IMLebanon

كسحة والعجمي في “العسكريّة”: قصة الهروب الفاشلة

Military-Tribunal

كانت المحكمة العسكريّة، أمس، على موعدٍ مع اثنين من أبرز الفارين الذين شغلوا الأجهزة الأمنيّة على مدار أشهر وسنوات للقبض عليهم: الأوّل هو أحمد غازي كسحة الذي تمّ إلقاء القبض عليه في نهاية أيلول الماضي، والثاني هو خالد العجمي الذي سقط في كمين للجيش في منزل أحد أقاربه في منطقة الأوزاعي في 26 تموز الماضي بعد متابعةٍ أمنية دقيقة ولدى ورود معلومات تفيد أن والده يتلقى العلاج في مستشفى “المقاصد”.

كثيرة هي نقاط الشبه بين الشابين لكونهما مطلوبين بجرائم إرهابيّة والانتماء إلى تنظيمات متطرّفة، بالإضافة إلى استخدام كافّة وسائل الهرب من القوى الأمنيّة. فالعجمي المتعدّد الألقاب التي رسى فيها على “خالد رحومي” (لقبه منذ الطفولة) و “أبو عائشة” في السنوات الماضية، بقي يتنقّل بحذر حتى لا يقع في قبضة الأجهزة الأمنيّة، وحتى أنّه ذهب إلى سوريا وتحديداً إلى جوسية حيث التحق بـ “كتائب بشائر النصر” التابعة لـ “كتائب عبدالله عزّام”، عندما حصلت “فورة الاعتقالات” خلال العام 2013 في مسقط رأسه في مجدل عنجر.

كاد ابن الـ27 عاماً أيضاً أن يستحصل على جواز سفر مزوّر للخروج من الأراضي اللبنانيّة وإراحة نفسه من عناء التخفي بعد أن تمّ اتهامه بالانتماء إلى “جبهة النصرة” والانتماء سابقاً إلى “كتائب عبدالله عزام”، وقبلها أيضاً الانتماء إلى “مجموعة حمزة مراد” الإرهابيّة المسلحة وسرقة مصارف للحصول على المال لتمويل أعمال إرهابية، بالإضافة إلى تكليفه بعدد من المهمات الأمنية، بينها خطف عسكريين من سجن رومية مقابل الإفراج عن بعض الموقوفين الإسلاميين.

والسبب نفسه دفع “أبو عمر” إلى عدم التنقّل داخل مدينته طرابلس بهويته الحقيقية التي تحمل اسمه: أحمد كسحة، بل استخدامه جواز سفر سوريا مزوّرا يحمل اسم محمد ملحمجي كاد أن يسنح له فرصة الهروب إلى تركيا باعتباره مطلوباً لانتمائه إلى تنظيم “داعش” ومقرباً من أحمد سليم ميقاتي وابراهيم بركات ويتردّد أنّه كان المسؤول العسكريّ لـ “مجموعة أبو الهدى” في الشمال.

في النتيجة سقط الاثنان، وصارا اليوم موقوفين سيتمّ استجوابهما في العديد من الجرائم الملاحقين بها بعد أن صدر بحقّ العجمي حكم غيابي بالأشغال الشاقة المؤبدة بجرم الانتماء إلى “كتائب عبدالله عزام” في 25 آب 2014.

بالأمس، مثل الإثنان أمام “العسكريّة”. أنكرا التهم الموجهة إليهما حتى كادا أن يظهرا نفسيهما لا ناقة لهما ولا جمل في كلّ ما حصل رغم اعترافات عدد من الموقوفين عليهم. وكادت جلسة “أبو عمر كسحة” أن تخرج رئيس “العسكريّة” العميد الركن الطيّار خليل ابراهيم عن طوره.

لا يكتفي الشاب الثلاثيني بإنكار التّهم، وإنما أيضاً يقول إنّه ربما هناك خطأ في الإدعاء عليه على اعتبار أن اسم والده ووالدته قد تمّ تصويبهما أثناء مثوله أمام “العسكرية” إذ أنّ كتاب توقيفه وتحقيقاته الأولية لم ترد بعد رسمياً إلى المحكمة.

“أبو عمر” لا يعرف شيئاً!

صحيح أن “أبو عمر” اعترف أنّه تاجر سلاح باع أحمد سليم ميقاتي بنادق حربيّة وذخائر، وصحيح أنّه اعترف أنّه مقرّب من رئيس “هيئة علماء المسلمين” الشيخ سالم الرافعي الذي كان يتردّد عليه باستمرار، وصحيح أنّه قاتل إلى جانب المجموعات خلال جولات العنف الأخيرة بين باب التبانة وجبل محسن.

وبرغم كلّ ذلك، ينفي كسحة أن يكون على معرفة بأي من قادة المحاور باستثناء زياد علوكي الذي كان يراه على شاشة التلفزيون، تماماً كما ينفي أن يكون على علم بالاسم الحقيقي لـ “أبو الهدى”، وبعد الكثير من الأسئلة يستذكر أنه “من آل ميقاتي”، وإن كان لا يعرف أياً من مجموعته أو أقاربه كعمر وبلال ميقاتي وفايز عثمان، نافياً أيضاً أن يكون قد زار عاصون سابقاً. كذلك، فإنه لم يسبق له أن تنامى إلى مسامعه اسم شادي المولوي أو أسامة منصور.. أو يسمع بإمام “مسجد التقوى” الشيخ الموقوف أسامة عنتر، تماماً كما لا يعرف تاجر الأسلحة ماذا تعني كلمة “علوكيات”!

