استياء الجمهور الشديد من الرسوم المرتفعة واستخدامهم طرقا بطيئة بديلة مجانية.

وبشكل عام، يحتاج القطاع العام أيضا إلى جمع بعض المال قبل أن يتمكن من مخاطبة القطاع الخاص، لكن احتياجات البنى التحتية آخذة في التزايد في الوقت الذي يجري فيه كبح جماح الإنفاق العام بسبب التقشف ومشاكل الائتمان. وذكرت وكالة ستاندرد آند بورز، في تقرير صدر الشهر الماضي، أن الفترة بين عامي 2003 و2012 شهدت تخفيض 16 من بلدان منطقة اليورو الاستثمار في قطاع النقل، وسط ارتفاعات في الدين الحكومي العام وديون القطاع الخاص على الحكومات كحصة من الناتج المحلي الإجمالي. وأشارت إلى أن التقشف والقدرة على تحمل التكاليف من الأسباب الرئيسية لنقص التمويل.

ومن ثم، هناك مشكلة السياسة. من المرجح أن يكون مدى عمر الجزء الواحد من البنية التحتية أطول بكثير من متوسط عمر الحكومة الديمقراطية. لذلك، بالنسبة لمسؤولي البنك الدولي، يمكن أن يكون من الأسهل تسويق فكرة مشاريع البنى التحتية عندما يمكن أن يكون المستثمرون متأكدين من أنه لا تغيير في الحكومة في المستقبل القريب.

رياح عكسية

حتى من دون وجود اضطرابات هناك خطر أن يسعى السياسيون إلى إعادة كتابة شروط الصفقة. في أوروبا، خفضت إسبانيا بأثر رجعي الإعانات المقدمة لمنتجي الطاقة الشمسية، ما أثار غضب صناديق المعاشات التقاعدية، وحاولت فرنسا خفض رسوم طرق السيارات وغيرت النرويج التعليمات الأساسية المتعلقة بالدخل الآتي من خطوط أنابيب النفط بعد وقت قصير من جمع التمويل من المستثمرين.

لكن الحكومات تشعر بالقلق بحق حول مسألة الالتزامات طويلة الأجل التي يطالب بها المستثمرون، مع مدفوعات كبيرة لشركات القطاع الخاص، التي تستمر لسنوات بعد أن يتم بناء المرافق. تمكنت مبادرة التمويل الخاصة في المملكة المتحدة بنجاح من جمع التمويل لكنها خسرت شعبية سياسية طويلة الأمد.

إن الطلب للاستثمار في البنية التحتية من قبل المؤسسات أصبح أمرا واضحا. حيث وجدت استبانة أجريت في الشهر الماضي لصناديق المعاشات التقاعدية الكبيرة من قبل الهيئة الاستشارية “كرييت” في لندن 38 في المائة اعتزموا زيادة تعاملاتهم في البنية التحتية خلال السنوات الثلاث المقبلة – ما يجعلها أكثر شعبية من الأسهم الخاصة، وصناديق التحوط أو معظم أنواع الأسهم. استهدفت شركات التأمين وحدها مخصصات مالية بلغت 80 مليار دولار سنويا للبنية التحتية.

يقول آمين راجان، الذي أصدر تقرير “كرييت”، إن إحدى العقبات الرئيسية التي تواجه تحويل الطلب إلى واقع ملموس هي ميل “الحكومات لتغيير الأهداف طوال الوقت”. صناديق المعاشات التقاعدية ليست مستعدة لتحمل المخاطر السياسية المعقدة الموجودة، بحسب ما يقول، إذا لم تتمكن من الحصول على التعهدات الضرورية اللازمة من الحكومات.

يضيف راجان: “الحكومات سوف تعطي تعهدا لينا، ولا أرى أن ذلك سيرفع آمال خطط المعاشات التقاعدية. المفارقة هي أن هناك مصلحة كبيرة في البنية التحتية لكنها تحتاج إلى وقت طويل لتتحقق”.

الخطر ليس في وجود كثير من الاضطرابات السياسية بقدر ما هو إمكانية أن تغير الحكومات رأيها بشأن العقود طويلة الأجل وأن تحاول نقل المخاطر الإضافية إلى المستثمرين الذين يهتمون أساسا بالبنية التحتية فقط على أساس أنها تعتبر أمرا منخفض المخاطر.

ويقول جافين ويلسون، رئيس ذراع إدارة الأصول التابعة للمؤسسة المالية الدولية: “الأشخاص الذين يبحثون في البنية الأساسية يميلون لمقارنتها بالدخل الثابت (بوجود مخاطر وعائدات منخفضة) وليس الأسهم الخاصة. لا يندهش الناس بالعائدات المرتفعة لأن ما يريدونه فعلا هو انخفاض في المخاطر”.

