IMLebanon

بين عون والفراغ .. “حزب الله” ينتخب؟ (بقلم هيثم الطبش)

michel-aoun-sleimin-frangier-nasrallah

 

كتب هيثم الطبش:

في 18 كانون الثاني الجاري أعلن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع تبني الحزب ترشيح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية. ما كان يمكن أن يُكتب في تلك الأمسية لم يكن ليخرج عن سياق إما الترحيب بالقرار وإما انتقاده، أو في أحسن الأحوال أن يكون قراءة في الأسباب الدافعة وتقييم الأمر برمته، فقررت التريث حتى “تروح السكرة وتجي الفكرة”.

الحدث استأثر، ولا يزال، مذّاك على عناوين الصحف وافتتاحياتها، ولا يتطلب الأمر كثيراً من التدقيق في مواقف مؤيدي جعجع أو خصومه للخروج بخلاصة أن ما فعله أكد أنه القيادي المسيحي الأبرز من دون منازع. ففتح طريق بعبدا أمام عون، إنما من معراب، يحمل في مدلولاته الكثير من المعاني. فلصانع النجوم في عالم السينما دور أكبر من أي بطولة، وجعجع باختياره أن يكون صانعاً للرئيس أصبح اليوم أكبر من الرئاسة.

لكن عن أي رئاسة نتحدث؟ قبل الخوض في المواصفات والمطلوب من الموقع والشخص، هل ستكون هناك انتخابات فعلاً؟

المؤشرات الأولى تفيد بأنّ جلسة 8 شباط المقبل لن تشهد نهاية لحال الفراغ، والرئيس العتيد لن يعرف اسمه خلالها. وفي انتظار أن تحسم حركة “أمل” و”حزب الله” موقفهما يبدو تيار “المستقبل” مستمراً في ترشيح النائب سليمان فرنجية، بينما اختار رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط ترك الساحة ليكون متفرجاً ويحيّد كتلته عن صندوق الانتخاب، علماً أنه سبق له أن رشّح من أمام باب منزله في كليمنصو النائب فرنجية قبل أسابيع.

في مطلق الأحوال، يبدو أنّ جنبلاط التقط إشارة ما على أن الناخب الفعلي، أي “حزب الله” لا يريد رئيساً في الوقت الراهن.

“المي بتكذب الغطاس”… بهذا المبدأ قرر جعجع تبني ترشيح عون للرئاسة من ضمن ورقة النقاط العشر، فإذا كان “حزب الله” صادقاً في قوله يكون عون رئيساً خلال ساعات، وإذا لم يصدق، والأرجح أنه لن يفعل، يكون جعجع أعاد خلط التحالفات السياسية وفرض على الحزب عزلة داخلية تسحب عنه الغطاء المسيحي في الحد الأدنى، وتجعل من تفاهم كنيسة مار مخايل صفحة طوتها “القوات” مرّة وللأبد.

في لقائه التلفزيوني الأخير عبر “بموضوعية” مرّر جعجع رسالته وكررها فقال “المسألة اليوم تقف عند “حزب الله” بكل صراحة وبكل وضوح ومدى جديته في سدّ الفراغ الرئاسي”… “حزب الله أكد أنه مع عون حتى النهاية ووصلنا إلى النهاية فعليه إثبات ذلك”… “حزب الله يمكنه جمع كل قوى 8 آذار ليتفقوا على انتخاب عون”… “اذا كان الحزب جديّاّ في انتخاب رئيس للجمهورية فغدًا يتم انتخاب عون رئيساً”.

وضع جعجع الحزب بين خيارين إما انتخاب عون فعلاً الذي أصبح اليوم حليف “القوات” أولاً وإن كان يشغل موقعا وطنياً بامتياز، والخيار الثاني هو أن يواصل الحزب سياسة التعطيل وتفضيل الفراغ ويخسر بالتالي حليفه المسيحي الوحيد في هذا الشرق.

لا شك في أنّ النهج الاصلاحي الذي استحوذ على حيز من شهية جعجع لإنهاء الشغور الرئاسي يلاقي في مكان ما الفكر ذاته لدى عون، لكن إنجاز تلك الخطوات يشترط بداية انتخاب الرئيس، والعمل على تنشيط الاقتصاد، وانتشال الفقراء من بؤسهم وحل الملفات الحياتية الشائكة، التي شدد عليها عون في حديثه التلفزيوني الأخير، كلها تتطلب انتخاب رئيس.

وضع حدّ لجمهورية الموت المجاني على الطرق وعلى أبواب المستشفيات والطعام الملوّث والمياه والكهرباء والنفايات والمصائب المتراكمة التي تجمع اللبنانيين، يتطلب وصول الرئيس القوي ذو التمثيل الواسع والمدعوم بتأييد شعبي عابر للطوائف، وقد يكون ميشال عون فعلاً هو هذا الشخص، لكن الكلام شيء والانتخاب شيء آخر… الثابت حتى لحظة توقيع هذه السطور هو أن “حزب الله” اختار العرقلة والشغور والتعطيل مواصفات للرئاسة اللبنانية، فأين سيجد رئيساً يجسدها أكثر من الفراغ؟ في القاعة الرئيسية في معراب صورة نقلتها “المنار”، بخجل ربما، لكنها في العمق لا تعجب “حزب الله” كثيراً.