IMLebanon

أبرز محطات سوق النفط وأسعارها: أميركا تتوسع على حساب “أوبك”

OilMarketprices
جاسم عجاقة

لا شك في أن سوق النفط من أكثر الأسواق التي تتأثر بالأحداث الجيوسياسية والإقتصادية، نظراً لإندماجها في الحياة العصرية. وبالنظر إلى البيانات التاريخية، نلاحظ أن الأزمة المالية العالمية في العام 2008 والأحداث الجيوسياسية في العام 2014، كانت من أهم العوامل التي أثرت على سعر برميل النفط.

منذ إكتشافه في العام 1870 على يد صيدلي أميركي، لم ينفك النفط يتغلغل في البنية الاقتصادية للدول المُتطورة إقتصادياً. وبدأ تعلق الاقتصاد بالنفط يظهر إلى العلن مع الثورة الصناعية وخصوصاً في سبعينات القرن الماضي حين امتنع العرب عن تسليم النفط، وتضررت جراء ذلك العديد من الإقتصادات وعلى رأسها الاقتصاد الأميركي. هذا الضرر دفع بالأميركيين إلى خلق مخزون إستراتيجي يكفي الولايات المُتحدة الأميركية شهور عدة. لكنّ ذلك لم يكفِ إلا لخلق عازل مؤقت للإقتصاد الأميركي، ففي ثمانينات القرن الماضي إندلعت الحرب بين العراق وإيران، وحدّ الدمار الذي طال منصات الإستخراج من القدرة الإنتاجية النفطية للدولتين. ومع إنتهاء الحرب عاد كلا البلدين إلى سوق النفط مع زيادة إنتاجهما.

ومع اجتياح العراق للكويت في العام 1990، بسبب إتهام الرئيس صدام حسين الكويت بسرقة النفط العراقي، قلّ العرض في السوق نتيجة دمار ما يزيد عن 700 منصة إستخراج للنفط في الكويت، وهذا أدى إلى ارتفاع الأسعار مع تراجع المعروض. لكن التدخل العسكري الأميركي أعاد الأمور إلى نصابها مع تحرير الكويت. في هذا الوقت كان الاقتصاد العالمي يشهد زيادة في الطلب على النفط، والذي ما لبث أن تقلص مع الأزمة المالية التي ضربت دول جنوب شرق أسيا (تايلندا، أندونيسيا، وكوريا الجنوبية). وفي العام 1999 ومع إنتهاء هذه الأزمة عاد الطلب على النفط إلى الإزدياد، وبذلك نلحظ بدء صعود هيكلي لأسعار النفط مدعومة بإنتعاش كبير للإقتصاد الأميركي الذي كان يعيش أعلى مستوياته مع تطور الإنترنت.
حرب الخليج الثانية في الأعوام 2001 إلى 2003، أتت كرد فعل على الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من أيلول 2001. هذه الحرب زادت المخاوف على القدرة الإنتاجية للنفط في منطقة الشرق الأوسط. وهذا ما حصل فعلاً، إذ تقلّص الإنتاج متزامناً مع ارتفاع الطلب الآسيوي على النفط ما أدى إلى ارتفاع تاريخي لسعره، حيث بلغ سعر برميل النفط 150 دولارا أميركيا للبرميل الواحد، وبذلك أخذ النفط يلعب دوراً إستراتيجياً أكبر مع ظهور الإقتصادات النامية التي بدأت بإستهلاك النفط بشكل كبير، تغيرت معه اللعبة وخصوصاً في أواسط العقد الماضي. لكن بدء الأزمة المالية في العام 2008 وتمددها إلى إقتصادات الدول المتطورة، دفع بالطلب إلى التراجع بشكل كبير ومعه الأسعار التي لامست الثلاثين دولارا أميركيا للبرميل الواحد وذلك في فترة تقل عن العام.

وكان للربيع العربي تأثير كبير في السوق النفطية حيث أن توقف الإنتاج الليبي الذي سبب ضررا على إقتصادات أوروبية عدة، ودفع بالأسعار إلى الصعود حيث عادت إلى مستويات 110 دولارا أميركيا للبرميل الواحد. وإستمر الوضع على ما هو عليه حتى الاتفاق الأول على النووي الإيراني في تشرين الثاني 2013، ما أوحى بعودة إيران إلى منتدى الدول المصدرة للنفط وإستعادة مكانتها في السوق وبالتالي زيادة العرض. وهذا دفع الأسواق إلى لجم أسعار النفط. وفي منتصف العام 2014 بدأت هذه الأسعار مسيرتها الإنخفاضية الطويلة مع ركود الاقتصاد العالمي وزيادة الإنتاج الأميركي، السعودي والروسي. وبلغ الإنتاج لهذه الدول مستويات تاريخية حيث أنه في العام 2015، بلغ الإنتاج الأميركي من النفط أعلى مستوى له منذ مئة عام. كما أن الروس زادوا من الإنتاج بشكل ملحوظ منافسين بذلك الإنتاج السعودي، ما أغرق الأسواق بالنفط وبالتالي هبط سعر برميل النفط إلى 35 دولارا أميركيا. كما كان للإتفاق على النووي الإيراني وإقراره من قبل الكونغرس الأميركي في أيلول 2015 أثر كبير في التوقعات الإنخفاضية لأسعار النفط.

أداة جديدة في يد السلطات الأميركية

تقليدياً، تُعتبر دول الأوبك المؤثر الأساسي على الأسعار في سوق النفط، بحكم أن الدول النفطية غير المنتسبة لمنظمة أوبك تُنتج بكامل قدرتها الإنتاجية ما يوازي 53% من الإنتاج العالمي، والباقي تقوم بإنتاجه دول الأوبك التي تمتلك قدرة إنتاجية غير مستخدمة خصوصاً المملكة العربية السعودية. لكن الأمور تغيرت مع بدء إنتاج النفط الصخري الأميركي الذي سمح للولايات المتحدة الأميركية بزيادة إنتاجها اليومي إلى 12.5 مليون برميل. وهذه القدرة مرجّحة للإزدياد مع تزايد الإستثمارات وتطور التكنولوجيا. وكنتيجة لهذا الواقع سمح الكونغرس الأميركي، ضمن مشروع موازنة العام 2016، للشركات النفطية الأميركية بتصدير النفط وذلك بعد إنقطاع دام أكثر من 40 عاماً (على أثر أزمة العام 1973).
هذا يعني أن التحكم بأسعار سوق النفط سيتحول من يد دول الأوبك إلى يد الولايات المُتحدة الأميركية. لكن هذه السيطرة تتمثل بشقّين: الأول على سوق العرض عبر التصدير، والثاني على سوق الطلب بحكم أن الولايات المُتحدة من أكبر مستهلكي النفط في العالم، ودول عدة تتعلق بالإستيراد الأميركي (فنزويلا، المكسيك، كندا، المملكة العربية السعودية…). وبالتالي أصبح النفط بيد أميركا أداة أساسية سواسية مع الديبلوماسية، العقوبات الاقتصادية والحرب العسكرية، لفرض رغبتها وسياستها بين دول العالم النامية وتلك التي في طور النمو خصوصاً التي تمتلك ثروات طبيعية.