IMLebanon

“سوء تفاهم” بين فرنجية و”حزب الله”

sleiman-frangieh-hassan-nasrallah

ذكرت صحيفة “الأنباء” الكويتية أنّ صمتاً سياسياً مطبقاً يسود عند حزب الله والعماد ميشال عون منذ الاطلالة الإعلامية الأخيرة للنائب سليمان فرنجية، فلم يصدر عنهما أيّ تعليق أو رد رسمي أو علني على ما قاله رغم النقاط الكثيرة الحساسة التي وردت في كلامه.

وفي هذا الاطار، عُلم أنّ حزب الله أجرى اتصالا بالعماد عون عبر الحاج حسين الخليل الذي نقل من السيد حسن نصرالله رسالة تجدد التأكيد على أن مرشح الحزب الأول والأوحد هو العماد عون، وتتمنى عليه الهدوء وعدم توسيع المشكلة مع فرنجية.

وأهم ما في هذه الرسالة أن حزب الله يعتبر أن فرنجية يصوب على عون ويصور المشكلة معه فيما مشكلته الفعلية هي مع الحزب، وهو لا يريد ولا يستطيع الإعلان عن ذلك.

وتقول أوساط سياسية واسعة الاطلاع ان «اتفاق باريس» بين فرنجية والحريري لم يمر عند حزب الله الذي له مشكلة مع الاثنين:

فمن جهة يعتبر حزب الله أن الرئيس سعد الحريري ليس هو من يقرر عودته الى لبنان والى رئاسة الحكومة، ومن يحدد توقيتها ومن ضمن أي إطار وشروط.

كما يعتبر أن موافقة الحريري على انتخاب فرنجية رئيسا للجمهورية وبالتالي على مبدأ أن يكون رئيس الجمهورية من فريق 8 آذار ليست كافية ليعود رئيسا للحكومة، وأن المسألة لا تختصر ولا تختزل بمعادلة فرنجية لرئاسة الجمهورية مقابل الحريري لرئاسة الحكومة، وإنما تتطلب حوارا مستفيضا حول كل المسائل المطروحة والعالقة والتي عناها السيد نصرالله في دعوته الى التسوية الشاملة من ضمن السلة الواحدة التي تضم رئاسة الجمهورية والحكومة، رئاسة وتوازنات وبرنامجا سياسيا، وقانون الانتخاب، إضافة الى المواقع الاساسية في الدولة مثل قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان ورؤساء الأجهزة الأمنية، إضافة الى الملفات الدقيقة والمهمة مثل المحكمة الدولية وسوليدير والنفط.

باختصار، فإن حزب الله لا يرضيه أن يتعامل معه الحريري على أنه هو من يحدد ويقرر وأن يقول لحزب الله وفريقه: خذوا رئاسة الجمهورية وأعطونا الحكم وكل ما عداها.

من جهة ثانية، ليس حزب الله راضيا عن الطريقة التي تصرف بها فرنجية مع الحريري في باريس، ومع عون بعد عودته من باريس.

مما لا شك فيه أن فرنجية يعد حليفا أساسيا لحزب الله وموثوقا منه، وطالما اعتبر المرشح الرئاسي رقم 2 بعد عون وعند البعض «الورقة الرئاسية الفعلية المستورة».

لكن حزب الله يعتبر أن فرنجية ليس مخولا ولا مفوضا لإبرام اتفاق مع الحريري ولإعطاء تعهدات في كل المسائل التي أثارها الحريري ولو أخذت هذه التعهدات شكل آراء ومواقف شخصية غير ملزمة لأحد.

صحيح أن حزب الله أعطى فرنجية الضوء الأخضر كي يذهب للقاء الحريري، ولكن لم يعطه تفويضا وإنما أعطاه «إذنا» حذرا مقرونا بنصيحة أن يذهب ليرى ما لدى الحريري من عروض واستعدادات، وأن يتنبه لعدم تكرار تجربة عون عندما استدرجه الحريري الى حوار فاشل ولعدم الوقوع في أفخاخ سياسية.

تبين لاحقا أن «اتفاقا شخصيا» حصل بين فرنجية والحريري في باريس شمل، إضافة الى أن يكون فرنجية في رئاسة الجمهورية مقابل أن يكون الحريري في رئاسة الحكومة، تفاصيل كثيرة منها قانون الانتخاب حيث لا يخفي فرنجية تفضيله لقانون الستين، والحقائب الوزارية والمواقع العسكرية والأمنية، حتى أن البحث وصل الى مسألة الحماية الأمنية الشخصية للحريري في بيروت، ويقول فرنجية إنه لم يكن يتصور أن تتطور الأمور في لقاء باريس وأن يذهب الحديث الى هذا الحد وقد فوجئ بتسارع الأمور لأن الحريري كان أخذ قراره في ترشيحه لرئاسة الجمهورية.

بعد عودته من باريس، وجد فرنجية أن اتفاقه مع الحريري انكشف وخرج الى العلن، وأن هناك من تقصد تسريبه، ليجد نفسه أمام مهمة صعبة وعاجلة هي شرح وتبرير ما حدث خصوصا للعماد ميشال عون الذي لم يكن على علم مسبق بلقاء باريس.