جملة من التناقضات ظهرت خلال استجواب “بائع الحلويات” الذي انتقل إلى عالم الإرهاب، والذي يبدو أنّه مدرّب بشكلٍ جيّد على عدم الإقرار بأي معلومة حتى ولو كان لا معنى لها أو لا تفيد التحقيق. يقول كلمته ثم ما يلبث أن يهزّ رأسه تأكيداً على ما قاله أو يعيد جملته مرتين للسبب عينه.

لم يرتبك كسحة حينما سأله العميد ابراهيم بأصل الدعوى التي استجوب بها أمس: “أين كنت في 1 تموز 2013 (حينما خرجت تظاهرة مسلّحة إلى ساحة النور وتحوّلت إلى اشتباكات مع الجيش إذ عمد المشاركون بها إلى إطلاق النار على الجيش)، ردّ الموقوف: “كنت في المستشفى، حينها الله كرمني بثلاث توائم، توفي واحد وبقي اثنان”. سكت الشاب لبرهة قبل أن يكرر العبارة ذاتها. ولما عاجله ابراهيم بسؤال ثان تبيّن أن أطفاله ولدوا في 3 تموز، كان لكسحة وبسرعة فائقة جواب شاف: “كنت في المستشفى أحضّر الأوراق لأن زوجتي ستولد”.

أكثر من ثلاثة أرباع الساعة بقي فيها الموقوف على إنكاره ومن دون الإفلاح في سحب منه ولو اعترافاً واحداً باستثناء عمله في تجارة السّلاح وأن أصدقاءه كلهم غير ملتزمين، حتى قال له العميد ابراهيم: “كأنك مقطوع من شجرة. ولو، في حدا ما بيعرف أبو عمر كسحة؟”.

العجمي: مع الجهاد ولكن!

ثم استمعت المحكمة إلى أحد العسكريين الذين جرحوا خلال المواجهات ليتبيّن أنه لا يتذكّر وجه أيّ من الشبان الذين أطلقوا عليه النّار، حتى بعد أن نظر إلى وجوه الموقوفين المتهمين بهذه التهمة ومن بينهم “زياد علوكي”، ليتمّ إرجاء الجلسة إلى 20 كانون الثاني بغية الاستماع إلى شاهد آخر.

بعدها، كان خالد العجمي يقف في المكان نفسه الذي سبقه إليه كسحة، ليشير هو الآخر أنّ لا علاقة له بمجموعة مراد حمزة التي أقدمت على التخطيط لسرقة مصارف بغية الاستحصال على الأموال لتمويل العمليات الإرهابيّة وعلى تصنيع العبوات الناسفة، مشيراً إلى أنّه يعرف المتّهم في هذه الدّعوى إيهاب الحروق عبر “الفايسبوك” ولم ينصحه بأساليب لتضليل التحقيق على اعتبار أن لديه سوابق، كما أفاد الحروق في إفادته الأوليّة. وأكّد أنّه من المستحيل أن يدخل مع الحروق في هكذا أحاديث عبر “الفايسبوك” فأنا كنت مطارداً وأشكّ أن الجميع مخابرات، لافتاً الانتباه إلى أن سرقة المصارف حرام.

ومع ذلك، لم ينكر العجمي أنّه طلب من الحروق مساعدته في تأمين أشخاص للمشاركة في تظاهرات عند المصنع تأييداً للثورة السوريّة، كما لم ينف أنّه مع الفكر الجهادي في سوريا، وإن كان لم يسع له، بل إنّ دخوله إلى سوريا والتحاقه بكتائب “بشائر النصر” لمدة أيّام معدودة لم تتخط الأسبوع كان بسبب الهروب من الأجهزة الأمنية اللبنانيّة وأنه لم يعلم بأنّها تابعة لـ “كتائب عبدالله عزام” إلا لدى عودته إلى لبنان، مشدداً على “أنني متى سنحت لي الفرصة للهروب، سأهرب”.

ونفى أن يكون مقرباً من درويش خنجر الذي اشتبك مع الجيش، فقال: “أنا ملتزم قبل درويش، ولكنني لست مثله هو افتعل إشكالات مع الجيش ومتعصّب ولا يختلط بالنساء. أما أنا ما عندي تعصّب كتير ولم أمش بممشى القتل وهربت كي لا أفتعل مثل هذه الإشكالات”. فيما كان بارزاً أن يصف العجمي الموقوفين بـ “الأسرى” ليصحّح له العميد ابراهيم بأنّهم موقوفون بموجب تهم وليسوا أسرى.

وبعد انتهاء استجواب العجمي والقاصر ع. ع. في الدعوى نفسها، أرجأ ابراهيم الجلسة إلى 17 شباط المقبل.