IMLebanon

الطائفة السنية إلى ثنائية “الحريري ـ ميقاتي”!

 

nabib-mikati

 

 

كتبت صحيفة “الأنباء الكويتية”: كل الطوائف في لبنان تحكمها «ثنائيات» سياسية شعبية. ففي الطائفة الشيعية حيث يشكل حزب الله «قوة ضاربة»، هناك متسع ومكان لحركة «أمل»، وبتعبير أدق للرئيس نبيه بري الذي يشكل ثقلا في المعادلة الشيعية ويحرص عليه حزب الله ويحتاجه.

وفي الطائفة المارونية تكرست ثنائية «عون ـ جعجع» من ضمن المعادلة الرباعية التي باركتها بكركي ورعتها وأضفت عليها «شرعية كنسية».

وفي الطائفة الدرزية تبرز ثنائية «جنبلاط ـ إرسلان» ولكن مع فارق في الحجم السياسي والشعبي، وفي وضع غير متكافئ وراجح بقوة لمصلحة جنبلاط الذي هو من يحرص على استمرار هذا الإرث التاريخي وهذا التوازن الشكلي.

وحدها الطائفة السنية لم تدخل في معادلة الثنائيات ومازالت خاضعة لنظام «أحادية الزعامة» التي صنعها الرئيس رفيق الحريري بيده، مقتحما نادي رؤساء الحكومات ومحاصرا العائلات السنية التقليدية والتاريخية.

وآلت الزعامة منذ العام 2005 الى الرئيس سعد الحريري وأخذت معه حجما ووهجا أكبر مما كان عليه الحال مع والده الرئيس الشهيد. فالزعامة في لبنان تبنى وتكبر على «الدم».

وهكذا فإن زعامة بري لم تبدأ إلا بعد حرب المخيمات الفلسطينية مع «أمل»، وزعامة جنبلاط لم تأخذ مداها إلا بعد حرب الجبل التي ربحها، وحتى زعامة السيد حسن نصرالله لم تبلغ هذا الحجم الكبير لبنانيا وعربيا وإسلاميا إلا بعد حرب تموز 2006.

استند الرئيس سعد الحريري في زعامته الى قضية كبيرة هزت وجدان السنة هي قضية استشهاد والده وإلى رصيد كبير ورثه عنه، رصيد شعبي انطلق من ساحات 14 آذار، ورصيد سياسي انطلق من ساحة سنية خلت له وزعامة لا ينازعه عليها أحد، ورصيد دولي من علاقات شبكها رفيق الحريري ونسجها على امتداد سنوات.

هذه الزعامة التي كان تسلمها سعد الحريري في حدها الأقصى أخذت في التقلص والانحسار.

وهذا الرصيد أخذ في التبدد والتناقص مع الوقت.

وحصل ذلك بسبب ظروف خارجة عن إرادته عاكسته واضطرته الى اتباع خيارات وسياسات غير مقتنع بها وفي غير مصلحته.

ولكن أيضا حصل ذلك بسبب أخطاء ارتكبها في إدارة الوضع السياسي وحصد نتائجها في أنه خرج من الحكم ومن البلد، وفي أن الوضع داخل 14 آذار خرج عن سيطرته ولم ينجح في أن يكون القائد أو المايسترو الذي يديره ويتحكم به عن بعد.

من الأخطاء السياسية التي نسبت الى الحريري وتأتي أوساط 14 آذار على ذكرها: إعطاء حزب الله «الثلث المعطل» في الحكومة، عدم تثمير الانتصار في انتخابات العام 2009 وعدم ترجمته عمليا في الحكومة التي تلتها، الذهاب الى دمشق والمكوث ليلة في ضيافة الرئيس بشار الأسد، الدخول في حكومة شراكة مع حزب الله وفي حوار ثنائي متجاوزا موضوعي السلاح والتدخل في سورية، الدخول في حوار سري مع العماد عون وفي تفاهمات جانبية، إلخ..ولكن كل ما تعرض له الحريري على مدى سنوات لا يقاس بما تعرض له على مدى أيام، ومنذ أن تكشفت أخبار لقائه مع النائب سليمان فرنجية في باريس والاتفاق الذي توصلا إليه بأن يكون فرنجية رئيسا للجمهورية مقابل أن يعود هو الى رئاسة الحكومة.

