IMLebanon

إما جلسة لانتخاب عون أو لا انتخابات رئاسية!

aoun

 

كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:

لم يعد الكلام عن تسوية معراب ــ الرابية افتراضياً. لكن الحدث يحتاج الى وقت كي تستوعبه القوى السياسية التي ستحاول أن تفرض واقعاً جديداً قبل جلسة 8 شباط المقبل

لا تزال تسوية معراب ــ الرابية تحتاج إلى مزيد من الوقت لاستكشاف تداعياتها الحقيقية وما ستؤول اليه داخلياً. وإزاء حجم ما حصل، لا يمكن إلا التريث في قراءة معطيات الحدث الجديد وتلمّس ما يدور حوله، في انتظار استكمال الاتصالات التي ستتكثف بطبيعة الحال الى أن يحين موعد جلسة الثامن من شباط.

لكن ردود الفعل التي صدرت من مسيحيين ومسلمين، وبعضها انفعالي، ينبغي التوقف عندها، في ظل المعلومات الاولية التي بدأت ترشح حول الاحتمالات المطروحة أمام المبادرة القواتية.

مسيحياً، لا شك في أنه الحدث الأبرز والأهم منذ ثلاثين سنة. وهو، في المعيار الوجداني والسياسي، يترجم تطلعات المسيحيين مهما كابر بعضهم. يجب الاعتراف، أولاً، بأن حجم الانهيار الذي لحق بالمسيحيين، نتيجة الوجود السوري والنظام الامني والسياسي الذي حكم باسم السوريين، كان يحتاج الى خطوة من هذا النوع لإعادة الاعتبار الى الوجود المسيحي. رافضو الحزبية المسيحية والثنائية التي دفع المسيحيون دماً بسببها، والمنحازون الى تجربة المستقلين الذين عبّرت عنهم يوماً قرنة شهوان، لا يزالون ينظرون بحذر شديد الى عودة هذه الثنائية، وهو حذر يصل الى حدّ رفضها. لكن بقدر ما كبرت أخطاء الفريق الذي انضوت تحت سقفه بعض شخصيات القرنة، أي إطار قوى 14 آذار، عادت الثنائية الى التنفس وضاعفت حجمها وصارت الى ما هي عليه اليوم.

ولأن الحدث يمثّل تطلّعات المسيحيين الذين أعطوا أصواتهم الانتخابية الى هاتين القوتين، لا يمكن فهم ردّ الفعل العشوائي الصادر من الاطراف المعارضة لتسوية مسيحية داخلية تعكس أجواء ارتياح في الشارع المسيحي، فيما يصرّ المستقبل على الحوار مع حزب الله لوأد الفتنة السنية ــ الشيعية، ويحرّم أي حوار بين عون وجعجع، ويرفض استئثار المسيحيين بالشأن الرئاسي، في مقابل تفرّد الأكثرية السنية باختيار رئيس الحكومة والاكثرية الشيعية باختيار رئيس المجلس النيابي. كذلك لا يمكن فهم استذكار تاريخ الرجلين في الحرب والقتل والتدمير، ولو أن جعجع نال الحصة الاكبر من هذا الهجوم، أو التذكير بشهداء حرب الإلغاء بينهما.

لعل أعنف الحروب التي مرّت على المسيحيين هي حرب الإلغاء التي دمرت المجتمع المسيحي وأنهكته وهجّرت شبابه. كذلك فعلت مجزرة الصفرا ومجزرة إهدن والتداعيات الثأرية التي أعقبتهما. لكن، ألم تفعل حرب الجبل الأمر نفسه؟ ألم تقتل هذه الحرب ومن قام بها المئات من المسيحيين وتهجّر الآلاف منهم؟ أليست مجازر الدامور والعيشية وشكا ودير عشاش مجازر بحق المسيحيين ومعروف من ارتكبها؟ أليست حرب المخيمات واحدة من أفظع الحروب التي مرت في تاريخ لبنان قتلاً ودماراً وتهجيراً؟ من المسؤول عن هذه الحرب؟ ومن الذي دمّر شوارع بيروت في حرب الإخوة؟ من الذي دمّر طرابلس في حروب متتالية منذ 1975 حتى اليوم وهجّر أهلها الاصليين؟ ومن قلب موازيين القوى في البقاع والجنوب؟

