IMLebanon

“حزب الله” في مضايا: الطعام مقابل الأرض

madaya

 

كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”: منذ إنخراطه في الحرب السورية تحت حجج متعددة ومتنوّعة سعى من خلالها إلى تبرير عدوانه، وسكوته عن مجازر نظام الأسد المتكررة بحق الشعب السوري والمتنقلة بين منطقة وأخرى، ها هو “حزب الله” وبالتنسيق مع نظام القتل، يفرد لنفسه صفحات جديدة وموثقة في تاريخ الجرائم الإنسانية من خلال محاصرته بلدة مضايا في ريف دمشق وتجويع أهلها ومنعهم من الحصول على فُتات الخبز أو شربة ماء، في مشهد بدا وكأن التاريخ قد استعاد مجموعة صور من زمن الحروب العالمية لأطفال يتكئون على الأرض وهم يموتون جوعاً، بينما عيونهم مفتوحة باتجاه السماء وكأنها تنتظر عدالتها بعدما فقدتها على الأرض.

بالأمس وأمام صور ومشاهد أطفال “مضايا” وهم يموتون جوعاً وعطشاً، سقطت كل بيانات وإدعاءات النصر “الإلهي” وتبريرات القتل، تماماً كما سقط “الواجب الجهادي” وملحقاته بدءاً من “التكليف الشرعي” لخوض الحرب السوريّة وإنتظار “المنتظر” لتحل عدالته على أرض غاب العدل عنها بعد حصار دائم لما يُقارب 23 الف مواطن سوري منذ أكثر من سبعة أشهر بهدف اجبارهم على الرحيل في عملية تسفير عرقية كانت شهدتها من قبل مدينة “القصير” وبعدها عدد من قرى “القلمون”، لكن مع فارق وهو عروضات قدمها “حزب الله” لأهالي البلدة عبر سماسرة يطلب منهم التخلّي عن ممتلكاتهم لقاء مبالغ زهيدة، وذلك ضمن مناطق تعتبر هي الأغنى زراعياً في سوريا في وقت تؤكد المعلومات ان السعر الحقيقي يتجاوز السعر المعروض بعشرات المرات.

منذ سبعة أشهر ولغاية اليوم لقي أكثر من ثلاثين شخصاً من بلدة مضايا حتفهم بسبب الجوع ونقص الدواء، وتشير روايات لعدد من المسلحين الذين غادورا البلدة مؤخراً عقب الاتفاق الذي تم بين المعارضة من جهة و”حزب الله” والنظام من جهة اخرى، إلى أن نقص الغذاء أجبر السكان على أكل القطط والحشائش والنفايات، وأن هناك حالات وفاة كثيرة، بينهم نساء وأطفال. وبعد تفاقم الأمور وارتفاع الأصوات وحالات الغضب الشعبي في معظم دول العالم والتي اتهمت الحزب بارتكاب مجازر جماعية، أصدر الاخير أمس بيان رفع عتب، حاول من خلاله رفع المسؤولية عنه عندما اتهم مجموعات مسلحة يفوق عددها 600 عنصر يأخذون البلدة رهينة ويمنعون وصول المواد الغذائية إلى أهلها”.

في مخيمات النزوح في لبنان والتي تتوزع من اقصى الشمال الى الجنوب، يتحدث الكثيرون عن صعوبة الأيام التي تمر بها مضايا اليوم في ظل الحصار القاتل. يسأل أحد الأطباء النازحين عن روايات “حزب الله” في ما خص واقعة “عاشوراء” والتي تتحدث عن حصار صاحب الواقعة ومنع وصول الماء والطعام اليه والى عائلته، فيقول “لقد بلغ سوء الأوضاع بمضايا في الأيام الأخيرة حدا لا تستسيغه الإنسانية، لقد تردت الأوضاع الصحية لأهالي المدينة، حيث وصلت للمستشفى مئات حالات التسمم نتيجة أكل أوراق شجر الزيتون، وهي المادة الخضراء المتبقية في البلدة بعد تساقط الثلوج. الا يوجد شبه بين الواقعتين؟ اليس المجرم هو نفسه اليوم؟”.

وفي وقت حذر فيه الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية من كارثة إنسانية تهدد حياة المحاصرين جوعاً وبرداً في مدينتي مضايا وبقين بريف دمشق الغربي، ومن صمت المنظمات الدولية وجعلها شريكة في جريمة حصار المدنيين، أكد مدير مؤسسة “لايف” الحقوقية اللبناني نبيل الحلبي أن “هذه الممارسات تأتي ضمن سياسة ممنهجة من أجل تهجير أهالي ريف دمشق قسرياً، عبر تطبيق معادلة (مقايضة الأرض مقابل الغذاء)، وذلك كما حصل في حمص القديمة تماماً”.

وأشار إلى أن “الأجندة الإيرانية في سوريا تهدف إلى إيجاد مساحة كبيرة تمتد من الزبداني والقلمون والقصير وحمص والساحل، وتبتلع كامل الحدود مع بقاع لبنان الشمالي- الشرقي، بهدف ربطها بمنطقة بعلبك الهرمل، على أن تكون لاحقاً “دويلة شيعية” تابعة لنظام الولي الفقيه”، مضيفا: لكي تنجح هذه الاستراتيجية يقتضي تهجير السكان السنة من هذه المناطق إضافة إلى تهجير أهالي عرسال اللبنانية”.

هي إذاً، فصول معاناة إنسانية جديدة في سوريا، أطلت هذه المرّة من بلدة مضايا لتُسقط ورقة التوت عن ممارسات “حزب الله” والنظام اللذين لا يوفّران وقتاً إلا ويستغلانه لإبتكار أساليب قمعية جديدة لمعاقبة شعب يرفض مغادرة أرضه ويُصرّ على الدفاع عنها حتّى ولو كان الثمن قتل عائلة بأكملها، فمن الممارسات داخل السجون وعمليات القتل على الهوية، إلى البراميل المتفجرة واستخدام الأسلحة الكيميائية، يُدخل اليوم الحلف “الممانع” اسلوباً جديداً إلى أجندته الإنتقامية من خلال إستخدامه وسيلة التجويع، وسيلة سقطت أمس عند أوّل حاجز للحزب والنظام عند مدخل البلدة بعدما مُنعت أوّل قافلة محملة بالمواد الغذائية تابعة للأمم المتحدة من العبور إلى بلدة العز وتوأم الزبداني في المقاومة والصمود والموت بعز، إن كُتب عليها الموت.