IMLebanon

الأسواق العالمية في 2016 .. أسوأ بداية على الإطلاق

European-Stock
خسرت الأسواق العالمية أكثر من أربعة تريليونات دولار من قيمتها هذا العام، مع معاناة عديد من البورصات أسوأ بداية لها على الإطلاق. في الوقت الذي يستبعد فيه المستثمرون خطر الركود، يرون أيضا قليلا من العوامل المحفزة لارتفاع الأسهم.

كان ذلك في صباح أوائل شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، وكبار المستثمرين في كارمينياك، صندوق إدارة الأموال الفرنسي، منشغلون في نقاش كانوا قد بدأوه منذ أشهر: ما مدى هشاشة الاقتصاد العالمي؟ الآن، عقب استيعاب أثر القرار المتخذ في آب (أغسطس) الماضي، من قبل السلطات الصينية للسماح بانخفاض قيمة الرنمينبي بنسبة ضئيلة فقط، حان الوقت أخيرا للتصرف.

كان لدى الصندوق الرائد باتريموان البالغ قيمته 25 مليار يورو والتابع لكارمينياك أسهم بقيمة عشرة مليارات يورو، وتم اتخاذ القرار لشراء التأمين مقابل الحافظة كلها. من الناحية العملية كان هذا انسحابا من سوق الأسهم والانتظار لرؤية ما سيحدث.

بعد عملية بيع مكثف قوية، تعافت الأسواق واستردت اتزانها وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كان “الاحتياطي الفيدرالي” واثقا بما يكفي حيال آفاق رفع أسعار الفائدة للمرة الأولى خلال عقد من الزمان.

على أنه في الأسابيع الأخيرة، بدا قرار كارمينياك وكأنه الموقف الصحيح: كان كانون الثاني (يناير) الجاري، بمنزلة كارثة لأسواق الأسهم، التي لم تنخفض قط إلى هذا المستوى المتدني أو بهذه السرعة الكبيرة للغاية في بداية العام.

يقول ديديه سان- جورج، الخبير الاستراتيجي لصندوق إدارة الأصول الفرنسي: “كان تفسيرنا للكارثة الصينية هو أنها كانت بمنزلة الواشي، وأن هذا هو أول أثر ملموس لنهاية برنامج التسهيل الكمي”.

خسرت أسواق الأسهم العالمية أكثر من أربعة تريليونات دولار من قيمتها حتى الآن هذا العام. وعملت المخاوف المتعلقة بالتباطؤ الاقتصادي في الصين وتخفيض قيمة العملة على اندلاع حالة شبيهة بالذعر.

أصيبت أسواق السندات بسبب القوى المتعارضة من البنوك المركزية التي تبيع الاحتياطيات من أجل دعم عملاتها، وبسبب المستثمرين الذين كانوا يهرعون لنيل السلامة.

خسرت الأسهم الصينية في كل من شنجهاي وشينزن خمس قيمتها خلال أول أسبوعين من كانون الثاني (يناير) الجاري. وانخفضت المؤشرات المرجعية في كل من اليابان وأوروبا والولايات المتحدة بأرقام تصل إلى 10 في المائة.

وانخفضت أسعار السلع الأساسية بشكل حاد، مع بيع النفط بأقل من 28 دولارا للبرميل، وقد شوهد هذا السعر لآخر مرة في عام 2004.

حالة من التشاؤم آخذة في التطور الآن، مع قيام المستثمرين والخبراء الاستراتيجيين المرموقين بإخبار العملاء أن يقوموا بالانسحاب من أسواق الأسهم والتوجه إلى السندات الحكومية الآمنة.

إلى جانب القلق حيال تباطؤ النمو في الصين، يبدي المستثمرون قلقهم حيال تراجع أرباح الشركات الأمريكية، وصحة شركات التعدين وشركات الطاقة التي تكبدت الديون، حين كانت أسعار المواد الخام أعلى بكثير، علاوة على الآثار المترتبة على انهيار أسعار الطاقة.

