IMLebanon

يوم تاريخي لإيران!

zarif-kerry

 

 

يُسجل اليوم الجمعة 15 كانون الثاني 2016، كتاريخ مفصلي على صعيد الملف النووي الإيراني، كون إيران تدخل بدءاً من اليوم العد العكسي لتحرّرها من العقوبات الدولية المفروضة عليها، وسط ترجيحات أن يصدر اليوم صكّ براءة عالمي لطهران يفيد بأنها التزمت بتطبيق بنود الاتفاق النووي وبالتالي بات واجباً إلغاء العقوبات المفروضة عليها.

خلال الأشهر الفائتة، وبعد الإعلان عن الاتفاق في منتصف شهر تموز الفائت بين إيران والدول الست الكبرى، استطاع المسؤولون في عواصم القرار في كل من إيران والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أن يصكّوا الاتفاق رسمياً، كما بدأت طهران بتنفيذ تعهداتها في الاتفاق، وهي إجراءات فنية وتقنية بمجملها، وانتظر العالم طويلاً التقرير النهائي للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي سينهي هذه المرحلة، ويسمح بدخول الاتفاق في مرحلته التالية، وهي مرحلة التطبيق العملي والالتزام بالتعهدات من قبل كل الأطراف.

آخر الإجراءات الفنية الإيرانية كان في مفاعل آراك، فقد أعلن المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، يوم أمس الخميس، أن العمل في هذه المنشأة قد انتهى، معلناً تطبيق التعهدات في المفاعل من قِبل الطرف الإيراني، قائلاً إن مفتشين من الوكالة الدولية هم من يتولون مهمة التأكد من الأمر لرفع تقريرهم للمعنيين في فيينا، حيث يتواجد مفاوضون من إيران والدول الست حالياً، وقد بدأ هؤلاء اجتماعاتهم منذ الأربعاء، للاتفاق على جدول زمني للمرحلة المقبلة.

وفي حديث مع التلفزيون المحلي الإيراني، قال كمالوندي إنه تم إخراج قلب آراك، وسيُملأ مكانه بالإسمنت، لكن سيعاد تصميم قلب المفاعل من جديد بآليات أخرى تتناسب وبنود اتفاق فيينا النووي، وقد اتفقت طهران سابقاً مع الصين للقيام بهذه المهمة، فضلاً عن شركة إيرانية أخرى، والعمل جارٍ على التصاميم الجديدة في الوقت الراهن، حسب قوله.

كمالوندي الذي أعلن هذا الخبر الذي يعني اكتمال العمل بالبنود المتعلقة بالناحية التقنية لبرنامج طهران النووي، أضاف أن بلاده ستستمر بنشاطها النووي ولن تغلق مفاعل آراك، ولا المفاعلات الأخرى، وهذا بحد ذاته إنجاز حسب رأيه، كونه يعني أن الغرب اعترف بإيران النووية، وسمح لها باستئناف نشاطاتها على الرغم من بعض القيود في الاتفاق، وذكر أيضاً أن مرحلة رفع العقوبات باتت قريبة للغاية.

إيران تترقب الخلاص: تطبيق “النووي” هل يلغي العقوبات؟

آراك كان من أبرز المواقع التي أثارت قلق الغرب سابقاً، فهو المفاعل الذي يعمل بالماء الثقيل وينتج البلوتونيوم، وكمية قليلة من هذه المادة تسمح بصنع سلاح نووي. وبتطبيق إيران لشرط إخلاء قلب المفاعل وتصميم الموقع من جديد للتحكم بكميات البلوتونيوم المنتج فيه، يكون الغرب قد أبعد طهران عن شبح القنبلة النووية.

مساعد وزير الخارجية وعضو الوفد الإيراني المفاوض حميد بعيدي نجاد، المتواجد في فيينا منذ الأربعاء، كتب على صفحته على موقع “إنستغرام” أمس، إن العمل بات في مراحله الأخيرة، والإعلان عن تطبيق الاتفاق عمليا بات قريباً.

وقبله ذكّر كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي، أنّ الوكالة ستنشر تقريرها المتعلق بتنفيذ آخر الخطوات الإيرانية اليوم الجمعة، وتوقّع أن يصدر كل من وزير خارجية البلاد ورئيس الوفد المفاوض محمد جواد ظريف، ومنسّقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، بياناً مشتركاً يوم السبت أو الأحد، للإعلان عن شكل المرحلة المقبلة وموعد إلغاء الحظر الغربي على البلاد.

وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد توقّع الأربعاء أن يتم تطبيق الاتفاق في غضون أيام، فيما قال دبلوماسي رفيع المستوى من إحدى الدول الست الكبرى إنه سيتم الإعلان رسمياً عن تطبيق الاتفاق اليوم الجمعة على الأرجح.

وفي مكان آخر من إيران، زار وفد من نواب البرلمان الإيراني منشأة فردو النووية، وهي المنشأة التي من المفترض أن تتحوّل إلى موقع نووي بحثي، كما من المفترض أن يتم تقليص عدد أجهزة الطرد فيها إلى ألف جهاز تقريباً بموجب الاتفاق ذاته.

وفي هذا السياق، قال عضو لجنة الأمن القومي حسين سبحاني نيا، إنه يوجد 1044 جهاز طرد هناك، وتم تحويل ما تبقى من الأجهزة إلى المخازن، ما يعني تطبيق إيران لتعهداتها في هذا المكان أيضاً. ونقلت وكالة “فارس” الإيرانية عن سبحاني نيا قوله إن طهران ستلتزم بالتعهدات، وتتوقّع التزام الطرف المقابل بها، فالظروف الإقليمية والدولية هي التي جعلت الغرب يعلن عن اتفاقه مع إيران حسب رأيه، لكنه قال إن عدم الثقة بالطرف الآخر ما زال قائماً، مؤكداً أن أي نقض للاتفاق سترد عليه إيران مباشرة.

وعلى الرغم من تحفظات وانتقادات البعض للاتفاق، إلا أن الجميع في إيران ينتظر المرحلة التالية، وهي مرحلة ما بعد الغاء العقوبات التي ستجعل علاقات طهران التجارية مع الآخرين أكثر سهولة، وستفتح الباب عريضاً أمام الاقتصاد الإيراني المثقل، والذي ألقى بتبعاته السلبية على كاهل المواطنين الإيرانيين.

الالتزام بشروط الاتفاق النووي سيقابله تخفيف واسع للعقوبات التي فُرضت على إيران، وهي بالأساس تتعلق بالقطاعين المصرفي والتجاري، ما يعني مكاسب كبيرة لطهران التي دفعت ثمناً باهظاً بسبب عقوبات حظّرت عليها التعاملات النفطية، ما كبّدها خسائر كبرى، فضلا عن عقوبات أخرى أخرجتها من نظام التحويلات الدولي، إضافة إلى تلك التي فُرضت على مصارف إيرانية. إلغاء هذه العقوبات تزامناً مع التوتر الإقليمي المتزايد، سيجعل طهران قادرة على القيام بدور أكبر وأهم في عدد من الملفات، ولاسيما أنها تتقرب من الطرف الغربي أكثر وتفتح أبوابها أمام المستثمرين الأوروبيين بشكل خاص وملحوظ، وقد جهزت بالفعل صيغ عقود عمل مشتركة تنتظر قرار إلغاء العقوبات.

وعلى الرغم من المكاسب التي ستحققها إيران في الاتفاق النووي، إلا أنها قدّمت تنازلات كبيرة، فقد تم منعها من استئناف تخصيب اليورانيوم بنسب عالية والاكتفاء بنسبة 3.67 في المائة، كما فُرض عليها تصدير اليورانيوم العالي التخصيب، والوقود النووي والماء الثقيل الفائض عن حاجتها، ومُنحت حق استخدام ستة آلاف جهاز طرد مركزي فقط من أصل عشرين ألفاً تمتلكها البلاد.

وكانت إيران جاهزة لتقديم كل هذا مقابل الاعتراف بها كدولة نووية، وإلغاء العقوبات عنها، والعد التنازلي قد بدأ لتحقيق هذا الشرط الأخير، على الرغم من أن مطلبها بإلغاء الحظر التسليحي لم تنله، فلا يمكنها بموجب ذات الاتفاق أن تحصل على أية أسلحة غير دفاعية ولا أي معدات ذات أغراض مزدوجة لمدة خمس سنوات. كما مُنعت بموجب اتفاق فيينا من الحصول على صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية لثماني سنوات، لكن إلغاء الحظر الاقتصادي سيعني للبلاد الكثير بكل الحالات.