IMLebanon

كفى مكابرة… الجميع في مأزق (بقلم رولا حداد)

downtown beirut

 

كتبت رولا حداد

من مفارقات السياسة اللبنانية أن غالبية أطرافها تبني مواقفها على رهانات خارجية، بمعنى أن معظم الأطراف تستند الى مصادر قوة خارجية وتحاول إسقاطها على الداخل اللبناني لتحسين موقعها في اللعبة السياسية.

سبب هذا الكلام اليوم أنه، وبعد 19 شهراً من الفراغ الرئاسي لا يزال البعض مصرّاً على الرهان على الخارج، سواء لفرض منطق تعطيل الانتخابات الرئاسية في انتظار ظروف أفضل تتيح تحقيق مكاسب أكبر، أو بمنطق محاولة فرض تسويات داخلية انطلاقاً من حسابات إقليمية.

وفي جردة سريعة على الواقع الداخلي المرتبط بالوضع الإقليمي المأزوم، يمكننا أن نلاحظ الآتي:

ـ “حزب الله” الذي راهن على “انتصارات إلهية” في سوريا أدرك خيبته وفشل رهاناته سواء على بشار الأسد أو حتى على التدخل الإيراني المباشر في سوريا. وعشية الدخول في السنة السادسة للحرب السورية، يجمع المتابعون على أن الآمر الناهي في الملف السوري بات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وليس الرئيس الإيراني حسن روحاني أو السيد علي خامنئي. لا بل إن إيران باتت منهكة في سوريا وبدأت تسحب نخبة قوات الحرس الثوري بعد الإصابات البليغة التي تعرّض لها. كما أن إيران تعاني في اليمن بعد تدخّل التحالف العربي عسكرياً على الأرض، وجماعات الحوثيين التابعين لها يعانون الأمرّين، وإن لم تستطع قوات التحالف العربي حسم الحرب. وبالتالي فإن “حزب الله” الذي سينسحب من سوريا عاجلاً أم آجلا هو في وضع لا يُحسد عليه في ظل الخسائر البشرية والمادية التي أصابته، وبالتالي لا يستطيع أن يتعامل مع أحد في لبنان  وفق منطق القوة.

ـ تيار المستقبل يعاني الأمرّين أيضاً بفعل وجود الرئيس سعد الحريري في الخارج منذ العام 2011، إضافة الى مشاكله المادية المتفاقمة في كل مؤسساته. كما أن “التيار الأزرق” يعاني من تحديات جمة بفعل تنامي التطرّف الإسلامي من العراق وسوريا وصولا الى الحدود الشرقية والشمالية للبنان. كما أن “المستقبل” المستند إقليمياً الى المملكة العربية السعودية يدرك تماما أن لبنان غير موجود على قائمة أولويات المملكة بسبب المواجهات التي تخوضها من اليمن الى سوريا مرورا بالعراق، وعنوانها الأكبر مواجهة التمدد الإيراني. كما أن المملكة لم تتمكن من حسم معركة اليمن وتتجه الى المفاوضات، إضافة الى أن المواجهة في سوريا تستمرّ مفتوحة في غياب أفق الحل حتى إشعار آخر.

أما القوى المسيحية في لبنان فهي أيضاً أسيرة الواقع الإقليمي، سواء كانت ضمن التحالف العريض مع السعودية أم منخرطة مع حلفاء إيران وبشار الأسد. والقوى المسيحية تعاني أكثر بفعل أن الفراغ في المؤسسات الدستورية يطال الموقع المسيحي في رئاسة الجمهورية المغيّب منذ 19 شهراً، من غير أن تتمكن من إيجاد الحل الناجع.

يبقى النائب وليد جنبلاط الحائر بين المعسكرين اعترف بأن “الأمر يزداد غموضاً”، وبأن “هناك خلطاً في الأوراق أعترف بجهلي المطلق حول حيثياته”. وبالتالي يبدو جنبلاط في ظل التخبّط الإقليمي عاجزاً عن حسم خياراته فيبقي “إجر بالبور وإجر بالفلاحة” كعادته ليترك الاحتمالات مفتوحة أمامه.

ولن ننسى أن المواجهة الفعلية لم تعد حصراً بين طهران والرياض، بل باتت أولا بين موسكو ومعظم العواصم الغربية، وبالتالي فإن المعركة باتت أكبر منّا بكثير.

أمام هذا الواقع، لا بدّ من صرخة بوجه الجميع: أوقفوا المكابرة. عودوا الى لبنان. تفضلوا الى المؤسسات الدستورية، ولنرتضِ باللعبة البرلمانية الديمقراطية اللبنانية المحلية، بعيداً عن كل الرهانات الخارجية.

يجب أن ندرك أن لبنان ليس جزيرة معزولة عن محيطه، لكن لبنان دفع الكثير ثمن الصراعات الإقليمية. يكفينا رهانات على الخارج، واستقواء على الداخل لم يعد في مكانه الصحيح على الإطلاق. لبنان في خطر، والخيارات أمامنا ليست كثيرة: فإما أن نعود الى التلاقي ضمن المساحة اللبنانية لتمرير المرحلة الخطرة بأقل قدر من الأضرار، وإما إذا أصرّ البعض على المكابرة فإن الهيكل سيسقط على رؤوس الجميع من دون استثناء!