IMLebanon

الهند .. مكافحة الفقر عبر التكنولوجيا

internetindia
جيمس كرابتري

تعد الهند، التي يستخدم فيها ثلث سكانها البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة فحسب، الإنترنت، سوقا جذابة بشكل هائل للشركات التي تسعى وراء الجيل المقبل من مستخدمي الإنترنت، إلا أن ذلك يعد مسألة مصيرية بالنسبة لحكومة مودي، التي تراهن على تقدم التكنولوجيا باعتباره شيئا آخر: طريقة لتخليص البلاد من براثن الفقر.

سيقف ناريندرا مودي أمام برلمان مكتظ في قاعة مؤتمر فيجيان بهافان المهيبة في نيودلهي ليعلن أن الهند على أعتاب الثورة الرقمية. سيشاهد رئيس الوزراء وفدا من كبار الشخصيات العالمية في عالم الإنترنت، بمن فيهم مؤسس شركة أوبر ترافيس كالانيك، وعملاق الاتصالات اليابانية ماسايوشي سون من شرمي سوفتبانك، جنبا إلى جنب مع كثير من أبرز أصحاب المشاريع التكنولوجية في الهند. يعد هذا الاجتماع بعنوان “الشركات الناشئة في الهند” الأحدث في سلسلة من الأحداث الهادفة إلى تسليط الضوء على كل من السلطة القوية لمودي، وسمعة البارعين في مجال التكنولوجيا، وهو ما يجسد أيضا اعتقاده بأن إكسير التكنولوجيا يمكنه مساعدة الهند على التغلب على كثير من تحديات الاقتصاد والتنمية الملحة في الهند. قال مودي أمام جمهور في وادي السيليكون في أيلول (سبتمبر) الماضي: “إن الإنترنت مشروع لتغيير وجه الهند على نطاق يعد، ربما، ليس له مثيل في تاريخ البشرية”. من السهل فهم ذلك الحماس، حيث ارتفع عدد سكان الهند المستخدمين للإنترنت ليتجاوز 400 مليون نسمة في عام 2015، وفقا لأرقام الصناعة، متجاوزا الولايات المتحدة، وجاعلا الهند في المرتبة الثانية فقط بعد الصين، من حيث كونها البلد الأكثر استخداما لها في العالم. وحيث إنها مليئة بسكان شباب من مدمني الهواتف الذكية، فإن هذا العدد ينبغي أن يصل إلى أكثر من 600 مليون مستخدم بحلول عام 2020. أظهرت البيانات الرسمية الشهر الماضي تجاوز اشتراكات الهواتف المحمولة مليار اشتراك. ساعدت الإثارة بخصوص هذه الأرقام في إذكاء طفرة شركات ناشئة العام الماضي، ما قدم تدفقات قياسية لتمويلات رأس المال وجذب الاهتمام المتزايد من عمالقة وادي السيليكون مثل “جوجل” و”تويتر”. مع ذلك، يأمل مودي في أنه يمكن أن يكون للاستخدام الصاروخي للإنترنت أثر أكثر عمقا حتى من ذلك: وهو تعزيز النمو في وقت تبرز فيه الهند فعليا كنقطة مضيئة فريدة من نوعها بين الأسواق الناشئة التي تعاني المتاعب، في الوقت الذي يساعد فيه أيضا على التغلب على بعض مشكلاتها الاجتماعية المستعصية. يقول ملياردير البرمجيات ناندان نايليكاني، مؤسس مجموعة تكنولوجيا المعلومات شركة إنفوسيس، وهو شخصية مرتبطة ارتباطا وثيقا بصناعة المصادر الخارجية التي وضعت الهند أولا على خريطة التكنولوجيا العالمية: “هذه لحظة لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر. إذا كان يتعين على الهند أن تجتاز مشكلات كالنمو والصحة والتعليم أو الوظائف، ليست هنالك أي طريقة أخرى سوى الاستخدام الكبير للتكنولوجيا… المسألة حاسمة”. إن نجاح ما يصفه نايليكاني بثورة التكنولوجيا الثانية في الهند ــ حيث كانت الأولى هي ظهور قطاع البرمجيات لديها خلال فترة التسعينيات ــ ليس أمرا مؤكدا أو مضمونا. على الرغم من أن الأرقام مثيرة للإعجاب. معظم الهنود لم يستخدموا الإنترنت قط.

أما الذين يستخدمونها فهم غالبا ما يعانون اتصالات بطيئة لا يمكن الاعتماد عليها. حققت حكومة مودي تقدما ضئيلا في تقديم خطط تهدف إلى ربط المناطق الريفية الداخلية في البلاد. وخلال الأشهر الأخيرة، بدأت الشكوك في الظهور حول التقييمات العالية لبعض مشاريعها الناشئة المحلية البارزة.

