IMLebanon

العالم يتحرك ببطء لدرء مخاطر التغير المناخي

CaliforniaDroughtWater
بيليتا كلارك من لندن

في غضون أربعة أسابيع سيستيقظ العالم على أخبار تفيد بأن جولة سريعة من المحادثات في باريس أسفرت عن اتفاق جديد يتعلق بالتغير المناخي العالمي، أو ستفشل وتنهار.

إذا تم إبرام صفقة ستكون ثالث اتفاقية للأمم المتحدة تتعلق بالمناخ خلال 23 عاما. أول اثنتين – اتفاقية عام 1992 المبرمة في ريو دي جانيرو وبروتوكول كيوتو عام 1997 – فشلتا في الوفاء بالهدف الرئيس لهما، المتمثل في منع ارتفاع التلوث الناشئ عن ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الوقود الأحفوري، الذي يقول العلماء إنه يسبب ارتفاعا في حرارة الغلاف الجوي ويدفعه نحو مستويات خطيرة.

السؤال هو ما إذا كان الميثاق الجديد سيحقق أكثر مما حققه أول اتفاقين لتشكيل مصير مناخ الأرض، مع استثمارات تقدر بـ 90 تريليون دولار. هذا هو المبلغ الذي يعتقد المختصون أنه سيتم إنفاقه خلال السنوات الـ 15 المقبلة على البنية التحتية لأنظمة الطاقة في العالم، والمدن، والقطاعات الزراعية.

إذا أسفر اجتماع باريس عن اتفاق عالمي قوي بما فيه الكفاية لإقناع المستثمرين بأنهم سيكسبون مزيدا من المال من خلال دعم محطة لطاقة الرياح، مثلا، بدلا من مصنع يعمل بطاقة الفحم، أو سندات خضراء بدلا من أسهم شركة بريتيش بتروليوم، فمن الممكن تخيل حدوث انخفاض في الانبعاثات.

لكن حتى مع اقتراب اجتماع باريس الذي يستمر لمدة أسبوعين، ابتداء من 30 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، من السهل تقريبا ذكر ما لن تشمله الاتفاقية، وليس ما تشتمل عليه.

من غير المتوقع تحديد سعر عالمي للكربون، أو حظر إعانات الوقود الأحفوري. وهذا يعود إلى أن مفاوضات باريس تشكلت من خلال فشل بروتوكول كيوتو ومحاولة استبداله في قمة كوبنهاجن التي عقدت في عام 2009 – المرة الأخيرة التي حاولت فيها حكومات العالم إيجاد سبيل للحد من التلوث الذي يسببه الكربون.

تم إبرام معاهدة كيوتو وسط تحذيرات من العلماء بأن غاز ثاني أكسيد الكربون كان يتراكم في الغلاف الجوي بمعدل يعمل على جعل درجات الحرارة العالمية المرتفعة ترفع من مستويات سطح البحر وتذيب الجليد في القطبين وتضخم الكوارث المناخية الشديدة.

لذلك، بالاستعانة بما حدث في معاهدات الأسلحة العالمية، شملت الاتفاقية أهداف انبعاثات محددة وملزمة قانونا لكل بلد من البلدان الـ 40 الغنية التي كان من المفترض أنها ستنطبق عليها. لكن ثبت أن قضية التغير المناخي مشكلة مستعصية أكثر من الرؤوس الحربية النووية. لم تصادق الولايات المتحدة أبدا على بروتوكول كيوتو، إلى حد كبير لأن الصين لم تكن أبدا مشمولة فيه، وانسحبت منه كندا، ما أدى إلى بقاء عدد قليل من البلدان تمثل حصة متناقصة من الانبعاثات.

ومن المفترض أن تغطي المفاوضات في باريس، التي انطلقت أعمالها قبل أربع سنوات تقريبا، جميع البلدان، الغنية منها والفقيرة. لكنها تعد أيضا اعترافا باستحالة إرغام البلدان على خفض التلوث لديها ـ لن يتم إرسال أي قارب مسلح على الإطلاق لوقف حكومة ما عن بناء محطة جديدة لتوليد الطاقة تعمل بالفحم.