في مواجهة المهمة

لذلك، سوف يعود المستثمرون الأمريكيون يوم الثلاثاء مرة أخرى بعد عطلة طويلة للبحث عن إجابة لسؤال: ما الذي يمكنه استعادة الثقة، ليس فقط للصين بل لبقية العالم؟

مصداقية صناع السياسة في جميع أنحاء العالم هي الآن على المحك، خاصة “الاحتياطي الفيدرالي” الذي رفع الشهر الماضي وللمرة الأولى خلال عقد من الزمن، تكاليف الإقراض لليلة واحدة.

ما صاحب اضطراب السوق هذا الشهر كان التعزيز واسع النطاق للدولار الأمريكي، الأمر الذي أدى من الناحية العملية إلى تشديد الأوضاع المالية والإضرار بالصناعة المحلية المضطرة لمنافسة الواردات الأرخص.

الجدير بالذكر أن البنك المركزي الأمريكي عمل على تأخير تحول متوقع بشكل واسع في الاقتراض في أيلول (سبتمبر) الماضي، بعد اضطرابات السوق التي أثارها التخفيض المفاجئ في قيمة الرنمينبي في الصين. تتضمن أسعار سوق السندات تضاؤلا في التوقعات لمزيد من الزيادات في أسعار الفائدة الأمريكية هذا العام، في الوقت الذي لا يزال يتعين على الاقتصاد الأمريكي أن يشهد زيادة في الإنفاق الاستهلاكي بعد الهبوط الحاد في أسعار النفط.

يقول آرثر باس، العضو المنتدب في شركة كويكس بارتنرز: “سيجد الاحتياطي الفيدرالي أن رفع أسعار الفائدة الآن سيكون أمرا أصعب بكثير من قبل، مع هبوط الأسهم بنسبة 8 في المائة هذا العام، ووصول النفط إلى مستويات متدنية جديدة، وتزايد المخاوف بأن التضخم سيحتاج حتى إلى وقت أطول للوصول إلى النسبة المستهدفة البالغة 2 في المائة”.

التحدي الذي يواجه صناع السياسة هو أن المستثمرين يواصلون خروجهم من أسواق السلع الأساسية، والأسهم وسندات الشركات، ما يحفز تدافعا يضر بالثقة بين الشركات والمستهلكين. بعد الأزمة المالية، اتخذت المصارف المركزية تدابير استثنائية لتحفيز اقتصاداتها، لكن النمو كان مخيبا للآمال.

من المفترض أن يكون “الاحتياطي الفيدرالي” قد عمل على إغلاق أبواب حقبة ما بعد الأزمة، لكن مع أسعار الفائدة التي لا تزال قريبة من الصفر والاحتمال الضئيل لوجود الحوافز في المالية العامة، يكمن القلق في أن صناع السياسة قد استنفذوا الوسائل المتاحة أمامهم.

يقول البعض إن اضطراب السوق سوف يرغم السلطات في الصين على اتخاذ حزمة من تدابير التحفيز قبل العام الصيني الجديد في الثامن من شباط (فبراير) الماضي، عندما تغلق الأسواق لمدة ثلاثة أيام على الأقل وتتباطأ الأعمال التجارية.

مع ذلك، مصدر القلق هو أن الحزمة الفعالة من التدابير القابلة للتطبيق تحتاج إلى مزيد من الوقت ليتم تجميعها معا، مع تراجع المصداقية في الصين أصلا بسبب تصرفاتها المتسرعة بشكل واضح: بدءا من عملية شراء الأسهم بالإكراه من قبل ما يسمى بـ”الفريق الوطني” في الصيف الماضي إلى التخلي عن “قواطع الدورات”، التي فرضت فترات من التوقف في التداول في أسواق الأسهم الهابطة هذا الشهر.