أوجه القصور في طفرة المدينة

الذين يصلون إلى بنجالور، عاصمة التكنولوجيا في الهند، ربما يغفر لهم فيما لو سألوا عما إذا كانت توجد فيها طفرة إنترنت أصلا. من المستحيل غالبا الحصول على إشارة هاتف الجيل الثالث على الطريق السريع وأنت قادم من المطار، حيث تتقطع المكالمات الهاتفية بشكل متكرر، مضيفة إلى الإحباط المتعلق بحركة المرور التي لا تنتهي في المدينة. يشتكي أصحاب الشركات من مباني المكاتب المتداعية واتصالات النطاق العريض الباهتة.

مع ذلك، خلال العام الماضي، كانت بنجالور بلدة الطفرات، حيث قدمت المجموعات العالمية للاستثمار في رأس المال المغامر أكثر من خمسة مليارات دولار إلى الشركات الناشئة الهندية في عام 2015، وفقا لمجموعة البيانات، في “سي سي إيدج”، أي أكثر من ضعف المبلغ المقدم في العام السابق. في السابق، حازت الشركات المحلية غير المترابطة مثل خدمة تطبيق سيارات الأجرة “أولا” ومتاجر التجزئة عبر الإنترنت “فليبكارت” تقييمات غير مسبوقة، واهتماما عالميا.

بموجب الجولة الأخيرة من التمويل الخاص بـ “فليبكارت”، فإن هذا يعطي الشركة تقييما بحدود 15 مليار دولار. يقول نيكيش أرورا، رئيس شركة سوفت بانك، أحد أبرز المؤيدين للمجموعات التقنية الهندية: “لقد كانت جولة جامحة. الجميع هناك يقدم رهانات على أن المشاريع التي استثمروا فيها ستكون أفضل من مشاريع الأشخاص الآخرين”. كما بدأت أكبر شركات التكنولوجيا الأمريكية أيضا في التوجه نحو الهند. جميع الشركات التي تسمى “فانج” (فيسبوك وأمازون ونيتفليكس وجوجل) تستثمر بشكل كبير. كانت “نيتفليكس” الأحدث عهدا، بإطلاقها خدماتها القائمة هذا الشهر في بلد يمكن أن يصبح يوما ما أكبر سوق لديها من حيث عدد المستخدمين. تتوقع شركة فيسبوك الوصول إلى تلك المرتبة في وقت قريب ربما يكون العام المقبل. تتحدث تلك المجموعات عن أهمية “المليار القادم” من مستخدمي الإنترنت في الأسواق الناشئة. والنسبة الكبيرة منهم ستكون من الهنود، حيث استخدم الإنترنت 100 مليون شخص في العام الماضي فقط، مدفوعين بالانخفاض السريع في تكاليف الهواتف الذكية. هذه الطفرة تسببت في وصول مستخدمي الإنترنت إلى المستوى الذي شهدته الصين في عام 2010. ويأمل الذين يستثمرون أموالهم في شركات التكنولوجيا الهندية الآن أن يواصل البلد تقليده للصين بطرق أخرى، ولا سيما في إنشاء جيل من شركات الإنترنت سريعة النمو مثل علي بابا وبايدو.

منذ اكتساحه السلطة في عام 2014، شدد مودي على الإمكانات الرقمية للهند. في تموز (يوليو) في العام الماضي، أطلق حملة “الهند الرقمية” لبناء شبكة وطنية واسعة النطاق وتقديم الخدمات العامة عبر الإنترنت. من المحتمل تقديم إعلانات مماثلة هذا الأسبوع، بما في ذلك تدابير لإغراء مجموعات الإنترنت المحلية بالإدراج في الهند، بدلا من نيويورك أو سنغافورة.

بالنسبة لمودي، الأمر المهم هو ما يمكن أن تفعله التكنولوجيا لإنقاذ الهند من براثن الفقر، ونحو الوصول إلى مكانة الدخل المتوسط خلال العقد المقبل. ويعد النمو، الذي حقق نسبة 7.4 في المائة في الربع الأخير، المثال الواضح على ذلك. تمر الهند بالمراحل الأولى من الإسراف في الإنفاق التكنولوجي، لأن المستهلكين والشركات يقومون بتخزين كل شيء بدءا من الهواتف الذكية إلى الروبوتات ونظم البرمجيات.

