IMLebanon

خروج بريطانيا من أوروبا يهدد نمو الاقتصاد والاستثمارات الأجنبية

Brexit-EU-UK-Britain
هناك عدد قليل من القضايا يوحّد الاقتصاديين، لكن خروج بريطانيا هو إحداها، حيث يعتقدون بشكل ساحق أن مغادرة الاتحاد الأوروبي أمر سييء بالنسبة للآفاق الاقتصادية البريطانية.

في استطلاع الرأي السنوي الذي أجرته صحيفة «فاينانشيال تايمز»لأكثر من 100 مُفكر رائد، لم يعتقد أي منهم أن التصويت لخروج بريطانيا سيكون مفيدا لنمو المملكة المتحدة في عام 2016.

وأعرب نحو ثلاثة أرباعهم أن مغادرة الاتحاد الأوروبي من شأنها إلحاق الضرر بإنفاق بريطانيا على المدى المتوسط، أكثر بتسعة أضعاف من نسبة الـ 8 في المائة الذين اعتقدوا أن بريطانيا سوف تستفيد من المغادرة. أقل من 18 في المائة بقليل اعتقدوا أن ذلك من شأنه إحداث فرق ضئيل.

واحد من الأسباب الرئيسة لخوف مختصي الاقتصاد من التصويت بالمغادرة هو أنه سيثير قدرا كبيرا من عوامل اللبس، التي ستوقف الشركات عن الاستثمار والأسر عن الإنفاق، ما يلحق الضرر بالنمو.

آدم بوسن، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، قال، إن “الجرح الكبير الذي ستلحقه بريطانيا بنفسها” حين تصوت من أجل خروجها من الاتحاد “سوف يغيّر آرائي حول عام 2016 والمدى المتوسط نحو الأسوأ بشكل جذري. واستثمارات الشركات ستجف بسرعة”.

يخشى الكثيرون أن عواقب ذلك للأسواق المالية ستكون شديدة.

دون سميث، نائب كبير الإداريين الاستثماريين في شركة براون شيبلي، قال، “إن عوامل اللبس التي يولّدها قرار مغادرة الاتحاد الأوروبي بلا شك ستلحق الضرر بأصول الاسترليني في جميع المجالات، بل ستلحق الضرر بقيمة الاسترليني في بورصات العملات الأجنبية. وثقة المستهلكين ستكون أقل. أما ثقة الشركات والنوايا الاستثمارية فمن المرجح أيضا أن تتأثر سلبا”.

معظم مختصي الاقتصاد الـ 36 في المائة الذين يقولون إنه سيكون هناك تأثير ضئيل في عام 2016، توصلوا لهذا الرأي لأنهم اعتقدوا أن التصويت سيأتي في وقت متأخر على نحو لا يستطيع أن يؤثر بشكل جوهري، في البيانات الاقتصادية للعام الجديد.

وقال جافين ديفيس، رئيس مجلس الإدارة في شركة فولكروم لإدارة الأصول، “إن الاستفتاء لن يحدث فرقا كبيرا في وجهات النظر لعام 2016. مع ذلك، التصويت بالمغادرة من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض حاد في النمو في عام 2017، بسبب عدم اليقين السياسي، والمخاوف بشأن وضع اسكتلندا داخل المملكة المتحدة، والجيشان في صناعة الخدمات المالية، والانخفاض الكبير في التدفّقات الداخلة لرأس المال إلى المملكة المتحدة”.

وعلى مسافة أبعد في المستقبل، حيث كان الرأي يعارض بشكل أقوى بكثير مغادرة الاتحاد الأوروبي، تركزت المخاوف على الخطر المتمثل في أن كثيرا من الشركات الدولية لن تختار بعد الآن بريطانيا كقاعدة أساسية لعملياتها الأوروبية وأن الفوائد المقترحة للعلاقات التجارية الجديدة مع الاقتصادات الناشئة هي بمنزلة سراب نوعا ما.

جون فان رينين، مدير مركز الأداء الاقتصادي، قال، إضافة إلى فقدان التجارة، ستكون هناك خسارة للاستثمارات الأجنبية وهجرة داخلية أقل من الأوروبيين الموهوبين للغاية الذين ساعدوا النمو في المملكة المتحدة.

فكرة أننا سنكون قادرين على عقد الكثير من الصفقات التجارية الحرة الجديدة مع بلدان أخرى، حين نكون متحررين من الاتحاد الأوروبي هي خيال، مثلما هي فكرة أنه سيكون هناك بعض الوهج من الإجراءات الروتينية التي تضيء النمو في المملكة المتحدة.

