IMLebanon

النفط في 2015: المستهلكون أكبر الرابحين.. وتوقعات بمزيد من التراجع

Oil-Gold

حيدر الحسيني
يسدل العام 2015 ستارته على خسائر حادة لأسعار النفط العالمية تتجاوز قيمتها 36 في المئة خلال سنة واحدة منذ نهاية عام 2014، لكنها تتخطى 67 في المئة خلال عامين منذ آخر سنة 2013.

بذلك يكون البرميل خسر 21 دولاراً تقريباً في عام واحد، وراكم خسارة ناهزت 75 دولاراً خلال سنتين، بنتيجة هبوط سعر برميل خام القياس العالمي برنت تدريجاً من 111,36 دولاراً في 31 كانون الأول 2013 إلى 57,56 دولاراً في 30 كانون الأول 2014، ثم إلى 36,61 دولاراً عن التسوية يوم الإثنين الماضي.

تخمة المعروض التي تناهز مليوني برميل يومياً في الأسواق الدولية تزامناً مع الركود الاقتصادي العالمي بصفة عامة، معادلة حكمت سوق النفط، ولا تزال، وقد أدّت عملياً إلى تدهور الأسعار لأدنى مستوياتها في 11 عاماً.

وفي الوقت الذي تذهب معظم التوقعات إلى زيادة إضافية في المعروض العام المقبل، لا سيما مع عودة إيران المرتقبة إلى الأسواق الدولية، تلازماً مع غموض مستمر لآفاق اتجاهات اقتصاد العالم، يصبح من نافل القول إن سيناريو الهبوط المستمر للأسعار بات الأكثر ترجيحاً في الأمد المنظور على الأقل، خاصة مع ثبات منظمة الدول المصدرة «أوبك» حتى الساعة على قرارها عدم خفض إنتاجها للحفاظ على حصتها السوقية.

أمام هذا الواقع، دفعت موازنات الدول المنتجة لمصادر الطاقة، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ثمناً باهظاً لهبوط الأسعار تجلّى بأوضح صوره عملياً في تقديرات أوضاع موازناتها لسنة 2015 ومشاريع موازناتها لعام 2016.

هذا ما دفع بحكومات الدول المنتجة إلى اتخاذ تدابير اسثنائية لضبط إيقاع ماليتها العامة ولجم العجز المالي المتفاقم، بعدما بلغت خسائر الدول والشركات المصدّرة بحسب التقديرات الأولية 1400 مليار دولار هذه السنة، مقابل مكاسب حصدتها، كنتيجة طبيعية، البلدان المستهلكة التي تستفيد من انخفاض الأسعار، بصفتها دول مستوردة سواء للخام أو المحروقات.

فما هو انعكاس هذا المشهد على البلدان المصدّرة والمستوردة من خلال أداء ماليتها العامة؟

«ورطة» الإنتاج!

لطالما باهت الدول المنتجة كل العالم المستهلك لنفطها، وعاشت بحبوحة على مدى عقود من انتعاش الأسعار، وإن شهدت بعض التقلبات الحادة من حين لآخر تبعاً للتطورات السياسية والأمنية والاقتصادية في العالم. لكنها مع ذلك تجد نفسها اليوم في «ورطة» لمجرّد كونها دول منتجة مضطرة لأن تبيع بسعر «بخس» سلعتها الأساسية شبه الوحيدة التي تعتاش منها، لأن مصادر الطاقة تشكل في موازنات بعض الدول أكثر من 90 في المئة من الإيرادات، مع لحظ أن تأثّر البلدان مالياً بهبوط السعر يخفّ كلما تدنّت تكلفة الإنتاج، وهي الأدنى في المملكة العربية السعودية.

بوضوح على خلفية هبوط النفط، أعلنت المملكة، وهي أكبر مصدّري النفط عالمياً، بإنتاج يومي يناهز 10,4 ملايين برميل، تسجيل عجز قياسي بقيمة 98 مليار دولار في موازنة 2015، هو الأكبر في تاريخها، كما تتوقع أن يبلغ عجز موازنة 2016 ما قيمته 87 مليار دولار، بانخفاض 11 مليار دولار. ويمثل العجز المحقق سنة 2015 نسبة 15 في المئة من الناتج المحلي المجمل الذي من المتوقع أن يبلغ 653 مليار دولار.

هذا ما دفع بالحكومة إلى اتخاذ جملة تدابير بمواجهة هذا الوضع الاستثنائي، من خلال تقليص دعم مواد أساسية، بينها الوقود، ورفع أسعارها بنسب فاقت الثلثين، وزيادة فاتورة الكهرباء والمياه على كبار المستهلكين بنسب وصلت الى 70 في المئة، وذلك في محاولة لافتة لتنويع مصادر الدخل والتعويض من بعض الإيرادات الفائتة نتيجة هبوط سعر البترول، بما يُفضي في النهاية إلى جعل مساهمة الإيرادات النفطية بنحو 40 في المئة فقط من مداخيل الدولة، بدلاً من مستوياتها المرتفعة حالياً.

في الإمارات، أقرت الحكومة موازنة اتحادية أصغر قليلاً لعام 2016، في مؤشر على خفض النفقات بسبب تدني سعر النفط، حيث تحدّدت عند 48,56 مليار درهم تعادل 13,2 مليار دولار من دون عجز متوقع، لكن نزولاً من 49,1 مليار درهم في موازنة 2015، فيما يشير خفض الإنفاق الاتحادي بعد زيادته لعدة سنوات على التوالي، إلى أن توخي السلطات الحذر بسبب تأثير انخفاض النفط على إيرادات الدولة.