يتساءل تشينج دونج تشين، كبير الاقتصاديين لمنطقة الصين لدى بنك بي إن بي باريبا: “ما التصريح الذي يمكن أن يعلنوا به؟ لقد أطلقوا كثيرا من التصريحات من قبل. إن خفض نسب الاحتياطيات لا يبدو بأنه أمر ناجح بالطريقة التي يريدونها. هل بإمكانهم القول إنهم يستخدمون أداة مضاربة في سوق الأسهم؟ لقد تعرض هذا للانتقاد في العام الماضي”.

المحاولات التي بذلت لإدارة الرنمينبي عملت فقط على زيادة المخاوف. واصل بنك الشعب الصيني إنفاق احتياطيات العملة الأجنبية لحماية الرنمينبي وتدخل في الأسواق، لتضييق الفجوة بين معدلات الصرف خارج البلاد، والمعدلات الداخلية التي يسيطر عليها.

بالنسبة للوقت الحاضر، قد تكون الآمال لتعزيز الثقة من بكين في المستقبل القريب في غير محلها، لأن كثيرا من المراقبين المتمرسين في الصين يقولون إن السلطات في بكين سوف تكون عازفة تماما عن إدخال أي شيء جذري، قبل اجتماع محافظي البنوك المركزية في دول مجموعة العشرين في منتصف شباط (فبراير) المقبل.

الصين هي البلد المضيف لاجتماع هذا العام ولديها سجل لقمع تقلبات السوق تمهيدا للأحداث التي ستكون فيها محط أنظار الجميع.

البحث عن نقطة النهاية

في غياب الإجراءات، ربما يقوم المستثمرون في بقية أنحاء العالم بالإغراء نحو أخذ دليل من أسواق الأسهم الصينية، لكن يوجد هناك اختلاف صارخ بين أزمة مصرفية، كتلك التي هددت النظام المالي الأمريكي في عام 2008، ومجرد التباطؤ الاقتصادي.

يقول جورج ماجنوس، أستاذ مشارك في مركز الصين في جامعة أكسفورد ومستشار اقتصادي أول في بنك يو بي إس، إن نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 3-4 في المائة سنويا، مع أنه أبطأ بكثير مما كان عليه خلال العقد الماضي، إلا أنه لا يعتبر مشكلة بالنسبة لبقية العالم.

“لقد كان من الشائع بعد مشاهدة الاضطرابات المالية أن نعتبر أن الركود العالمي سيأتي بعدها بفترة قصيرة، لكنني لا أعتقد أن هذا صحيح”.

مع ذلك، يعتبر الاتجاه أمام الصين مجرد قضية واحدة من بين القضايا الكبيرة التي تواجه المستثمرين.

يقول كريج بوثام، الخبير الاقتصادي للأسواق الناشئة في شرودرز: “يمكن أن يعزى مستوى الغموض المرئي في الأسواق إلى مصدرين اثنين: الصين والنفط. وكلاهما كان صعبا للغاية على المستثمرين، ولهذا السبب لا أحد متأكد من نهاية هذا كله”.

في أعقاب القرار الذي اتخذته السلطات الغربية لرفع عدد من العقوبات المفروضة على إيران، انخفضت أسعار النفط العالمية إلى أدنى مستوياتها منذ 12 عاما، ما يضع مزيدا من الضغط على الاقتصادات النامية التي تعتمد على تصدير السلع الأساسية.

يقول بوثام، الذي يرى في تحركات السوق “كثيرا من القلق إزاء الضعف في انتعاش التجارة العالمية”: “نحن نشهد انخفاضا في الإنفاق الرأسمالي في الأسواق الناشئة وضعفا في العوائد على السندات ذات العوائد العالية في الولايات المتحدة. مع ذلك، نحن لا نشهد ذلك التعزيز الاستهلاكي الذي يمكن أن تقدمه أسعار النفط المنخفضة”.

في الواقع، أحصت وكالة ستاندرد آند بورز 112 حالة من إعسار سندات الشركات العام الماضي، العدد الأكبر منذ عام 2009. كما ارتفع أيضا الإجهاد في الشركات المديونة بشكل كبير خلال الأشهر الست الماضية، مع أكبر زيادة في نسبة الشركات التي يفترض أنها تتعرض لخطر انحدار تصنيفها الائتماني منذ ست سنوات.