ستيفن كينج، المستشار في بنك إتش إس بي سي، ذكر أن الاقتصاد البريطاني حقق “الازدهار” في الاتحاد الأوروبي. وأضاف، “لاعبو كرة القدم الذين يغادرون الأندية، حيث كان أداؤهم جيدا ثم حقّقوا أداءً مخيبا للآمال بعد ذلك. لننظر إلى فيرناندو توريس في نادي ليفربول ومن ثم في نادي تشيلسي. هل يمكن أن تكون المملكة المتحدة متجهة في الطريق نفسه؟”.

وهناك آخرون شعروا بالقلق من أن الحريات الجديدة في وضع الأنظمة قد تلحق الضرر بالقدرة على التنافس والنمو. ريكاردو ريس، أستاذ الاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد، قال إنه في حين أن المغادرة “قد تسمح ببعض التحسينات على السياسة، إلا أنها أيضا قد تفتح المجال أمام قائمة كاملة من السياسات المروعة التي تتعلّق بالتجارة، والهجرة، والسياسة الصناعية التي تمنعها العضوية في الاتحاد الأوروبي الآن”.

الأقلية الصغيرة التي اعتقدت أن المملكة المتحدة قد تستفيد من الخروج كان يغلب عليها الاعتقاد أنه سيتم استخدام أي حريات لتعزيز المجتمع الأكثر ازدهارا، رافضين مخاوف ريس.

جيرارد ليونز، المستشار الاقتصادي لبوريس جونسون بصفته عمدة لندن، قال، إن أفضل نتيجة كانت أن تكون عضوا في اتحاد أوروبي “تم إصلاحه بحق”، لكن إذا لم يكن ذلك ممكنا، “فإن الخيار قد يكون خيارا صارخا، بين كون المملكة المتحدة في اتحاد أوروبي لا يهتم سوى بنفسه (و) منعزل، مع انكماش حصة الاتحاد الأوروبي من الاقتصاد العالمي، أو خارجه، وبالتالي التجارة مع العالم كله بما في ذلك أوروبا، والتفاوض على الصفقات التجارية المناسبة الخاصة بنا مع تركيز على ما تجيده المملكة المتحدة”.

أربعة من أصل خمسة مختصي اقتصاد في استطلاع “فاينانشيال تايمز” يرون عاما جيدا آخر للنمو في المملكة المتحدة، الأمر الذي سيبقي بريطانيا بالقرب من المراتب العليا من الجدول الدولي للاقتصادات المتقدّمة للعام الرابع.

هذا سيكون مدفوعا بإنفاق قوي من الأسر بسبب ارتفاع الأجور الحقيقية، والهجرة وانخفاض معدل البطالة، لكن يُمكن أن يتم تخفيفه من المخاطر الناجمة عن استفتاء الاتحاد الأوروبي وشكوك الشركات الذي ستتبع ذلك.

على الرغم من أن معظم المشاركين أكملوا الاستبيان قبل مراجعات التخفيضات الكبيرة التي أُدخِلت على الأداء الاقتصادي العام الماضي، إلا أن معظم المستجيبين كانوا قد توقّعوا عام 2016 أضعف قليلا.

من الـ 104 الذين أجابوا عن الأسئلة، 83 منهم اعتقدوا أن بريطانيا ستجد من السهل نسبيا تحقيق عام آخر من النمو “اللائق”، الذي يميلون لتحديده فوق 2 في المائة.

وقال بيتر سبنسر، أستاذ الاقتصاد في جامعة يورك، إنه على الرغم من أن المعدل قد يتباطأ، إلا أنه “ينبغي الحفاظ على الزخم في الإنفاق الاستهلاكي، على الرغم من احتمال رفع الأسعار والضرائب”.

بالنسبة لكثير من المشاركين، فإن أفضل جزء من الانتعاش قد مضى الآن لأن معدل التضخم من المرجح أن يرتفع، ما يحدّ من الزيادة في الدخل الحقيقي للأسر، ومعدل البطالة من غير المرجح أن ينخفض كثيرا.

أندرو جودوين من الشركة الاستشارية، أكسفورد إيكونوميكس، قال، “إن الاندفاع اللطيف” من التضخم المنخفض للغاية سوف يتلاشى بثبات، ما يقلّل من قدرة المستهلكين على دفع عجلة النمو”.