في الكويت، أقرت الحكومة موازنة تقشفية لسنة 2015- 2016، خفضت فيها النفقات 17,8 في المئة، عما هو مقرر في السنة المالية الماضية 2014 -2015، بسبب هبوط النفط، فيما يعتبر وزير النفط بالوكالة وزير المالية، أنس الصالح، أن سعر توازن الإيرادات والنفقات هو 72 دولاراً للبرميل، في حين اعتمدت الموازنة سعر 45 دولاراً بمعدل إنتاج يبلغ 2,7 مليوني برميل يومياً، ما يعني العجز المتوقع بعد استقطاع 10 في المئة لاحتياطي الأجيال القادمة سيسجل 8,226 مليارات دينار.

بدورها، إيران خفضت 2,6 في المئة حجم مشروع موازنة السنة المالية القادمة التي تبدأ في 20 آذار المقبل، مقارنة بخطة السنة الحالية، بعدما تأثرت ماليتها العامة بهبوط سعر النفط، وحدّدتها مبدئياً عند 2,67 تريليوني ريال إيراني، وهي قائمة على سعر صرف رسمي يبلغ 29 ألفاً و970 ريالاً للدولار، لتبلغ قيمتها 89,1 مليار دولار.

.. و«سفرصة» الاستهلاك!

في مقابل معاناة الدول المنتجة مالياً وتنموياً واقتصادياً من تبِعات هبوط أسعار النفط العالمية، يشكل الوضع القائم فرصةً للدول المستهلكة، التي استفادت منذ بدء البرميل مساره النزولي من خلال خفض فاتورة استيراد المحروقات والحدّ من مفاقمة عجوزاتها المالية في ظل أزمات سياسية وأمنية تتخبط بها المنطقة، ويزيد طينتها بِلّةً تراجع حركة السياحة الإقليمية والركود الاقتصادي والاستهلاكي المستحكم، ناهيك عن تداعيات أزمة اللاجئين التي تتخبط فيها الدول المحاذية لسوريا.

مثلاً، لبنان الذي خسر حركة سياحية خليجية وعربية كسب في المقابل من هبوط سعر النفط لانعكاس تراجع سعر البنزين وبقية المحروقات ارتفاعاً في القدرة الشرائية للمستهلك، فضلاً عمّا أدى إليه تقلص الفاتورة النفطية التي تشكل رُبع حجم حركة الاستيراد من خفض نسبته 20 في المئة على الأقل في تحويلات خزينة الدولة إلى شركة كهرباء لبنان، ما أسهم تالياً في لجم عجز الموازنة ضمن حدود 4 مليارات دولار تقريباً سنة 2015، علماً أن لبنان لم يتمكّن من تمرير مشروع موازنة واحد منذ أكثر من 10 سنوات بسبب المأزق المستمر في مشهده السياسي.

كما استطاع مصرف لبنان (المركزي) أن يزيد احتياطي العملات الأجنبية لديه 176,19 مليون دولار خلال النصف الأول من كانون الأول 2015 إلى 37,99 مليار دولار، ليبلغ مجمل احتياطياته (عملات صعبة وذهب) 47,8 مليار دولار، بما يشكل أكثر من 69 في المئة من دينه العام المجمل الذي تخطى 69 مليار دولار في تشرين الأول الماضي، ويغطي أكثر من 137 شهراً من خدمة هذا الدين.

وعلى مسار مالي مشابه تقريباً في الأردن، أقرت الحكومة موازنة عام 2016 بقيمة 8496 مليون دينار (11,9 مليار دولار) بعجز مقدّر بـ915 مليون دينار، مستفيدة في ضبط العجز نسبياً من جهة من المساعدات الخليجية، ومن جهة اُخرى من انخفاض فاتورة واردات النفط والغاز، علماً أن صندوق النقد الدولي الذي يخوض محادثات مع الأردن، يطالبه بإلغاء سياسة الدعم، وخاصة للكهرباء.

وتشير البيانات الأردنية الرسمية إلى أن انخفاض فاتورة الطاقة بنسبة 48 في المئة نتيجة تدهور أسعار النفط العالمية، قد ساهم في نمو احتياطيات المصرف المركزي من العملات الأجنبية بنسبة 7,2 في المئة إلى 15,11 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري.

في المحصّلة، يبدو أن الدول المنتجة للنفط ستكون سنة 2016 وما بعدها بعامين أو ثلاثة أمام مزيد من التحديات، خاصة إذا ما صحّت توقعات «أوبك» بأن ترتفع الأسعار تدريجاً في السوق العالمية فوق 70 دولاراً، لكن بعد 4 سنوات، وخفضها توقعات الطلب العالمي على نفطها سنة 2020 عن مستواه المرتقب لعام 2016. وفي المقابل، تبقى الدول المستهلكة في خانة المنتفعين من هبوط الأسعار، لكن مدى استفادتها يبقى مرهوناً بجملة من الإصلاحات المالية والاقتصادية لجني أكبر قدر ممكن من هذه «الفرصة»، وفي طليعتها تكثيف الجهود لمكافحة الفساد في القطاعين الخاص والعام.