يقال أيضا إن سوق الأسهم الأمريكية قد تضيقت، كدلالة على سوق ينفذ منها الزخم بعد سنوات من الازدهار والتصاعد. وعملت المكاسب الكبيرة لعدد صغير من الشركات الكبيرة جدا والمعروفة العام الماضي، على دعم مؤشر ستاندرد آند بورز 500، لكن هذا العام انخفضت أسهم ما يسمى بشركات “فانج”- أي “فيسبوك” و”أمازون” و”نيتفليكس” و”جوجل”.

في الواقع، تحتسب كل من الأسهم وسندات الشركات والسندات الحكومية إمكانية بنسبة 50 في المائة لحدوث الركود هذا العام، وفقا لجان لويس، وهو محلل استراتيجي أول في بنك جيه بي مورجان، الذي يقول إن المعنويات أصبحت متشائمة للغاية وبعيدة عن واقع البيانات الاقتصادية. كتب في تقرير صدر هذا الأسبوع: “إذا كنا بالفعل في الشوط الأخير من التوسع في الولايات المتحدة وفي غضون نصف عام من الركود، حينها سيكون لعملية البيع الحالية في الأسواق المحفوفة بالمخاطر معنى، لكن هذا التطور ليس وجهة نظرنا”.

قد يبدأ موكب البيانات الاقتصادية الجيدة، بما في ذلك أرقام العمالة للاقتصاد الأمريكي المقررة في الخامس من شباط (فبراير) المقبل، باستعادة الثقة ما بين المستثمرين.

وهذا مذكور من قبل جان هاتزيوس من بنك جولدمان ساكس، الذي يسلط الضوء على الروابط الضعيفة بين الصين والولايات المتحدة وأوروبا. كما يقدر بأن الانهيار بنسبة 10 في المائة في الواردات الصينية سوف يؤدي إلى خسارة نسبتها 0.1 نقطة مئوية فقط من الناتج المحلي الإجمالي في العالم المتقدم مباشرة.

تعزيز البيانات

حتى في سيناريوهات هاتزيوس الأكثر سلبية، حيث يتباطأ النمو الصيني بشكل حاد عن التقدير الحالي المتشائم بالفعل من بنك جولدمان ساكس والبالغة قيمته 5 في المائة -أقل من التقديرات العالمية بنحو 7 في المائة- يكون الأثر العالمي مؤلما لكن يمكن التحكم فيه، وبعيدا إلى حد كبير عن أن يكون كافيا لجعل العالم ينخفض ليصل إلى مرحلة ركود جديدة.

بعد أول عشرة أيام صعبة من التداول في هذا العام، لعل هذا يكون الناتج الأكثر ملاءمة للمستثمرين: نتيجة لا تختفي فيها المشكلات التي يرونها، ولكن يجري احتواؤها على الأقل.

في هذا السيناريو، تكون أسعار السلع الأساسية علامة على الإفراط في طفرة الاستثمارات من قبل الصناعات التي تصنعها وتنتجها، وليست ركودا في الطلب العالمي. تعتبر قوة الدولار إشارة إلى الانتعاش في الولايات المتحدة.

أسعار الفائدة العالمية المنخفضة سوف تحفز في النهاية انتعاشا مطردا في النشاط الاقتصادي. وآلام الصين تعكس الانتقال من دولة تصنيعية بشكل سريع إلى مجتمع يتحرك اقتصاده مدفوعا بالخدمات والاستهلاك المحلي.

من الممكن أن الأسواق تعطي علامة على سنة صعبة جدا للمستثمرين وصناع القرار السياسي على امتداد الأزمة، دون أن يعني ذلك كارثة وشيكة الحدوث.

يقول ماجنوس: “الصين تشبه إلى حد ما مأساة شكسبيرية. أنت تعلم ما يحدث في النهاية، لكن الأمر فقط هو عدد فصول المسرحية التي تحتاج إليها للوصول إلى النهاية”.