لذا، فإن اتفاقية باريس تستند إلى تطوع جميع البلدان في خطط العمل المتعلقة بالمناخ. ولمنح الاتفاق شيئا من السلطة، ترغب كثير من البلدان في أن تتم مراجعة وتنقيح تلك التعهدات كل خمس سنوات، للتأكد من أنها تؤدي إلى ما يكفي من التخفيضات في الانبعاثات على الصعيد العالمي، والعمل على رفع مستواها إن لم تكن كذلك.

هذا مشابه للنهج المتبع في كوبنهاجن. آنذاك، على أية حال، تأخرت الحكومات في توضيح أي نوع من تخفيضات التلوث قد يقدم للصفقة. وواجه زعماء العالم الذين وصلوا إلى العاصمة الدنماركية لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق فوضى خيارات يصعب السيطرة عليها وانهار المؤتمر بشكل تام.

هذه المرة، تم اتخاذ قرار بأن توضح البلدان خططها قبل وقت كاف. وأكثر من 160 من أصل 195 دولة معنية بمحادثات باريس فعلت هذا منذ شهر آذار (مارس)، وهي المرة الأولى الذي تتخذ فيها كثير من الدول الكثير من التعهدات المتعلقة بالمناخ في وقت قصير كهذا.

وفيما يعد اعترافا آخر بالحروب السابقة، سيصل زعماء العالم إلى باريس في بداية اجتماع الشهر المقبل لتقديم حزمة من الخطابات التشجيعية، ومن ثم العودة تاركين وراءهم وزراءهم لاستكمال الاتفاقية.

لكن التوصل إلى اتفاق، فيما لو تم ذلك، سيبقى مستندا إلى عشرات الوعود الوطنية المختلفة على نطاق واسع وليس وعدا واحدا وسياسات متفق عليها دوليا، مثل سعر عالمي للكربون.

بعبارة أخرى، شركات الغاز والنفط الأوروبية التي دعت إلى وضع إطار تسعير للكربون العالمي قبيل اجتماع باريس، فعلت ذلك وهي مطمئنة لعلمها أن هذا لن ينبثق أبدا عن المحادثات.

ولا يزال من غير المعروف مدى القوة التي سيكون عليها الاتفاق الجديد. فقبل اجتماع الشهر المقبل كان من المقرر أن يجتمع المفاوضون أربع مرات هذا العام، في جنيف وبون، للتوصل إلى اتفاق واضح وموجز يضع عليه الوزراء اللمسات الأخيرة في باريس.

لكن الاجتماع الأخير في بون في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي شهد كثيرا من المشاحنات حول نص الوثيقة النهائية الذاهبة إلى باريس وأنها ليست موجزة. وهي تقع في أكثر من 50 صفحة، وتعتبر أقصر من المسودات التي ذهبت إلى كيوتو أو كوبنهاجن، لكنها تظل متكررة ومربكة للغاية. وهناك العديد من الخيارات المتنافسة في كل بند مهم تقريبا.

وقال المفاوض الروسي في نهاية الاجتماع في بون: “المحامي الأكثر خبرة على هذا الكوكب لن يتمكن من تفسير هذا النص”.

المشكلة ليست فقط في أن هناك مجموعة كبيرة من الخيارات المتنافسة حول النقاط الأهم، بما في ذلك مقدار ما ينبغي للبلدان تخفيضه من الانبعاثات العالمية بشكل جماعي وتوقيت ذلك. الصعوبة الأكبر هي أن هناك الكثير جدا فيها، بحيث إن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرهما من البلدان الأكثر تطلعا لإبرام صفقة ناجحة ستجد أنها أمر من المستحيل تقريبا استيعابه.

ولا تشمل الوثيقة بنودا تتطلب شكلا من أشكال الدعم للدول الجزر الصغيرة وغيرها من البلدان التي تواجه خسائر وأضرار ناجمة عن مشكلة التغير المناخي. هناك أيضا تدابير للتأكد من أن البلدان المتقدمة تقدم ليس فقط 100 مليار دولار سنويا للبلدان الناشئة بحلول عام 2020 – وهو وعد قطعته بالفعل – لكن أيضا مبالغ أكبر من أي وقت مضى في السنوات اللاحقة.

إذا كان الاتفاق يلزم الدول الموقعة قانونيا بأن تحقق مثل تلك الأهداف، فإنه سيعزز الحجج بضرورة أن يحصل على موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي، وهو أمر تحرص حكومة أوباما على تجنبه.

