IMLebanon

لا داعي لاستعجال هيمنة الروبوتات على الأرض

robot-nuclear
تيم هارفورد

هل نقترب من لحظة مأساوية في التاريخ الاقتصادي؟ قبل تطوير البشر للزراعة، تضاعف عدد سكان العالم حجما، وبالتالي الاقتصاد العالمي، تقريبا كل ربع مليون سنة. بعد اكتساب قوة الزراعة، تضاعف حجم الاقتصاد العالمي خلال كل 900 عام. بعد الثورة الصناعية، تسارع النمو مرة أخرى، ومنذ الحرب العالمية الثانية كان حجم الاقتصاد العالمي يتضاعف مرة كل 15 عاماً، على التقريب. هذا الأرقام قام بجمعها روبن هانسون من جامعة جورج ميسون في ولاية فيرجينيا، وتستند إلى التخمينات المستنيرة لمختلف المؤرخين الاقتصاديين.

وهنالك تغيير آخر بنطاق مماثل قد يضاعف حجم الاقتصاد العالمي من الآن وحتى عيد الميلاد. هذا تغيير من الصعب تصوره، لكن هناك مجموعة صغيرة من المؤمنين تتوقع حدوث “نقطة شاذة” اقتصادية. وهانسون واحد منهم، وكذلك عالم الكمبيوتر راي كورزويل، مؤلف كتاب “النقطة الشاذة باتت قريبة”، هو ربما الأكثر شهرة.

النقطة الشاذة هي مرحلة تعمل عندها التكنولوجيات الجديدة على تطوير نفسها، بدلا من تطوير البشر لتكنولوجيات جديدة – وذلك بمعدل يفوق قدراتنا على الاستيعاب. قد تكون حضارتنا واقعة في أيدي “السايبورج” أو البشر المحسن وراثيا أو أي شيء آخر قادر على جعل نفسه أكثر ذكاء وبمعدل هائل. لم تعد تبدو فكرة أن حجم الاقتصاد قد يتضاعف مرة كل بضعة أسابيع فكرة مستحيلة.

أن نتخيل المستقبل، فهذا أمر، لكن أن نكون على ثقة بأنه بات قريبا، فهذا أمر مختلف تماما. يشير كثير من خبراء الاقتصاد إلى أن نمو الإنتاجية كان راكدا لفترة طويلة من الزمن، وهو أمر بالكاد ليس مقدمة لانطلاقة اقتصادية تغير وجه الأمور.

يبدو النمو في الاقتصادات المتقدمة، الذي هو أبعد من أن يكون متسارعا، بأنه يتطلب تحفيزا استثنائيا لمنعه من التوقف تماما. أما خبراء الاقتصاد الآخرون فهم أكثر تفاؤلا، ويذكروننا بحقيقة أساسية حول النمو الهائل السريع في القدرة الحاسوبية: إذا استمرت، فإنه حينها بالتعريف سيعمل النمو في المستقبل على تقزيم النمو الذي حصل في الماضي.

نشر وليم نوردهاوس من جامعة ييل ورقة بحثية تهدف إلى الفصل في هذا النقاش. إذ إنه يقترح سلسلة من الاختبارات للكشف عن النقطة الشاذة الوشيكة، بحثا عن أدلة بحيث تكون إما قوى الإنتاج أو السلع التي نستهلكها، هي التي يجري تحويلها من خلال الحوسبة.

يتعلق اختباره الأول بجانب الطلب. هل من المرجح أن المنتجات المعرضة للتفرد كالألعاب والأفلام والحواسيب ستمتص في النهاية معظم الإنفاق لدينا؟ حتى الآن، تبدو أن الإجابة هي لا، حيث إن نسبة الإنفاق على مثل هذه المنتجات آخذ في الانخفاض لأن أسعارها في تراجع.

إذا استمر هذا التوجه، فإن سلعا رقمية لا حدود لها ستكون وكأنها غلاف معقد من السكر على كعكة اقتصادية ثقيلة. سيتحرك اقتصادنا بوتيرة أبطأ القطاعات، وسوف نكون مقيدين بتحسينات الإنتاجية في المنتجات الدنيوية كالطعام والمأوى والنقل، إذ من الواضح أننا لا نستطيع أن نأكل تطبيقات الهواتف الذكية.

ربما، بدلا من ذلك، ستحدث الحوسبة ثورة تغير فيها الطريقة التي ننتج بها تلك المنتجات الدنيوية. وسيكون حينها الاختبار الثاني الواضح هو السؤال عما إذا كانت الإنتاجية في الولايات المتحدة آخذة في التسارع. إنها ليست كذلك.

تبحث الاختبارات الأخرى في أهمية السلع الاستثمارية في الاقتصاد. إذا كانت النقطة الشاذة مقبلة، قد يتوقع المرء منها بأن تصبح رخيصة جدا وتسيطر على الناتج الاقتصادي.

هل يشهد متوسط أسعار السلع الاستثمارية (التي تشمل أجهزة الكمبيوتر والبرمجيات وتشمل أيضا المباني والآلات) انخفاضا بالنسبة إلى الأجور بمعدل متسارع؟ الإجابة مرة أخرى هي لا. ماذا عن مخزون رأس المال بالنسبة للإنتاج الاقتصادي الأمريكي- هل هو في ارتفاع سريع؟ لا.

حتى الآن لا يوجد كثير من الأدلة على وجود النقطة الشاذة في البيانات، لكن يشير اثنان من الاختبارات بالفعل إلى هذا الاتجاه – حيث إن حصة الدخل القومي الأمريكي التي تعود لرأس المال بدلا من العمل آخذة في الارتفاع، وإن كان ذلك بوتيرة متواضعة، وهو ما نتوقعه في الوقت الذي تدخل فيه الروبوتات في الشؤون البشرية.

وضمن مخزون رأس المال، تكون حصة أصول المعلومات كالبرمجيات آخذة في الازدياد، على الرغم من أنها لا تزال تشكل فقط 6 أو 7 في المائة من المجموع.

يقول نوردهاوس إن هذين الاختبارين يشيران إلى أن النقطة الشاذة بعيدة لعدة عقود، أما اختباراته الأخرى كلها فتشير إلى الاتجاه الخاطئ تماما.

هنا، قد يشكو الحشد المؤيد للنقطة الشاذة من أن الإحصائيات الاقتصادية التقليدية تقوم بعمل ضعيف في قياس بعض الخدمات والمنتجات الجديدة. على سبيل المثال، يأتي الهاتف المحمول مصحوبا بعشرات المنتجات المجانية – مصباح يدوي وساعة منبه والكثير الكثير.

يعترف نوردهاوس بكل هذا- حيث أنه أحد القوى العالمية الرائدة في قياس قيمة السلع التي تغيب عن الإحصائيات التقليدية. كما أنه يفكر أيضا في مختلف التدابير العكسية كالوقت الذي يمضيه الناس في استهلاك السلع الرقمية مثل البريد الإلكتروني، لكن لا تشير أي من هذه الجهود إلى أي شيء تحويلي إلى الآن.

لعل هذا هو التهاون. في الأفلام، يغلب على استيلاء الروبوت أن يكون أمرا مفاجئا. ربما أن الكائنات البشرية المعززة بقدرات آلية اختطفت وليم نوردهاوس الحقيقي وتستخدم الآن اسمه لنشر المعلومات المضللة. ورغم ذلك، من الأرجح أن النقطة الشاذة ليست قريبة.