تحدث كثيرون عن المخاطر السلبية. دانيال فيرنازا من يونيكريديت قال، إن الحكومة لا تزال تحاول خفض العجز، واستفتاء الاتحاد الأوروبي سوف يزيد من حالة عدم اليقين بين الشركات والاقتصادات الناشئة ستكون أضعف.

جون ليولين، الشريك في شركة ليولين للاستشارات، من رأيه أن المخاطر يمكن أن تقوّض من التوقعات لعام 2016. “كان الاسترليني قويا جدا؛ والسياسة المالية العامة تعاني من التقشف؛ والسياسة النقدية قد نفذت منها الوسائل؛ والبيئة الدولية تبدو باهتة”.

المبادرات الحكومية لدعم ملكية المنازل وبناء منازل جديدة لن يكون لها أي تأثير حقيقي في عام 2016، مع توقع استمرار أسعار العقارات في المملكة المتحدة بالارتفاع.

وبخصوص السؤال الذي طرح على مختصي الاقتصاد الـ 88 “ما هو تأثير السياسات الحكومية المحتملة في العرض والطلب على المنازل في عام 2016؟ وإلى أي مدى ستسهم بالتغيرات المحتملة في أسعار المنازل؟” لم يشر أيّ منهم إلى حدوث انخفاض عام في الأسعار. 54 منهم قالوا إن السياسات الحالية إما سيكون لها تأثير قليل للغاية، أو أنها ستنجح فقط في زيادة الطلب.

في بيان فصل الخريف لهذا العام، أعلن وزير المالية عن دفع رسوم إضافية عند الشراء من أجل التأجير ومشتري المنازل الثانية اعتبارا من نيسان (أبريل) المقبل، بينما وعد أيضا بمنازل جديدة بأسعار معقولة ومخطط “المساعدة على الشراء” الذي يركّز على لندن.

حتى بين مختصي الاقتصاد المتعاطفين، فإن الرأي شبه الإجماعي هو أن هذه التدابير لن تؤدي إلا إلى إحداث تغييرات ضئيلة في المشكلة الأساسية.

كريس مارتن، أستاذ الاقتصاد في جامعة باث، لم “يتوقّع أي تغيير عن نمط وعود الحكومة المبالغ فيها وأي إجراء”.

ريان بورن، رئيس السياسة العامة في معهد العلاقات الاقتصادية، قال، إنه يتوقّع الأسعار أن “تستقر نوعا ما هذا العام”، لكنه أضاف أنها “لا تزال أعلى بكثير ما يجب أن تكون بسبب تقييد جانب العرض”.

إيثان الزيتزكي، المحاضر في كلية لندن للاقتصاد، قال، إنه في حين أن بيان فصل الخريف قد وعد ببداية جديدة لـ 400 ألف منزل بأسعار معقولة، إلا أن هذا الرقم لا يزال غير كافٍ لمواكبة نمو السكان.

وذكر كثير من مختصي الاقتصاد أنه في حين أن الأسعار قد تستمر بالارتفاع، إلا أن رفع أسعار الفائدة – واتخاذ المزيد من الإجراءات المحتملة من لجنة السياسة المالية فيما يتعلّق بمعايير الأسعار المعقولة – يمكن أن يساعد بتخفيف الأنشطة ذات القيمة الضعيفة.

يمكن أن تتطلع الأسر البريطانية إلى عام آخر من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية، مع توقّع معظم مختصي الاقتصاد حدا أقصى بنسبة 1 في المائة بحلول نهاية عام 2016.

هناك خمسة فحسب من أصل 104 مشاركين ممن أجابوا على ذلك السؤال يرون ارتفاعا يزيد على نصف نقطة مئوية. لقد تم توقّع التشديد المتواضع من قِبل 72 شخصا في حين أن 21 شخصا توقّعوا أن تبقى السياسة كما هي أو حتى أن يتم تخفيفها.

إنجوس كولين من وحدة تبادل معلومات الاقتصاديين توقّع ارتفاعا طفيفا بنحو 25 نقطة أساس، لكنه حذّر من أن “مخاطر ذلك التوقّع تعتمد بشكل كبير على تأجيل الرفع أكثر”.

وقال إن محافظ بنك إنجلترا مارك كارني هو “بمنزلة محافظ بنك مركزي متفائل بشكل أساسي. وأثناء وجوده على رأس البنك، فإن إشارات الضعف في الانتعاش سوف تشكل السياسة النقدية إلى حد أكبر من إشارات العودة بقوة”.

