IMLebanon

الأمن الغذائي العربي: لبنان “مهدد”.. والحل في السودان

Agriculture3
دفعت الأزمة السورية الى رفع الأرقام التي تشير الى الضغوط التي يتحملها لبنان، وخصوصاً في موضوعات الغذاء والمياه، وتتفاقم الضغوط في ظل وجود أكثر من مليون لاجىء سوري، يشاركون اللبنانيين مواردهم التي تعاني أصلاً من أزمات الهدر وسوء الإدارة. ورفع لبنان الصوت عالياً طالباً نجدة الدول العربية، والدول التي “تدير” الصراع في سوريا، فضلاً عن استنجاده بالمنظمات الدولية.

غير ان نداء الإستغاثة اللبناني في مجال توفر الغذاء الكافي، سرعان ما اصطدم بنداء إستغاثة عربي، لا يقل خطورة عن اللبناني، لكنه “مبطّنٌ” نوعاً ما، ولم يكشفه ضغط اللجوء السوري، إذا ما استثنينا الأردن في محطات محدّدة. الإستغاثة العربية في مجال الأمن الغذائي الذي تزيد أزمة المياه من هشاشته، تعيد الى الأذهان أرقاماً خبّأها حجم إقتصادات بعض الدول النفطية، لكن تقدّم الزمن وزيادة معدلات سوء إستغلال الموارد البشرية، ذكّر بأن ما يمتلكه العالم العربي من موارد – وخصوصاً المائية – لن يقوى على ضمان أمن غذائي يترافق مع إستدامة المياه. إذ ان النمو السكاني في العالم العربي “تجاوز حالياً 310 مليون نسمة، ويتوقع ان يصل الى 600 مليون نسمة في العام 2030. وهذا النمو السكاني سريع الإيقاع والأثر، سيتسبب مستقبلاً في عجز مائي، يصل حاليا إلى ما لا يقل عن 176 مليار متر مكعب وهذا العجز في الموارد المائية، سيواكبه وسيتفاقم بسببه، بطبيعة الحال عجز غذائي، فمعدل 3% للنمو السكاني سوف يستتبع زيادة في الاستهلاك الغذائي بمعدل 5% سنويا، في حين أن الإنتاج الغذائي العربي لا يزداد في واقع الأمر، إلا بمعدل 2% سنويا، وهذا ما سوف يجعل الوطن العربي يعتمد أكثر فأكثر في غذائه على الاستيراد”، وفق ما أورده رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير، ضمن كلمته التي ألقاها في ورشة عمل عن “ندرة مياه الري في المنطقة العربية وأثرها على الأمن الغذائي: المشاكل والحلول”، التي انعقدت الإثنين في مبنى عدنان القصار للإقتصاد العربي في بيروت. لكن إعتماد خيار الإستيراد، سيرتب على الدول العربية أكلافاً إضافية، تزيد عجز الميزان التجاري الغذائي العربي، الذي يعاني أصلاً من عجز، نظراً لإستيراد العالم العربي لـ 80% من الإحتياجات الغذائية. وتعتبر هذه الأرقام، “مهينة” لعالم يشكّل عُشر مساحة اليابسة، إلا انه يصنف من المناطق الفقيرة بمصادر المياه العذبة. ولبنانياً، لن يكون هذا العجز مؤشراً إيجابياً، كون لبنان يعاني إرتفاعاً في نسبة نقص التغذية، إذ كانت 3.5% بين العامين 1990 و1992، وتجاوزت الـ5% بين العامين 2010 و2013، وهي في إزدياد، وفق دراسة لـ “الفاو” حول النقص الغذائي، صادرة في العام 2014.

في السياق عينه، إذا كان الأمن الغذائي يعني تمتّع البشر من الناحيتين المادية والإقتصادية بأغذية كافية وسليمة، تلبي حاجات الغذاء والإستمرار في الحياة، فيفترض ذلك الإهتمام بالقطاع الزراعي، لأنه المدخل الى تأمين غذاء كافٍ، كخطوة أولى قبل الحديث عن “مطابقة” هذا الغذاء للمعايير الصحية. والإهتمام بالقطاع الزراعي العربي، بحسب ما تشير إليه جملة من الدراسات العربية، يعرضها الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة، يساهم في “معالجة الكثير من المشاكل التي تواجهها الدول العربية مثل محاربة الفقر، والبطالة التي تجاوزت 14%”، شرط “تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية دون استنزافها، وفق الطرق العلمية”.