إذا كانت لائحة الاتهامات والاسئلة تطاول جميع القيادات اللبنانية من دون استثناء، يصبح التوقف عند حدث عون وجعجع إلزامياً، لأن الرجلين اعترفا بحربهما “حيث لم يجرؤ الآخرون” كما قال جعجع، وأعلنا ورقة إعلان النيات التي يفترض أن ترسم مستقبل المسيحيين، من دون حروب أو صراعات ودماء، فيما لا تزال القيادات اللبنانية الاخرى من دون استثناء تصنّف نفسها كأنها امرأة القيصر.

وبقدر ما يمكن أن تتعدد أساليب الهجوم على هذا اللقاء، يمكن تلمّس أهميته، ولا سيما أنه أتى بعد خطوة أساسية فتحت الطريق أمام استعادة المسيحيين لحقوقهم، عندما اتفق عون وجعجع على تشريع الضرورة وإقرار قانون استعادة الجنسية، الامر الذي ردّ عليه الرئيس سعد الحريري بترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية.

بدا واضحاً أمس أن حجم الحدث فرض نفسه شعبياً وسياسياً وديبلوماسياً، إذ تكثفت الاتصالات الديبلوماسية، ولا سيما العربية منها، مع المعنيين لاستكشاف أبعاد الخطوة وإمكان ترجمتها على طريق إجراء انتخابات رئاسية. خلاصة اليوم الاول بعد حدث معراب تتلخص بثلاث نقاط يجب التوقف عندها، في ظل الحركة التي قادها التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لوضع جميع القيادات في أجواء التطور الاخير.

أولاً، وعد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ــ الذي يزور الفاتيكان حيث حدد له موعد لقاء مع البابا فرنسيس، هو الاول بينهما ــ من التقاهم في الساعات الاخيرة، بأنه سيحمل ملف ترشيح جعجع لعون وورقة إعلان النيات، وهو بدا سعيداً بهذا التطور، كما وعد بالكلام مع فرنجية حول هذه الخطوة، علماً بأن معلومات تحدثت عن إمكان زيارة فرنجية للفاتيكان.

ثانياً، يعوّل معارضو ترشيح جعجع لعون على النائب وليد جنبلاط لفتح النار على هذه التسوية، في ظل موقفه المعروف من عون وجعجع. لكن، بحسب المعلومات، جنبلاط لن يقدم على هذه الخطوة، لمنع الاحتكاك مع القوى المسيحية في هذه المرحلة، ولأنه لمس بجدية أن خطوة ترشيح فرنجية التي تبنّاها اصطدمت بحائط مسدود.

ثالثاً، يرجّح الطرفان المعنيان ألا يخرج موقف حزب الكتائب عن الإجماع المسيحي، وأن الاتصالات الاولية تؤكد ذلك، وأن ما يطرحه الحزب من مطالب شكلية يمكن التعامل معه من أجل التوصل الى تفاهم تام. أما المستقبل فلا اتصالات مباشرة بين الحريري وجعجع، مع توقع عدم قيام المستقبل بأي خطوة استفزازية في الوقت الراهن تتعدى ما قيل حتى الآن، ورمي الكرة في ملعب النواب، وهو ما لن يكون متاحاً، ليس للطرفين المعنيين فحسب، بل لكل من يرعى وصول عون الى بعبدا.

أما عملية البوانتاج التي بدأ تداولها، فهي في غير مكانها، لأنها لن تقدم أو تؤخر في عملية الانتخابات. لا مجال لدى التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وحزب الله أيضاً، لإجراء جلسة انتخاب نيابية بمرشحين متنافسين هما عون وفرنجية. أما جلسة انتخاب لعون رئيساً أو لا انتخابات رئاسية.