سوف يقفز الاستثمار التكنولوجي لأكثر من ثلاثة أضعاف ليصل إلى 238 مليار دولار بحلول عام 2023، خاصة في قطاعات مثل قطاع الاتصالات والخدمات المالية.

النتيجة ستعزز الإنتاجية، ما يرفع النمو السنوي بنسبة نقطتين مئويتين، وفقا لبنك جولدمان ساكس. يقول توشار بودار، الاقتصادي المختص بالهند في بنك الاستثمار الأمريكي: “إنها لحظة مهمة جدا جدا. نشهد انخفاضا في تكاليف التكنولوجيا وزيادات سريعة في تبني التكنولوجيا، من قبل سكان شباب مستعدين لاستخدامها بطريقة كبيرة”.

مسارات جديدة

سيكون للهواتف الذكية البالغ عددها 500 مليون جهاز، التي من المتوقع أن يمتلكها الهنود بحلول عام 2018 آثار مهمة أيضا على الخدمات العامة. على سبيل المثال، تأمل حكومة مودي قريبا البدء في دفع إعانات الكاز مباشرة إلى الحسابات المصرفية التي تم إنشاؤها للهنود الأكثر فقرا.

وقد تم فتح ما يقارب 200 مليون حساب منذ توليه السلطة، مع وصول كثير من المستخدمين لتلك الحسابات عبر أجهزتهم المحمولة. ويمكن، من الناحية النظرية، لخطط النقل المشابهة ذات الفائدة المباشرة توفير مليارات الدولارات، عن طريق الاستعاضة عن برامج الرعاية الاجتماعية ذات الطراز القديم، التي تعاني الهدر والغش.

في أماكن أخرى، يأمل كل من أصحاب المشاريع وصناع السياسة في أن ملكية الهواتف الذكية الإجمالية، يمكنها المساعدة في حل المشكلات الاجتماعية التي تراوح بين تقديم الرعاية الصحية الريفية وتعليم الأطفال ــ وهو مجال يعمل نايليكاني فيه على بناء تطبيق عبر أحدث شركاته الناشئة، التي تدعى إيكستيب. في المقابل، يعتقد بعض مؤيدي مودي أن الأفكار التي تطورت في الهند يمكنها تقديم نموذج لبقية العالم النامي.

يقول جايانت سينها، وزير المالية في الدولة في حكومة مودي: “إن مصير الهند الاقتصادي هو تقديم محرك المشاريع ونماذج الأعمال للمستخدمين الوافدين البالغ عددهم ستة مليارات نسمة، تماما كما كانت أمريكا هي محرك المشاريع لأول مليار مستخدم”.

قبل أن يصبح من الممكن أن تتحقق مثل هذه الرؤى العظيمة، يجب على الهند التعامل مع التناقض الأكثر وضوحا في مشهد التكنولوجيا المزدهر لديها ــ الفجوة بين الإمكانات التي يقدمها سكانها المستخدمون للإنترنت بشكل متزايد، وبين البنية التحتية المتداعية التي تقوم عليها.

هذه الإحصاءات العالية المتعلقة بالإنترنت أقل إثارة للإعجاب مما تبدو عليه. نحو ربع مستخدمي الإنترنت البالغ عددهم 400 مليون نسمة في الهند لديهم اتصالات النطاق العريض، منهم 20 مليونا فقط لديهم اتصالات على الخط الثابت. بدلا من ذلك، يضيع معظم الهنود المستخدمين للإنترنت عبر خطوط غير مكتملة لهواتف محمولة بدائية.

كما أن عدد المشترين عبر الإنترنت صغير جدا، بنسبة تبلغ نحو 15 في المائة من إجمالي عدد المستخدمين في البلد، وفقا لوكالة إنديا إنفولاين ــ شركة للوساطة ــ ما يجعل السوق مقتصرة على تجار التجزئة عبر الإنترنت فقط. يشكو أصحاب المشاريع عبر الإنترنت من مشكلات أخرى: لدى الهند طرق سيئة، وشحن جوي مكلف وخدمة بريدية تعمل بالكاد، ما يتطلب تطويرا لنظم الإمداد الداخلية المكلفة. إلا أن التعليمات البيروقراطية والقواعد الضريبية الصارمة لا تجدي نفعا. يقول فيجاي شارما، مؤسس السوق الإلكترونية “بايتم”، التي جمعت العام الماضي مبلغ 680 مليون دولار من “علي بابا”: “التجارة الإلكترونية هنا أصعب بكثير منها في الصين”. يغلب على مجموعات الاتصالات أن تلقي اللوم على الحكومة في تسليم القليل جدا من طيف الهواتف المحمولة التي يحتاجون إليها لتعزيز الشبكات، وهذا مجال لم تحرز فيه إدارة مودي أي تقدم يذكر. قواعد التخطيط المعقدة هي التي توجه إليه اللوم جزئيا، حيث وضعت الهند فقط 15 مليون كيلومتر من ألياف الإنترنت العام الماضي، وهذا يشكل عشر الرقم الموجود في الصين.