الطرق العلمية هذه، ينأى لبنان بنفسه عنها، وتحديداً لجهة إستغلال موارده المائية القادرة على تأمين حاجة الإستهلاك المحلي من المياه والري، فضلاً عن توليد الطاقة الكهربائية. الا ان الخلافات السياسية تعوق حسن الإستغلال، فالأزمة السياسية التي أحاطت بمشاريع السدود في الفترة الأخيرة، كفيلة بإقفال الباب أمام إستغلال الموارد المائية لضمان أمن غذائي صحيح. وتأتي عرقلة بناء السدود برغم وجود موطىء قدم قانونية لملف المياه، أقله من خلال اقرار الحكومة في العام 2012 لـ “الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه”، حيث أطلقت وزارة الطاقة والمياه ضمن هذه الاستراتيجية 7 مشاريع سدود، ومشروع “إعادة تأهيل شبكات المياه في بيروت وجبل لبنان للحد من الهدر التقني للمياه”.

وتنظر المنظمات الدولية بعين الإستغراب لتسييس الدولة اللبنانية لملف المياه، حيث أكّد كلّ من المسؤول عن قضايا الأمن الغذائي في الإسكوا، محمد الحمدي، وخبير الري في المكتب الإقليمي لـ “الفاو” في القاهرة، فوزي كاراجة، لـ “المدن” ان لبنان لن يستفيد من مياهه في انتاج الكهرباء والسياحة وحل مشاكل الزراعة، ما لم يستثمر مياهه ويبني عليها السدود.
وحول مقولة الحرب على المياه، التي يتوقعها البعض كأساس للحروب العالمية المقبلة، أشار الحمدي الى عدم موافقته على هذه الفكرة، مؤكداً ان “الخلافات حول المياه يمكنها ان تكون مدخلاً للتعاون، خاصة بين الدول التي تشترك في مصادر المياه. فلماذا لا يكون هناك تعاون بين سوريا ولبنان في ادارة مياه العاصي، وكذلك الأمر بالنسبة لنهر الفرات وانهار أخرى، بين دول أخرى”. ولفت الحمدي النظر الى ان “مشكلة لبنان ليست في كمية الموارد، وانما في ادارة الموارد”، متسائلاً، “ألا يشكل تلوث نهر الليطاني مثلاً عاراً بالنسبة لبنان؟”. علماً ان “نصيب الفرد في لبنان من المياه، رغم تدنيه، لا يزال افضل من كثير من الدول المجاورة”.
سوء استغلال وإدارة المياه يهدد الزراعات المروية في العالم العربي، ويهدد الأمن الغذائي، ومساحات الغابات التي باتت تتراجع بنسبة 1.1% سنوياً، ويزداد الوضع سوءاً مع الوقت، حيث سيصل العجز المائي العربي الى 37% في العام 2025، ليتجاوز 51% منتصف هذا القرن، مدعوماً بتغير المناخ، وفق ما يشير إليه البنك الدولي. ولكن يبقى الحل بإستغلال اراضي السودان، فهو ميزان الأمن الغذائي العربي، وذلك عبر “اعطاء الاولوية للمشروعات التي تساهم في انتاج السلع الاستراتيجية وفقاً لحجم الفجوة الغذائية من الحبوب والزيوت النباتية والاعلاف والسكر والالبان والاجبان والاسماك والخضار والفاكهة”. ويمكن للسودان تحقيق الأمن الغذائي العربي وتوفير المياه نظراً لتعدد مناخاته وتوفر المسطحات المائية فيه، بالاضافة الى “الأراضي الخصبة، بمعدل حوالي 80 مليون هكتار، فضلا عن المراعي الطبيعية بمعدل 47 مليون هكتار، والغابات بمساحة حوالي 74 مليون هكتار، ناهيك عن ارتفاع معدلات الأمطار حيث تتراوح بين 50 ملم في الشمال الى 1400 ملم في مناطق السافانا الغنية”، بحسب دراسات الهيئة العربية لإستثمار الانمائي والزراعي.