عضو لجنة السياسة النقدية السابق، آدم بوسن، الذي هو الآن رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، كان أحد الذين يجادلون أن السياسة النقدية “لا ينبغي أن تتغير على الإطلاق، ما لم أو حتى يرتفع تضخم الأجور بطريقة مستدامة”، لكنه يخشى من “أن السخافة المتكرّرة للإرشاد المتقدم الذي يعتمد على الوقت، والكلام الفارغ الضار الذي يقول، إن أسعار الفائدة ينبغي أن تستخدم للتعامل مع الاختلالات سوف يؤدي إلى ارتفاع سابق لأوانه في أسعار الفائدة في النصف الثاني من عام 2016، فقط ليتم إلغاؤها”.

حتى أندرو سينتانس، العضو السابق الآخر في لجنة السياسة المالية وهو الآن مستشار اقتصادي أعلى في شركة برايس ووترهاوس كوبرز، الذي كان يدعو لرفع أسعار الفائدة، قال، إنه لا يتوقّع سوى أن تكون أسعار الفائدة بين 1 و1.5 في المائة بحلول نهاية العام – تماشيا مع توقّعات مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة في الولايات المتحدة.

إريك نيلسن، كبير مختصي الاقتصاد العالمي في “يونيكريديت”، كان واحدا من الأصوات الداعية الأقوى لسياسة أكثر صرامة، قائلا إن بنك إنجلترا كان “متخلّفا عن المنحنى بغض النظر تقريبا عن البيانات التي تنظر إليها”.

ويعتقد معظم مختصي الاقتصاد أن جورج أوزبون سوف يُكافح لفرض المزيد من تخفيضات الإنفاق على مدى الأعوام الخمسة المقبلة.

حتى مع وجود انقسام مقبول في الآراء فيما يتعلّق باحتمال ارتفاع إيرادات الضرائب، إلا أن توازن الآراء يشير إلى أن عجز الميزانية لن ينخفض بالسرعة التي يرغب بها أوزبورن، وربما سيكون هناك انخفاض كبير في الفائض بحلول نهاية الدورة البرلمانية.

مثل هذه النتيجة ستكون صعبة بالنسبة لوزير المالية الذي وضع سمعته على المحك فيما يتعلّق بتحقيق فائض بحلول العام المالي 2019 – 2020، في مواجهة الكثير من النصائح التي تقول، إنه ليست هناك حاجة مُلحّة لتحقيق الأرباح في الدفاتر الحسابية بتلك السرعة.

مع توقّع مكتب مسؤولية الميزانية عجزا بنسبة 3.9 في المائة من الدخل الوطني في هذا العام المالي، قال معظم مختصي الاقتصاد إن صعوبات إجراء تخفيضات في مجال الصحة، والرعاية الاجتماعية والمنافع التي تعني القضاء على 73.5 مليار جنيه من الاقتراض هي صعبة للغاية.

من مختصي الاقتصاد الـ 104 الذين أجابوا عن السؤال حول سياسة المالية العامة، 66 منهم اعتقدوا أن وزير المالية سيُكافح لفرض تخفيضاته، في حين أن 33 فقط يعتقدون أنه سيتم بسهولة تحقيق أهداف الإنفاق.

أقلية من مختصي الاقتصاد أشاروا إلى أنه تم تحقيق تخفيضات الإنفاق في الموعد المحدد في البرلمان السابق.

أغلبية تبلغ 54 إلى 43 من مختصي الاقتصاد الذين عبّروا عن وجهة نظر حازمة اعتقدوا أن الإيرادات أيضا ستكون منخفضة عن آخر التوقعات الأكثر تفاؤلا من مكتب مسؤولية الميزانية.

مع أغلبية كبيرة تعتقد أن نتائج الإنفاق وإيرادات الضريبة سوف تولّد إقراضا أعلى من المتوقع وتمويلا عاما أضعف، اعتقد كثير من مختصي الاقتصاد أن هذه ستكون نتيجة مرغوبة.

مايكل ماكماهون، من جامعة وارويك، قال إنه لا يعتقد أن طموحات وزير المالية لتحقيق فائض “مطلوبة بالضرورة في هذه المرحلة ولذلك فإن انخفاضها عن التوقعات سيكون أمرا مرغوبا”.