الشيء نفسه ينطبق على البنود التي تتطلب من البلدان الغنية مواصلة تشديد إجراءاتها المتعلقة بالمناخ على مر الزمان، لكن السماح لكثير من البلدان النامية أن تفعل أقل من ذلك بكثير – وفقط إذا قدمت لها البلدان الغنية ما يكفي من المال.

هذا يعني أنه يلزم أن يكون هناك عمل دبلوماسي بارع جدا من قبل الحكومة الفرنسية عندما تتولى أمر إدارة محادثات باريس فعلا. وفي قلب التحدي الفرنسي توجد المعضلة التي لطالما عرقلت محادثات الأمم المتحدة المتعلقة بالمناخ: الفجوة بين البلدان الغنية التي تسبب التلوث فيها مبدئيا في حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري والبلدان النامية التواقة لنيل حصتها من الثروة الصناعية.

وتتفاقم هذه المسألة بسبب حقيقة أنه خلافا لكيوتو، من المفترض أن تحث اتفاقية باريس على إجراء تخفيضات في الانبعاثات في جميع البلدان، بما في ذلك البلدان النامية التي يبلغ عددها 130 بلدا التي تشكل أكبر فريق تفاوض في محادثات الأمم المتحدة، الذي يعرف باسم مجموعة الـ 77 والصين.

هذا يعني أن البلدان الثرية “تطلب شيئا لم يحصل من قبل”، بحسب ما يقول بيرنارديتاس مولر، المفاوض المخضرم لمجموعة الـ 77. “إنهم يحولون المسؤولية نحو تخفيف (الانبعاثات) للبلدان النامية”. وهذا الأمر، كما تقول، سيكون مستحيلا ما لم تحصل تلك البلدان على مبالغ كبيرة ومعقولة من المال لمساعدتها في خفض التلوث لديها.

ولا يزال من غير الواضح ما سيتعين على الموقعين فعله قانونا للتوصل إلى اتفاق باريس النهائي. وتفضل إدارة الرئيس أوباما الانضمام إلى اتفاق يعتمد على قرار تنفيذي من الرئيس، بدلا من اتفاق يتعين عرضه على مجلس شيوخ عدائي.

لكن هذا قد يكون صعبا إذا احتوت الاتفاقية على التزامات جديدة ملزمة قانونيا، مثل المتطلب الواضح للوفاء بتعهدات المناخ الإجرائية التي قدمتها البلدان هذا العام. وهذا يعد ضربة قوية لمعاهدة شبيهة بكيوتو لن تحصل “نهائيا”، كما أخبر وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري “فاينانشيال تايمز” الأسبوع الماضي.

لذلك من غير المرجح أن تحدد الاتفاقية أن الأهداف في تعهدات البلدان الـ 160 يجب أن يتم تنفيذها، والتعهدات نفسها يمكن تحويلها إلى وثائق للأمم المتحدة. ولا يزال بإمكان الحكومات أن تجادل بأن الاتفاق ملزم قانونا، لأنه يحتوي على عديد من المتطلبات، مثل القواعد المتعلقة بالإبلاغ والتحقق من انبعاثات البلدان.

والولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تفضل هذا المسار. فالصين وعديد من الدول الأخرى تبدي حذرها من الالتزامات الدولية الملزمة قانونيا، خاصة ذات الأثر الاقتصادي العميق.

لكن من غير الواضح نوع نظام الامتثال، إن وجد، الذي قد يظهر. وأدخلت بعض البلدان تدابير في مسودة الاتفاق لاستحداث محكمة دولية للعدالة المناخية بهدف معاقبة الدول المتخلفة. لكن ليست هناك تقريبا أية فرصة لظهور مثل هذه المحكمة.

إن لم تكن أهداف الانبعاثات في البلدان ملزمة قانونا، هل سيلاحظ المستثمرون ما الذي ستأتي به محادثات باريس؟

إذا كان المستثمرون يعرفون أن أية صفقة يتم إبرامها في باريس يمكن إبطالها من قبل رئيس جمهوري جديد في الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، ومن قبل السياسيين في كل مكان، فما هو مقدار الأمل الموجود لتحويل مبلغ الـ 90 تريليون دولار إلى بنية تحتية أكثر صداقة للبيئة؟

من المغري القول، ليس كثيرا. لكن من الصحيح أيضا أن ما تم تحقق حتى الآن بالنسبة لمفاوضات باريس هو إنجاز لم يسبق له مثيل. فالبلدان التي نشرت خططا مناخية على مدى هذا العام تمثل ما نسبته تقريبا 90 في المائة من الانبعاثات العالمية. ونتيجة لذلك نحن نعلم الآن كيف تخطط الدول، بدءا من الصين إلى الولايات المتحدة وإثيوبيا والبرازيل، لخفض انبعاثاتها اعتبارا من عام 2020، العام الذي سيسري فيه مفعول اتفاق باريس.