فكانت زيارة فرنجية الى الوزير جبران باسيل في البترون في ظل استقبال بارد وجو متشنج، ثم زيارته للقاء عون في الرابية حيث عقد لقاء قصير وغير مريح وأكثر ما أزعج فرنجية في هذا اللقاء كان وجود الوزير باسيل فيما هو كان يفضله خلوة شخصية مع عون.

أدرك فرنجية بعد لقاء الرابية أن عون يقفل طريق الرئاسة أمامه وليس في وارد الانسحاب لمصلحته ولم يعد أمامه إلا الرهان على حزب الله للتدخل وإقناع عون أو ممارسة ضغط عليه للانسحاب لمن هو حليف من الخط ولديه فرصة ذهبية للوصول الى قصر بعبدا.

إذا كان خطأ الحريري يقع في مجال «الحسابات والقراءة الخاطئة لموقف حزب الله ولموازين القوى في لبنان والمنطقة»، فإن الخطأ السياسي الذي ارتكبه فرنجية في باريس وبعدها كان «الاستعجال وحرق المراحل».

لقد بدا على عجلة من أمره في تسويق الاتفاق ووضعه موضع التنفيذ، ولكن النتيجة جاءت عكسية.

ولعل الخطأ التكتيكي الأبرز حصل في مقابلته التلفزيونية التي زادت حزب الله حذرا وأثارت انزعاجا لعدة أسباب أبرزها:

الهدف الأساسي المفترض للمقابلة كان تهدئة عون واستيعابه واسترضائه، لكن فرنجية مارس في كلامه «التحدي والاستفزاز» وكان إيجابيا تجاه الجميع ما عدا عون.

فرنجية نقل المشكلة من عند فريق 14 آذار الذي لم يتفق بعد على مسألة ترشيحه الى داخل فريق ٨ آذار، وحيث غطت مشكلة عون فرنجية على مشكلة جعجع ـ الحريري.

فرنجية بإشارته المتكررة الى تنسيق مسبق مع السيد نصرالله في كل خطوة يخطوها، تسبب عن قصد أو غير قصد في خلق مشكلة بين حزب الله وعون لمجرد أنه أوحى بوجود تنسيق مع حزب الله من تحت الطاولة ومن وراء ظهر عون أو ما يشبه «التواطؤ».

فرنجية أفاض في إعطاء تطمينات لفريق 14 آذار في حين أن هذا الأمر يقع على عاتق الحريري الذي عليه أن يطمئن فرنجية فيما على فرنجية أن يطمئن فريقه طالما أن الاتفاق حاصل بينهما وبات على كل منهما تسويق الاتفاق داخل فريقه.

فرنجية تجاوز مسألة أن عون هو مرشح 8 آذار الرسمي والمعلن وقدم نفسه مرشحا منافسا وموازيا لعون، موحيا أن الوقت قد حان الآن للانتقال مع حزب الله الى «الخطة ب» أي طرح البديل عن عون.

بعد كل هذه التطورات، فقدت مبادرة الحريري، التي لم تصبح رسمية بعد، الزخم وقوة الدفع وباتت بحاجة الى «صيانة وإعادة تأهيل» و«إعادة إنتاج»، وأصبحت كرة الرئاسة خارج اتفاق الحريري ـ فرنجية اللذين فقدا السيطرة على المسار الرئاسي وقدرة التحكم به، وبات الاستحقاق الرئاسي الآن أمام هذه المعطيات:

لا انتخابات رئاسية من دون حزب الله، ولا موقف لحزب الله من خارج موقف عون ومن دونه.

مصير مبادرة الحريري وكذلك الاستحقاق الرئاسي في يد العماد عون الذي إما أن يبقى متمسكا بترشيحه الى حين يقتنع الحريري بانتخابه، أو يتخلى عن ترشيحه بعدما يكون الحريري فاوضه واتفق معه، وعلى أساس هذا الاتفاق الذي هو جزء من تسوية شاملة ينتخب فرنجية.

الاستحقاق الرئاسي الذي يدور في عمقه ضمن مناخ صراع سني شيعي ويعد جزءا من هذا الصراع ومن نتائجه، يتوقف حاليا عند الموقف المسيحي، وحيث يمتلك كل من عون وجعجع قدرة التأثير في هذا الاستحقاق وتحديد اتجاهاته وخلط أوراقه: عون إذا قرر السير بالتسوية ووافق على انتخاب فرنجية مقابل شروط وضمانات، وجعجع إذا قرر ترشيح عون ردا على ترشيح الحريري لفرنجية.

ولكن حتى الآن لا مؤشرات الى هذا التوجه أو ذاك.

فلا عون مستعد للتراجع في آخر معاركه السياسية والرئاسية، ولا جعجع مستعد لقبول عون للأسباب السياسية التي دفعته لعدم قبول فرنجية.

ما سمي «التسوية الرئاسية» ومبادرة الحريري على أساس اتفاقه مع فرنجية، أمام احتمالين: إما التعويم وفي خلال مهلة الأشهر الثلاثة المقبلة ولكن في ظروف ومناخات مختلفة يكون حدث فيها «ترويض» للمبادرة وأصحابها. وإما طي هذه الصفحة والانتقال جديا هذه المرة الى «الرئيس التوافقي»، بعدما يكون المرشحون الموارنة الأقوياء ألغوا ترشيحات وفرص بعضهم بعضا.