ويعتبر هذا مشكلة خطيرة، ولا سيما في الأسواق الناشئة حيث يكون إنشاء ميناء جديد أو طريق سريع جديد عبارة عن فرصة مثيرة لتحقيق عائدات مرتفعة – لكنه بالكاد ما يعتبر استثمارا منخفض المخاطر من النوع الذي يمكن مقارنته بالسندات. في الوقت نفسه، تعتبر البنية التحتية، مع دخل يميل لأن يرتفع وفقا للنشاط الاقتصادي، تحوطا ضد التضخم، الذي يجعل جذب المستثمرين أصعب عندما، كما هي الحال الآن، يكون شعور المستثمرين هو أن الأسعار قد تبقى منخفضة لبعض الوقت.

المشكلة الأخرى هي أن مشاريع البنية التحتية تحتاج تقريبا لجميع التمويل مقدما، قبل فترة طويلة من تحقيق أي فوائد أو أرباح، الأمر الذي قد يستغرق عقودا من الزمن. ويقول ويلسون: “إنه فرق حاسم بين الشركات والخدمات الأخرى، ولا يشابه قطاع الصحة أو قطاع التعليم. ينبغي أن تصل الأموال كلها قبل أن يوجد أي شيء”.

ويرى ديميتريس تسيتسيراجوس، نائب رئيس مؤسسة التمويل الدولية: “أن الأمر لا يتعلق بما إذا كان التمويل متوافرا أم لا ولكن بما إذا كانت المشاريع ذات جودة ونوعية جيدة أم لا. إن تنفيذ المشروع بالشكل الصحيح منذ البداية يعد أمرا مهما لأنه الشرط الذي يجعل المشروع مستداما”.

وتلعب مصارف التنمية متعددة الأطراف دورا رئيسيا في هذا المجال. بدلا من المساعدة في هيكلة منتجات مالية، يمكنها إسداء النصح والمشورة فيما يتعلق بتحديد المشاريع ذات الأولوية، والتأكد من أنها قوية بما فيه الكفاية لنيل الدعم والتأييد.

يقول باري من بلاك روك: “هناك غالبا عقود معقدة جدا، وهناك حاجة إلى مزيد من التوحيد. لا يوجد أي من هذا في الولايات المتحدة. هناك بعض التقدم الذي تم إحرازه، لكنه يحتاج إلى بعض من تدخل السلطات الفيدرالية لإيجاد عناصر التوحيد، ووضع إطار قانوني”.

تكبير الحجم

توحيد المعايير يعتبر أكثر أهمية في الأسواق الناشئة. وهذا حفز جهودا لإنشاء صناديق كبيرة لديها ما يكفي من المشاريع لتقليص المخاطر من خلال التنويع. مؤسسة التمويل الدولية وميريديام تعملان على إنشاء صناديق تستطيع في النهاية استيعاب عدد يصل إلى 20 مشروعا. وسوف تساعدان في تصميم المشاريع قبل البحث عن شركاء آخرين للاستثمار.

هناك حل أكثر تطرفا يتم إعداده برعاية صناديق التقاعد الكندية، التي تسعى لإلغاء دور الوسطاء نهائيا. صندوق كويبك QCDP الذي يدير أكثر من 250 مليار دولار في أصول صناديق التقاعد، أطلق هذا العام شركة تابعة لإدارة جميع عمليات إعداد المشاريع بنفسه. يقول ميشيل سابيا، الرئيس التنفيذي للصندوق: “تحدد الحكومة مبادرة السياسة العامة، مثل البنية التحتية لبعض أنواع النقل العام. ثم نتولى الموضوع من جانبنا ونخطط المشروع ونتولى التنفيذ. نحن نمول المشروع مع الشركاء، ونمتلكه، ونشغله فيما بعد”.

الهدف من ذلك ـ الذي يشترك فيه كثيرون ـ هو أن تتطور البنية التحتية لتصبح فئة مستقلة من فئات الأصول.

يقول بادري، من البنك الدولي: “إذا كانت مستقلة واعتبرها الناس استثمارا مستقرا معدلا بحسب المخاطر، عندها سوف يتدفق المال مع الزمن. غياب البنية التحتية يؤدي حتى إلى تكبد تكاليف كبيرة. وما عليك سوى أن تسأل إحدى الأسر التي ليس لديها ماء جار، أو كهرباء لإنارة المنزل”.