هذا «الاتفاق» لم يمر «على خير» داخل المستقبل والشارع السني ولدى قوى وجمهور 14 آذار، لا بل أحدث هزة سياسية عنيفة ستظل ارتداداتها تتردد الى حين، وسيتطلب الأمر من الحريري الكثير من الوقت والجهد لتوضيح وتبرير ما أقدم عليه وبدا أقرب الى «مغامرة سياسية» غير مضمونة النتائج عندما اختار لرئاسة الجمهورية شخصية من صلب 8 آذار وعلى علاقة صداقة عائلية مع الرئيس السوري بشار الأسد، وعلى علاقة تحالفية مع حزب الله.

وعندما أخذ هذا الخيار «الجريء» في نظر البعض والمتهور في نظر البعض الآخر من دون علم حلفائه ومن دون إعلامهم والتشاور معهم.

يقال إن الحريري ينفذ قرارا دوليا إقليميا بانتخاب فرنجية رئيسا، وباعتبار أن ظروف التسوية والحاجة إليها قد أتت.

ولكن يتردد على نطاق واسع أن السبب المباشر الذي دفع الحريري الى هذا الخيار يتعلق بوضعه السياسي والشخصي وبالضائقة التي يشعر بها على أكثر من صعيد، الضائقة المالية التي وصلت الى مستويات ضاغطة تنبئ بتفكيك الإمبراطورية التي أقامها والده، الضائقة السياسية التي نشأت من جراء تراجع شعبيته في الشارع السني وتراجع علاقته مع الشريك المسيحي في ١٤ آذار ونشوء مراكز قوى وأجنحة داخل تيار المستقبل.

ومجمل هذا الوضع جعل أن عودة الحريري الى لبنان صارت حاجة وضرورة ملحة، ومن دونها لا مجال الى استعادة المبادرة ووقف حال الانحدار.

ولكن الحريري لا يستطيع أن يعود الى لبنان إلا رئيسا للحكومة وعبر تسوية سياسية مع حزب الله ومقابل تنازلات مؤلمة وثمن سياسي مرتفع من ضمنه سليمان فرنجية، ولكن ليس هو كل شيء.

فالمسألة الآن عند حزب الله ليست وصول فرنجية الى قصر بعبدا وإنما عودة الحريري الى السراي الحكومي في ظل توازنات داخلية دقيقة وظروف إقليمية معقدة.

المسار الانحداري للرئيس سعد الحريري يقابله مسار تصاعدي للرئيس نجيب ميقاتي.

فإذا كان الأول في مرحلة هبوط، فإن الثاني في مرحلة صعود.

وإذا كان الأول استنفد طاقة صموده وتحمله خارج البلاد والحكم، فإن الثاني استوعب نتائج تجربته الأخيرة في الحكم واستنفد المرحلة الانتقالية التي بدأت مع خروجه من رئاسة الحكومة.

هذا لا يعني أن ميقاتي عائد الى رئاسة الحكومة قريبا وهو يدرك ذلك، ولكنه يدرك بالمقابل أن وضعا جديدا بدأ يتشكل على الساحة السنية وباتجاه تغيير في المشهد العام وفي الخارطة السياسية، ومن أولى علاماته وترجماته أنه سيكسر معادلة الأحادية في الزعامة ومرحلة احتكار القرار، وأنه سينقل الطائفة السنية، أسوة بالطوائف الأخرى، الى مرحلة «الثنائية» في المرجعية والقيادة، وسط تعددية قوى وأحزاب وتيارات لاسيما التيارات الإسلامية التي تتقدم وتفرض نفسها «القوة الثالثة» على الساحة السنية وتقدمها لم يحصل إلا على حساب «المستقبل».