وأوضحت عشرات من الدول خططا لتعزيز وزيادة توليدها للطاقة الشمسية (الهند)، وتثبيت مزيد من محطات الرياح (ميانمار) أو جعل سياراتها أكثر كفاءة في استهلاك الوقود (منغوليا). إذا تم تنفيذ جميع هذه التعهدات، فإن ذلك يعني ارتفاع الانبعاثات العالمية إلى ما يعادل 56.7 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030، وفقا لتقييم نشرته الأمم المتحدة الشهر الماضي. وهذا يمثل تقريبا أربعة مليارات طن أقل مما كان يمكن أن تصل إليه من دون تلك التعهدات. لكن المشكلة هي أن الرقم لا يزال يزيد عشرة مليارات طن عما يقول التقرير العلمي الأخير الصادر عن الفريق الحكومي الدولي للأمم المتحدة إنه لازم للحصول على فرصة معقولة لتجنب ارتفاع حرارة الأرض درجتين مئويتين عما كانت عليه في فترة ما قبل الثورة الصناعية.

ووافقت البلدان فعليا خلال محادثات الأمم المتحدة الماضية على أن مقدار الدرجتين المئويتين ذاك ينبغي ألا يتم انتهاكه. وهذا الرقم نتج عن إجماع سياسي وليس علميا وبعض البلدان تقول إن اتفاق باريس ينبغي أن يعتمد مستوى أقل حتى من 1.5 درجة مئوية.

في كلتا الحالتين، ولأن درجات الحرارة ارتفعت فعليا نحو درجة مئوية واحدة منذ الثورة الصناعية، من الواضح أن الجولة الحالية من تعهدات المناخ ينبغي أن يتم تحسينها بشكل كبير، إذا كان هناك أي أمل في تجنب مستويات ارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى مستوى خطير، كما تظهر حسابات المناخ من “فاينانشيال تايمز” وغيرها من البحوث. وقلة من الناس هم من يعتقدون أن باريس ستكون تكرارا لما حدث في كوبنهاجن. فلا يزال من المتوقع على نطاق واسع أن محادثات الشهر المقبل سينتج عنها أنواع من اتفاقيات المناخ الجديدة. فبعد كوبنهاجن تتطلع عديد من البلدان ألا يتم إلقاء اللوم عليها لتكرار تلك الكارثة.

هذه المرة لا يتم عقد هذه المحادثات في ظل الأزمة المالية العالمية، مثلما كان الحال في عام 2009. وتكلفة بعض أنواع معدات الطاقة المتجددة، ولا سيما الألواح الشمسية، تراجعت أيضا. وفرنسا، العملاق الدبلوماسي مقارنة بالدنمارك، هي التي تتولى إدارة المحادثات المقبلة.

وهناك دلائل على أن أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في العالم، الصين، أكثر جدية فيما يتعلق بخفض الانبعاثات عما كانت عليه في عام 2009. ولو لم تكن كذلك، ما كان لواشنطن أن تتمكن من هندسة اتفاقية رائدة أعلنت عنها مع بكين العام الماضي، عرضت فيها كل منهما التعهدات المتعلقة بالمناخ التي تشكل جزءا من محادثات باريس.

مع ذلك تبقى الفجوة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية كبيرة. لذلك قد تصبح باريس بمثابة انتصار دبلوماسي، لكنها فشل علمي.

بعبارة أخرى، هناك فرصة حقيقية لأن يتم إبرام اتفاق، وفرصة متوسطة لأن يكون هذا الاتفاق قويا جدا – وفرصة ضئيلة لأن تنتج عنه التخفيضات العميقة في الانبعاثات، المطلوبة لتجنب مخاطر ظاهرة الاحتباس الحراري.