IMLebanon

ترحيل النفايات .. من الأزمة التقنية الى الأزمة الأخلاقية

akram-chehayeb
خضر حسان

18 شهراً هي المرحلة السحرية التي ستجنب لبنان أزمة النفايات وأزمته السياسية – الطائفية، وبالطبع، أزمة التحاصص التي تديرها أحزاب السلطة الممثلة بمجلس الوزراء. 18 شهراً هي الفترة الزمنية التي ستُرحّل النفايات ضمنها الى الخارج، والحديث عن هذه المرحلة، يعني ان “طبخة” الترحيل قد نضجت، وتنتظر الإعلان الرسمي عنها، والذي يمهد له عرّابوه من خلال لقاءات وندوات ومؤتمرات، يوهمون الناس من عبرها ان باقي الحلول لم تعد تنفع. لكن المصيبة الأكبر، ان أسباب فشل باقي الحلول معروفة، وتقر بها القوى السياسية، وهي على لسان وزير الزراعة أكرم شهيب، الأسباب “الديمغرافية والأمن والطائفية والمذهبية والمناطقية والغايات بأنفس اليعاقبة والهمرجة الإعلامية والمراهقة البيئية”، وهي التي أدّت الى خسارة “هيبة الدولة وثقة الناس”.

شهيّب الذي يمسك دفّة سفينة الحل المثقوبة من كل أطرافها، وضع، خلال مؤتمر حول “دور البلديات في الادارة المستدامة للنفايات الصلبة” عقد اليوم الأربعاء في بيروت، اللبنانيين أمام ثلاثة خيارات، إما “استمرار المشكلة وإغراق أكثر، أو تنفيذ الخطة التي أقرت في مجلس الوزراء وأيدتها طاولة الحوار ولجنة البيئة النيابية بالسياسة وليس بالقوة، وإما الترحيل المكلف”. الا ان الخيار المقصود والمتّخذ أصلاً، هو الخيار الأخير، لأن لا أحد يجرؤ علناً على اختيار الأول ووضع نفسه بمواجهة الناس، وفي المقابل، الخيار الثاني أسقطته مصالح من طرحه منذ البداية. وقد ربط شهيب اعتماد الترحيل بـ “مساعدة البلديات ماليا وتقنيا وإداريا وحثها على ممارسة دورها بالكنس والجمع والنقل بعد الفرز والتدوير، والشراكة مع غيرها بالمعالجة النهائية ومساءلتها إذا ما تأخرت عن مسار الخطة”.

بعد كل المراحل التي قطعها ملف النفايات، بات من السذاجة إستخفاف عقول المهتمين بحل الأزمة بشكل جدّي، خاصة من أفراد وجمعيات الحراك الشعبي الذي عرقل الحلول الزائفة وكشف لعبة التحاصص، بدءاً من محاولة خلق “سوكلينات” مناطقية وطائفية، بدل “سوكلين” واحدة تستفيد منها جهة سياسية معينة. وتمهيد شهيّب للإعتماد نهائياً على الترحيل خرقته تبريرات الإعتماد نفسها، إذ ان الإعتراف بسقوط هيبة الدولة وغياب ثقة الناس، هو بحد ذاته دافعاً لإسقاط خيار الترحيل لأن الفترة المحددة للترحيل (18 شهراً)، قد يمتد الى أعوام، وقد جُرّبت هذه السلطة في مطمر الناعمة، ناهيك عن حضور شبح التحاصص في كل قرارات الدولة. علما ان التوافق حول الترحيل يثبت ان في الخيار ما هو مخفي، اذ ان رفض حلول المطامر والمعامل والمحارق، أدى الى اجتراح حل المعالجة اللامركزية، وأقرت السلطة “رشى” لبعض المناطق، تحديدا في عكار والبقاع، لكن الناس رفضت. وبعدها كان التوجه الى تحميل البلديات مسؤولية معالجة نفاياتها، وبذلك تحل العقدة الطائفية المناطقية. ألغي الحل لصالح الترحيل، لأن رمي المسؤولية على البلديات يفترض تحرير أموالها وتنمية بعض المناطق، وهو ما يورط الطبقة السياسية أكثر.

الحلول التي تقترحها الطبقة السياسية دائماً، باتت تحتاج الى حسم الخيارات داخل هذه الطبقة. فقبل الخروج الى الناس بحلّ، على الأطراف الممثلة بالحكومة التوافق في ما بينها على حلّ تصدقه هي، قبل الطلب من الناس تصديقه. وبحسب ما يقوله رئيس جمعية الخط الأخضر البيئية، علي درويش، لـ “المدن”، فإن على الطبقة السياسية ان “تبني معملاً للفرز، بشكل جدي وشفاف، لتري الناس عملها على الأرض”، وبرأيه، “عدنا اليوم الى الخيار الأول، وهو مركزية الحل، وإنما عبر الترحيل”.

غير ان الترحيل الذي يُحكى عنه اليوم، والذي يتراوح ضمنه سعر الطن ما بين 130 و170 دولارا، تضاف اليها 80 دولارا كلفة الكنس والجمع، تختلف شروطه عن ذلك الذي أثير في الفترة الأولى من عمر الأزمة. لأن الدول الأوروبية التي عرضت شراء النفايات، لم تعد جميعها مهتمة بالشراء، نظراً لوضع النفايات التي تعرضت للطمر وللمياه ولشروط بيئية جعلت فرزها واستغلالها أصعب. ويؤكد درويش على ان هذه الدول “اشترطت فرز النفايات لشرائها، ومن يتمكن من الفرز، يتمكن من استغلال النفايات”، مستغرباً عدم اللجوء الى الفرز والاستفادة من النفايات في لبنان، طالما انها ستُفرز بهدف بيعها.

ويبقى الخيط الأسود في هذا الملف، هو خيط الأخلاق، الذي يبدو ان الطبقة السياسية قد تتجه لقطعه من خلال الموافقة على ترحيل النفايات دون فرز، الى دول افريقية، وهو ما ترجحه مختلف الجهات البيئية. وبذلك، تكون الحكومة اللبنانية في حال موافقتها على هذه الخطوة، قد سمحت بفتح مكبات الموت والتلوث في افريقيا، على غرار ما قامت به بعض الدول الاوروبية في لبنان، عبر طمر نفايات سامة. والناحية الأخلاقية تبقى في الواجهة حتى وان لم يُعتمد خيار الرمي في افريقيا، لأن الأزمة في نطاقها اللبناني، تصب في الإطار الأخلاقي، لأن ما وصل إليه الملف، يتجاوز الإطار التقني والتشريعي.