عودة الرئيس نجيب ميقاتي الى الأضواء والى المعادلة السنية، وهذه المرة كمنافس رئيسي للرئيس سعد الحريري، ليست عرضية ولا تأتي من فراغ وإنما هي مستندة الى خطة عمل وإنجازات والى عوامل وظروف مساعدة ونقاط قوة. ويمكن إيجاز كل ذلك في النقاط التالية:

1- البنية التحتية السياسية والشعبية والأرضية الصلبة التي أقامها ميقاتي في طرابلس كقاعدة تمركز وانطلاق.

وهذا حصل في مجالين:

٭ في المجال السياسي عبر تثبيت محور أو تحالف ثلاثي يجمع ميقاتي الى الوزيرين السابقين محمد الصفدي وفيصل كرامي.

الصفدي الذي كان قبل سنوات في كنف «المستقبل» ويدور في فلكه وحصلت محاولات من «المستقبل» ليس لاستعادته وإنما للإيقاع بينه وبين ميقاتي.

وكرامي الذي جرت محاولات لاستمالته وكانت زيارة شهيرة له الى الرياض ولقاء «ماراتوني» مع الحريري حقق خرقا إيجابيا في العلاقة معه، ولكنه لم يحقق الهدف الأساسي وهو اجتذابه واستقطابه.

٭ في المجال الإنمائي الخدماتي عبر وضع خطط عملية لرفع مستوى الخدمات وتحسين نوعيتها، وتمثلت خصوصا في إنشاء شركة «نور الفيحاء» لتزويد طرابلس بالتيار الكهربائي وفق النموذج الزحلاوي، إضافة الى إنشاء مراكز اجتماعية من خلال «جمعية العزم والسعادة».

2- البلبلة السائدة في صفوف «المستقبل» في طرابلس، بحيث بات التيار موزعا الى ثلاثة محاور هناك: محور سمير الجسر مصطفى علوش، ومحور كبارة، ومحور ريفي.

3- العلاقة التي تزداد وثوقا بين الرئيس ميقاتي والتيارات الإسلامية في موازاة تراجع علاقة هذه التيارات مع «المستقبل»، وخصوصا في ضوء الإشكالات التي وقعت مع الوزير نهاد المشنوق.

4- التغيير الحاصل في المزاج الطرابلسي العام، وهو ما يظهر في الانتخابات النقابية وآخرها نقابة المحامين التي خسرها وللمرة الأولى تيار المستقبل، إضافة الى نقابة أطباء الأسنان (وأيضا انتخابات المجلس الشرعي الإسلامي).

5- «تمدد» الرئيس ميقاتي في علاقاته وحركته السياسية الى خارج طرابلس. وهذا ما ظهر سواء من خلال العلاقة المميزة مع مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان (الذي حضر احتفالا في طرابلس وأشاد بميقاتي ووصفه بأنه مرجعية كبيرة من مرجعياتنا التي نعتز بها، ومخاطبا إياه بالقول: «لك الدور الكبير على صعيد العمل الجيد والمفيد للمسلمين واللبنانيين، وعلى صعيد التعليم والخير وعلى الصعيد السياسي والوطني العام»).

وهذا ما ظهر أيضا من خلال العلاقة المميزة مع الجماعة الإسلامية واللقاءات المتكررة مع قيادتها المنقطعة عن «المستقبل» منذ أشهر.

6- سياسة الانفتاح «ومد اليد» التي قررها ميقاتي على الساحة السنية بما في ذلك باتجاه تيار المستقبل.

وهو مازال بانتظار جواب «المستقبل» على مبادرته ودعوته للحوار «بين أهل بيتنا وطائفتنا وحيث الحاجة أساسية الى التلاقي والتفاهم والتعاون».