تحديث الشبكات

قد يكون بعض ذلك على وشك التغيير، وفقا لأنكيت أجاروال في شركة ستيرلايت للتكنولوجيات، واحدة من أكبر مزودي الألياف للنطاق العريض في الهند، حيث يعمل مصنع ستيرلايت في أورانجاباد، وهو مركز تصنيع يبعد مسافة 300 كيلومتر عن مومباي، بشكل إضافي. في الداخل، تقوم الآلات اللامعة بتحويل السيليكون إلى زجاج، الذي يجري نسجه فيما بعد من خلال أفران حارقة لصنع أسلاك الألياف البصرية ذات النطاق العريض ــ الأرق من شعر الإنسان ــ التي من خلالها تنتقل إشارات الإنترنت.

توجد رزم من تلك الأسلاك عند مخرج المصنع، جاهزة ليجري شحنها إلى شركات الاتصالات المحلية، التي يقوم كثير منها بتحديث وترقية شبكاتها.

هذا الإنفاق سيذهب إلى حد كبير إلى المناطق الحضرية، ما يبقي الكثير من علامات الاستفهام حول الطريقة لتزويد بالاتصالات إلى الريف، الذي لا يزال موطنا لـ 850 مليون نسمة.

هنا بالكاد يمتلك نصف عدد السكان هواتف محمولة ولا يزال استخدام الإنترنت أمرا نادرا. أطلق مودي برنامجا تكلفته تسعة مليارات دولار لربط ربع مليون قرية في العام الماضي، على الرغم من أن سجل الهند في تقديم مثل هذه المشاريع متقطع، وتبين أرقام الصناعة أن الجهود متأخرة عن المواعيد المقررة.

ستبلغ قيمة سوق الإنترنت في الهند 137 مليار دولار بحلول عام 2020، وفقا لبنك مورجان ستانلي، من أصل 11 مليار دولار في عام 2013، لكن إذا فشلت محاولات نشر إمكانية الوصول للإنترنت على نطاق أوسع، فإن البلاد ستكون معرضة لخطر أن تصبح عملاقة إنترنت بسرعتين، مع استمتاع نصف السكان بسرعات إنترنت وخدمات بمستوى الاقتصادات الصناعية، وتخلف النصف الآخر إلى حد كبير.

حتى إذا نجحوا، ستبقى الهند بلدا أكثر فقرا بكثير وأقل تحضرا من الصين، وهو ما يضع بالتالي سقفا على معدل النمو الذي يمكن أن تتوقعه الأعمال التجارية، وعلى رأسها التجارة الإلكترونية. لا يزال المال آخذا في التدفق إلى المشاريع والشركات الناشئة، لكن ظهر أخيرا إحساس بالواقعية كون المستثمرين أصبحوا مدركين أن الارتفاع الرقمي لثاني أكبر اقتصاد ناشئ في آسيا، من غير المرجح أن يكون سريعا كما كان في الصين، أي الاقتصاد الأول في آسيا.

هذا الأسبوع، بدأت “زوماتو”، خدمة توصيل الطعام، في إغلاق عملياتها التشغيلية التي افتتحتها أخيرا في بعض المدن من الدرجة الثانية، واصفة إياها بأنها صغيرة جدا على نحو لا يمكن معه مواصلة أعمالها. كما أن الشركات الناشئة الأخرى تبدأ في الاستغناء عن الموظفين، وطلب منها خفض التكاليف قبل طلب مزيد من المال. يقول أرورا من “سوفت بانك”: “سيصبح الداعمون الماليون أكثر تمييزا وتدقيقا”.

مع ذلك، حتى وإن بقي الاقتصاد الإلكتروني للهند أصغر حجما وأكثر اضطرابا من الصين، يبقى نايليكاني ثابتا حيال التغييرات العميقة التي سيجلبها انتشار التكنولوجيا.

ويضيف: “إن الهند مجتمع يقوده الطلب بشكل كبير، وحقيقة أن مليار شخص يطالبون بذلك النوع من التغييرات التي يمكن أن تجلبها التكنولوجيا، فهذا يعد أمرا قويا بشكل هائل. قد لا يسير التحول الرقمي على شكل خط مستقيم. لكنه سيحدث، حتى إن تقدمنا خطوتين للأمام، وخطوة للخلف”.